جامعة المبدعين المغاربة ..جامعة الادباء العرب
هل أنت شاعر أو كاتب قصة أو روائي ؟
هل أنت مسرحي سنمائي فنان تشكيلي ؟
سجل باسمك الثنائي الحقيقي ،
مرحبا بزوارنا الكرام ،
جامعة المبدعين المغاربة ..جامعة الادباء العرب
هل أنت شاعر أو كاتب قصة أو روائي ؟
هل أنت مسرحي سنمائي فنان تشكيلي ؟
سجل باسمك الثنائي الحقيقي ،
مرحبا بزوارنا الكرام ،
جامعة المبدعين المغاربة ..جامعة الادباء العرب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

جامعة المبدعين المغاربة ..جامعة الادباء العرب

جمعية ثقافية فنية تأسست بتاريخ 10_يوليوز-2010-بعد اشتغالها كمنتدى مند11 ابريل 2007 مبدأنا ضد التمييع والفساد الثقافي
 
الرئيسيةمجلة ..جامعة الالأحداثأحدث الصورالتسجيلدخول
اصدارات جامعة المبدعين المغاربة اصدارات جامعة المبدعين المغاربة

محمد خير الدين ( الطائر الأزرق ) Mock_u10محمد خير الدين ( الطائر الأزرق ) Thumbn11محمد خير الدين ( الطائر الأزرق ) Mock_u11محمد خير الدين ( الطائر الأزرق ) Mock_u12محمد خير الدين ( الطائر الأزرق ) 81038210محمد خير الدين ( الطائر الأزرق ) 81981210محمد خير الدين ( الطائر الأزرق ) Mock_u13محمد خير الدين ( الطائر الأزرق ) 87013610محمد خير الدين ( الطائر الأزرق ) Thumbn12محمد خير الدين ( الطائر الأزرق ) Mock_u14محمد خير الدين ( الطائر الأزرق ) Thumbn13محمد خير الدين ( الطائر الأزرق ) Thumbn15محمد خير الدين ( الطائر الأزرق ) K10محمد خير الدين ( الطائر الأزرق ) Thumbn16محمد خير الدين ( الطائر الأزرق ) Thumbn17محمد خير الدين ( الطائر الأزرق ) 66299010محمد خير الدين ( الطائر الأزرق ) 80024311محمد خير الدين ( الطائر الأزرق ) 67498510محمد خير الدين ( الطائر الأزرق ) 54008911محمد خير الدين ( الطائر الأزرق ) 67403510محمد خير الدين ( الطائر الأزرق ) 79937110محمد خير الدين ( الطائر الأزرق ) 79508010محمد خير الدين ( الطائر الأزرق ) 79444710محمد خير الدين ( الطائر الأزرق ) 79148210محمد خير الدين ( الطائر الأزرق ) 80642710محمد خير الدين ( الطائر الأزرق ) 79242810محمد خير الدين ( الطائر الأزرق ) 80065210محمد خير الدين ( الطائر الأزرق ) 79268110محمد خير الدين ( الطائر الأزرق ) 79023210محمد خير الدين ( الطائر الأزرق ) 81345410محمد خير الدين ( الطائر الأزرق ) 80249210محمد خير الدين ( الطائر الأزرق ) 79017310
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
دخول
اسم العضو:
كلمة السر:
ادخلني بشكل آلي عند زيارتي مرة اخرى: 
:: لقد نسيت كلمة السر
تصويت
Navigation
 
منشورات جامعة المبدعين المغاربة الفردية
منشورات جامعة المبدعين المغاربة
محمد خير الدين ( الطائر الأزرق ) Mock_u10
محمد خير الدين ( الطائر الأزرق ) Thumbn11

» تداعيات من زمن الحب والرصاص للشاعر نورالدين ضرار
تداعيات من زمن الحب والرصاص للشاعر نورالدين ضرار Emptyاليوم في 20:12 من



إعلانات تجارية

    لا يوجد حالياً أي إعلان



     

     محمد خير الدين ( الطائر الأزرق )

    اذهب الى الأسفل 
    كاتب الموضوعرسالة
    زائر
    زائر
    Anonymous



    محمد خير الدين ( الطائر الأزرق ) Empty
    مُساهمةموضوع: محمد خير الدين ( الطائر الأزرق )   محمد خير الدين ( الطائر الأزرق ) Emptyالأحد يناير 04, 2009 2:01 pm


    محمد خير الديـــــــــــــــــــــــــــــن


    محمد خير الدين ( الطائر الأزرق ) 45b65aa57159e_MohammedKhair-Eddine-FotoCasafree

    بقلم رغينا كايل
    ترجمة علي مصباح


    محمد خير الدين،

    بعد وفاته بسنوات
    يعود من العدم بكتابين

    جلال الحكماوي
    (المغرب
    )


    محمد خير الدين ( الطائر الأزرق ) Mohd_khairaldain


    [right]
    قيد حياته: محمد خير الدين، ولد سنة 1942بتافراوت والدته عائشة بنت المحجوب. مغربي الجنسية، كاتب، . . انتقل إلى دار البقاء في 18 نوفمبر 1995. هل يمكن لنا أن نلخص حياة من كتب روائع الأدب المغربي بالفرنسية في غبار هذه الوثيقة الرسمية. لا أظن. فمن هو هذا «الطائر الأزرق» الذي أعاد لغة الشيخ موليير إلى صباها؟ وهل تعرفه العرب العاربة والمستعربة كما تعرفه نجوم باريس وليالي الرباط البيضاء؟
    عاد محمد خير الدين من العدم بهيا، بنصين حدوديين بعد موته بعشر سنوات: «طوبياس» و«كازاس». والساحر هو عبد الرحيم حزل، صاحب دار نشر «جذور» الذي ساح في أرض المغرب، بحثا عن شجرة أنساب حقيقية ورمزية لـ«الطائر الازرق» من طنجة إلى الدار البيضاء، مرورا بمراكش والصويرة. حب لا مثيل له لكاتب قلما تجود الأمهات بمثله، شغل الناس في حياته بطابعه الصاخب، والخارج عن رتابة المألوف. لم يكن خير الدين سكيرا فقط، كما صوره أعداؤه، بل كان كاتبا عملاقا تكالبت عليه تفاهة التاريخ والجغرافيا والكائنات الورقية. طبيب أسنان فاشل ترك الضرس المريض واقتلع جزءا من الفك. فكانت هذه هي بداية نهاية أحد كبار الأدب المغربي الحديث. سرطان جعل من الجحيم رحمة أمام الآلام التي عانى منها قبل أن يصبح شبحا لم يعرفه حتى المقربون. لكن «الهدهد» حارب الألم بمبضع الكتابة. كتابة مقاتلة، ويوميات باهرة لرجل لا تحتمل خفته.
    كان محمد تلميذا متمردا. رضع حليب الكلمات من أرض «سوس» العالمة التي غذت أعماله الباهرة. لغته الأصلية الأمازيغية، والثانية الفرنسية التي كان عارفا بها معرفة السحرة بسراديب الخلود في حدائق الهاديس. كان يلتهم كل حرف تقع عليه عيناه من شعر ورواية وشرائط مصورة إلى درجة أن أباه لم يكن يتوانى عن تمزيق بعضها عندما يراه يقرأها مقهقها. فالعلم عند سيد القبيلة رديف الرصانة وصمت القبور. لكن هذا الأب كان يعالج هذا الجرح القبلي، عندما يحصل الصبي على بعض الجوائز، بمنحه ما يكفي من الدراهم لشراء رامبو في طبعة «لابلياد» الرفيعة. ثم تتوالى الأحجار الكريمة في جدار الصغير المبدع، «الغثيان» لسارتر، «الجدار» و«الغريب» لكامو.
    كان محمد يكتب شعر بداياته كأنه ذاهب إلى الحرب. لا يمكنني التراجع الآن، كان يقول. الشعر بركانه الشخصي حممه أتت على الأخضر واليابس في حياته العائلية. أم مطلقة وهو لم يبلغ بعد قامة الرشد. جرح شخصي مضاعف، أرق، عائلة تبتعد عن رأس تنبعث فيه أناشيد الرحيل كالحرائق. لكن المثير أيضا في لوثة الشعر انها جاءته من صوت محمد عبد الوهاب. لقد اكتشفه مراهقا وأراد أن يصير مغنيا مثله يهدهد القصائد الفصيحة كما تهدهد الأم طفلها. لكن عدم معرفته بأسرار لغة الضاد وشكه في سحر حباله الصوتية جعله يتوغل في غابة الشعر الغامضة.
    ترك محمد إرث العائلة الرمزية وهاجر إلى فرنسا. كان المغرب مرجلا يغلي سنة 1965. المنفى الاختياري باب الحرية. قرأ «الطائر الأزرق» خريطة باريس السرية، كما يقرأ هندي أحمر آثار الريح على ذرات البسيطة الشاسعة. البوصلة اللامرئية في يد ومطرقة الكتابة في اليد الأخرى. توالت زلازله تباعا في جبال اللغة الفرنسية. «أغادير» رواية شعرية خلخلت أعمدة لغة بودلير ووجدت في حينها احتفاء لا مثيل له. سبقت هذه الباكورة، قصائد غريبة بلغة لوت عنق كل ما كان يكتب آنذاك في المغرب وفرنسا. لما نقرأ «غثيان أسود» القصيدة التي نشرت في لندن سنة 1964، نتلمس جحيم هذا الكاتب الذي جاءنا حاملا كفنه/ كتبه على يديه. شاعر جاء من المستقبل بالتأكيد. رأى بأم عينه جسده يتحلل إلى كلمات ويأكله دود أرض أخرى. ألم يكن خير الدين مفتونا بامرئ القيس؟ قفا نبكي العدم المطلق. سنة قبل هذا النص الجحيمي، قرر محمد الشاب أن يموت. رأى سماء سوداء كالحبر. نام على سريره كأنه يغمض عينيه إلى الأبد. في الصباح، استيقظ، لم يمت! في المساء، حينما خرج من غرفته تغير العالم فجأة. الجدران اقتلعتها ريح صرصر عاتية ونور عجيب يغمر الأرض. وقف مشدوها أمام هول ما تراه عينه: عند قدميه جثة تشبهه. منذ ذلك الحين سكنت خير الدين زلازل كتابة توغلت بعيدا في غياهب أراض مجهولة تسكنها الملائكة والغربان. فتوالت درره شعرا ورواية. «أجسام سالبة»، «شمس عنكبوتية»، «أنا الحامض»، «النباش»، «هذا المغرب»، يكتبها أينما اتفق في حانات باريس، ومقاهيها أو مطاعمها الشعبية التي كانت تعج باللصوص، والمومسات، وبائعي المخدرات حتى أن الشرطة ألفت هذا رامبو العربي الذي يكتب كالإعصار غير مبال بفساد الأمكنة. فلما سأله شرطي بعد أن أوقفوا بعض المشبوهين في هذه الحانات: كيف يمكنك أن تكتب في هذا الجحيم؟ أجابه محمد: عندما أكتب يختفي العالم من حولي. كان يكتب دفعة واحدة. خط مستقيم وقلق دون «روتوش». أو نقرات على الآلة الكاتبة التي كانت لا تفارقه.
    صال محمد وجال في باريس. التقى بعمالقة الأدب الذين يعتبرونه نبيا على أرض الأدب المتوحشة. إعجاب، فتنة، أيادٍ ممدودة إلى فتى الجنوب الجديد. تبناه جان بول سارتر، نجم الوجودية الفرنسية، فتح له مجلته ودور النشر الباريسية. من يفتح الأبواب في العالم العربي؟ وجوه أخرى: أندريه مالرو، بيكيت، ميشال ليريس، بونفوا، جاك لاكان وغيرهم. كانوا يعتبرونه مع صديقه سنغور وإيمي سيزير مردة أخرجوا الفرنسية من يباب الدلالة الشرعية المتوارثة، أبا عن جد، إلى فساحة أرض لا تنتهي. مستقبل الأدب الفرنسي ليس فرنسيا يا عزيزي...
    هل يمكن لجنية الكتابة أن تتعايش مع امرأة من لحم ودم؟ سؤال ماكر. لكن حياة خير الدين عرفت دائما حربا بين النساء والكتابة الزلزال التي كانت تجري في عروقه. عاش في باريس مع امرأة غريبة الأطوار، هي في الغالب زوجته الأولى آني وأم ابنه ألكسندر. كانت لونا آخر من ألوان العذاب الأرضي. لم يفلح في الكتابة معها. حاول الانتحار. عادت إليه الكتابة فوارة حارة بمجرد ما صفق باب الحياة الزوجية. وأبواب كل النساء. هل يمكن للطير الحر أن يألف ترف الأقفاص الذهبية؟ لا. خير الدين كان دائما هدهدا طليقا رغم زواجه من امرأة ثانية بعد عودته إلى المغرب. مفارقة العباقرة. لا ضير في ذلك. امرأة ودود تركت كل شيء من أجله بعدما كانت تعيش في لندن. تقيم اليوم بينها وبين الدارالبيضاء. تحرس بحب ووفاء أسطوريين أسراره، رسائله، مخطوطاته، دفاتره وحقيبته المتواضعة. امرأة مضياف تفتح بابها لكل عاشق لـ«الطائر الأزرق»: طلبة، باحثون، محتالون... الرسائل تأتي أيضا من بعيد. كان يحتفظ بها كصديقه شكري. هذه الرسائل التي لو نشرت يوما ستزلزل الأرض تحت أقدام الكثير من النصابين الذين كانوا يدعون صداقته ويسيؤون له أشد الإساءة. أدباء، صحافيون، مسؤولون أو بشر فان.
    لما عاد محمد خير الدين سنة 1995 إلى المغرب. تسكع بما يكفي في مهنة طائرة كزبد البحر: الصحافة. عاش في مغرب لم تحركه كثيرا رياح التغيير العالية. فأدمن الشرب وجنون العظمة وحدة المزاج. كتب وأبدع، انبعاث الزهور الوحشية، أسطورة أغونشيش وحياته، ميموريال... منظرو المعارك الثورية اعتبروه مطبعا مع النظام، همشوه، سخروا منه، لكنهم نسوا أن الأسد يبقى أسدا في صحراء استأسدت فيها قردة السياسة. حتى عبد اللطيف اللعبي الذي رافقه في مغامرة مجلة «أنفاس» تحجج لناشره المغربي حينما طلب منه كتابة مقدمة لديوان «كازاس» بأنه لا يعرفه جيدا. يا ألله؟ كم تخفي عنا شجرة اليسار الثورية غابات كتاب حقيقيين لم تصنعهم أبواق الفرنكوفونية الطنانة. «الطائر الأزرق» لم يبع روحه ولا شجرة أنسابه لصانعي العبيد الجدد. تجار النضال وخدم فرنسا السيدة، هم الذين يرفلون في حرير الشهرة اليوم. بالصحة والراحة. ربما «أنفاس» التي قال عنها خير الدين أنه مؤسسها، الأصل الميتافيزيقي لا يهم الحكماء هنا، تحتاج إلى حفر عن جذورها البعيدة الممهورة بعرق النيسابوري، إيمانويل أو جاكوبياك وغيرهم. ربما الذكرى تنفع بعض المشاهير.
    لحم الصداقة لا يتعفن. هذه الصداقة الطرية صاحبت خير الدين في محنته. وبما أن الكتاب لا يملكون سوى الحروف التي ليس في مستطاعها تأدية تكاليف أهل أبقراط. تكلف القصر الملكي بمصاريف علاج «الطائر الأزرق». فانتقل من فندق «فرح» حيث كان كرمه المعروف يشمل كل من هب ودب إلى فندق «باليما» المتواضع في وسط الرباط. وفي هذا الفندق كتب ضد ألم لا يطاق. ماذا تفيد المضادات الحيوية والسوائل أمام فك يتسرطن بسرعة الضوء. لحسن الحظ، كانت هناك أجنحة الصداقة التي تغمره بنورها الرحيم.
    رحم الله خير الدين. أمهات كتبه لن يغمرها طمي التاريخ. سيبقى أكبر كاتب بالفرنسية في المغرب. لم تكرمه فرنسا لأنه لم يتعود كتابة قصائد الغزل في قدها وبهائها. لم ينل وسام الجمهورية الفرنسية، لأنه زلزل الأدب الفرنسي وبلاد فولتير تحتاج لتلامذة نجباء يحفظون دروس التركيب وشعرية الموتى عن ظهر قلب لينالوا الجوائز. جوائز «الطائر الأزرق» قراؤه. أما بلاده فحدث ولا حرج. كتبه لم تكن لها حرية التحليق في سماء المغرب. عادت إليها عودة خجولة. خجل عذراء تحت الخباء. والآن، رغم رياح التغيير، لم تفكر وزارة الثقافة مثلا في إصدار أعماله الكاملة بلغتها الأصلية أو مترجمة. هي التي أصدرت الأعمال الكاملة لكتاب أحياء للاحتفاء بالوجوه المغربية. يبقى الأمل معلقا على الأيدي السحرية لناشره المغربي الشاب عبد الرحيم حزل و«جذوره» لإخراج هذا الهرم الأدبي إلى النور. أعماله الكاملة مترجمة إلى العربية، إذا، في طريقها إلينا.
    إفتح عينيك أيها «الطائر الأزرق» وانظر إلى بركان العدم. سيغمر أرض الدجل بعض قليل وستبقى أنت عاليا. حلق، حلق بعيدا..

    للكاتب المغربي محمد خير الدين ظهرت الآن باللغة الألمانية آخر رواية كتبها الكاتب المغربي محمد خيرالدين تحت عنوان "صراعه الأخير". رواية تدور أحداثها حول شخصية أغون شيش الأسطورية وتزخر بالذكريات الشخصية والذاكرة الجماعية. مراجعة للرواية كتبتها رغينا كايل.

    عز الظهيرة (High Noon) في عمق الجنوب المغربي: عمل شبيه بفلم ويسترن قاتم الأجواء ذلك الذي يمنحنا إياه رامبو المغربي محمد خير الدين(1941-1995) بهذه الملحمة العائلية من إقليم الأطلس الصغير والتي تدور وقائعها حول شخصية أغون شيش الذي يهيم باعتباره فارسا متوحدا عبر المناطق الجبلية المحززة بالأجراف والأودية في الجنوب المغربي؛ طالب ثأر وحيدا، صعلوكا بدافع الشرف يتقفى آثار قبيلة قتَلة أخته داخل وسط طبيعي واجتماعي نموذجي القسوة موسوم منذ عهود ضاربة في القدم بمياسم الفقر والمجاعات ووقائع الثأر الدموية والتقاتل القبليّ وتجارة الرقّ والمعتقدات الخرافية والعنف والجهل؛ وسط يتأرجح بين الجحيم والجنة:
    عبر الجنوب الخرافي
    "لقد أنبأه أسلافه من قبل بأن الأموات سيظلون يرافقونه حيثما حلّ ومضى، ولن يستطيع منهم إفلاتا."
    أغنون شيش المطارِد المطارَد تؤويه المغاور ليلا وأضرحة الأولياء ومقابر مهجورة وخرابات القلاع الحربية المتداعية خلال رحلته كفارس محمل برسالة من العصور الماضية تتجسد لديه في شكل هلوسات ورؤى أحلام وفي لقاءات بالأرواح والجنّ...
    تبدو الرواية في مواقع عديدة في هيأة دليل أسفار يتنقل بالقارئ عبر الجنوب الخرافي العتيق داخل مثلث تافراوت-تيزنيت-تارودانت، تلك المنطقة التي هي موطن محمد خير الدين والتي ما فتئ يستحضرها في كل كتاباته، لكن قلما وردت في أي عمل من أعماله السابقة بمثل هذا الطابع الفاتن الملحّ والمؤثر و المثير كما جاءت عليه في رواية Vie et légende d’Agoun’chich : حياة أغون شيش ووقائعها الأسطورية، روايته السابعة والأخيرة، وأول رواية يكتبها فوق أرض المغرب ما بين سنتي 1979 و1983 بعد عشرات السنين من حياة المنفى:
    "أي مذاق لذيذ لإبريق اللبن الممزوج بطحين الزعتر بعد الخمور الحادة في أرض الغربة!"
    طقوس إحتفالية
    الذكريات الشخصية والذاكرة والجماعية، التاريخ العام ووقائع المسيرة الحياتية للأفراد تنصهر جميعها معا داخل صورة نموذجية للجنوب الذي كان منذ ذلك الزمن الذي تدور فيه أحداث الرواية (الثلاثينات من القرن الماضي) موسوما بظاهرات النزوح والفرار من الأرياف والهجرة والالتقاء الأليم بعالم الحداثة الاستعمارية.
    بلمسات تصويرية فنيّة ساحرة يحفظ محمد خير الدين لغة البربر وعاداتهم، ويصور تقاليد حياتهم اليومية وطقوسهم الاحتفالية، ويخلّد أقاصيص الخلق وأساطير البدء، ويروي وقائع من حياة الأولياء مثل سيدي حَمد وسيدي موسى وللّه تيعازتْ تاسملالتْ، أو حكايات البطولات وشخصيات خرافية من أمثال حمَد ونمير التي تتماهى معها شخصية أغون شيش وترى نفسها نسخة منها:
    "بيتي كان إحدى النجوم وأنا كنت حَمد أو نمير: جنيّا... من مادة الكواكب كنت...وكان جسمي يروي الأرض بعرقه، ذلك أنني كنت أعمل في ملكوت المنفى السماوي..."
    في انتظار المنفى
    ليس شيئا أقل من ملكوت السماء هو المنفى الذي غدا أغون شيش ينتظره في آخر الرواية: وما ابتدأ على هيأة Ethno-Western –سيرة إثنوغرافية من الغرب الأميركي، على غرار رواية on the road (إحالة على رواية "على الطريق" لجاك كيرواك)، أو بعبارة أفضل off road (خارج الطريق) مع لمسات سريالية، سيفضي بالنهاية إلى وثيقة تقريرية عن صدام الحضارات(clash of civilisations) والمصادمة مع السلطة الاستعمارية التي سيجد أغون شيش "ملك الجبال" وروح الجنوب نفسه مندحرا فيها أكثر فأكثر إلى موقع دفاعي كلما تقدمت به مسيرته باتجاه الشمال.
    وعندما تدهس شاحنة نقل بغلته المحبّبة ورفيقة دربه الوحيدة، عندها فقط سيجد أغون شيش نفسه أمام صراعه الأخير؛ الصراع الذي يحيل عليه عنوان الترجمة الألمانية للرواية، والذي كان ضمنيا في النص الأصلي وقد تركه الكاتب لخيال القارئ.
    ليس بالسلاح تكسب المعركة
    "وفي اليوم نفسه وارى سلاحه التراب إلى جانب بغلته وركب الحافلة باتجاه الدار البيضاء." ذلك أنه قد غدا واضحا لديه: ليس بالسلاح يمكن كسب هذه المعركة التي هي "معركة حضارية"، وليست الجبال هي ركح هذه المعركة إذنْ.
    والرواية بكليتها هي في الحقيقة، مثلها مثل كل تركة خير الدين الأدبية، جزء من هذا الصراع بالنهاية. وكون هذه الرواية لم تنشر في الدار البيضاء إلا سنة 2002، أي بعد مرور 18 سنة عن صدور طبعتها الأولى بباريس، وسبع سنوات بعد وفاة محمد خير الدين، إنما يعد لوحده مؤشرا على أن رواية أغون شيش ومن ورائها مجمل الثقافة البربرية العريقة التي ينتمي إليها حوالي 50 إلى 60% من الشعب المغربي، والتي كانت ترى نفسها على الدوام مندحرة إلى مواقع دفاعية، تظل بالفعل كيانا قادرا على الصمود وعلى تجديد نفسه مثلها مثل شجرة الأرغان الشهيرة التي يرد ذكرها في مستهل الكتاب والتي تعتبر الرمز الطبيعي الحي لتلك المناطق الجنوبية.
    إعادة الإعتبار الى الثقافة الشعبية
    عن "اللغة المقاتلة" كعلامة مميزة في كتابة خيري الدين..
    تلك هي اللغة التي أعلنها خير الدين في سنوات شبابه ومارسها في العديد من كتاباته، بدءا برواية أغادير التي مثلت بدايته الروائية العنيفة وحاز بها سنة 1967 على جائزة الفتية الشرسين التي أسسها جون كوكتو. تبدو روايته هذه من الوهلة الأولى وكأنها قد ابتعدت في الأثناء عن هذه اللغة المقاتلة.
    لكنها، حتى وهي تكرس عودة إلى النمط السردي الذي تأسس خلال الثمانينات وغدا نمطا مميزا سائدا لدى كتاب جيله (نذكر منهم الطاهر بن جلون على سبيل المثال)، فإنها في تلك المقاطع التنظيرية تعيد الربط مع مواقف مجلة أنفاس (1966-1972).
    وكانت تلك المجلة الأدبية والثقافية الطلائعية التي أسسها بمعيّة كتاب مغاربة نذكر منهم عبد اللطيف اللعبي والنيسابوري (قبل أن تقع تحت طائلة الرقابة) هي التي أطلقت نداء شديد اللهجة يدعو إلى "تحرير الوعي". أو بكلمة أخرى إلى إعادة الاعتبار إلى الثقافة الشعبية العربية الأمازيغية التي مارس عليها التيار السائد للصفويّة العربية الإسلامية قمعا قد يكون أشرس مما مارسته الهيمنة الاستعمارية من قبلها.
    رمز النهضة البربرية
    "عالمي قد تمّت مواراته التراب مثل بغلتي..."
    ... هكذا يعلن أغون شيش قبل أن يرتحل باتجاه الدار البيضاء. إلا أن محمد خير الدين نبّاش القبور(إحالة على رواية له تحمل هذا العنوان) الذي كانت له منزلة الشاعر الملعون قد كان أول من نبش عن هذا العالم المطمور وأعاده إلى الحياة، وذلك في اتجاه معاكس لروح العصر الرسمية السائدة.
    واليوم قد غدا الشاعر الملعون يحتل منزلة رمز النهضة البربرية، نهضة قد غدت منذ خمس سنوات تجد مساندة ودعما حتى من الجهات الحكومية وذلك عن طريق تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية (IRCAM) الذي يعمل في الاتجاه الذي كان يحلم به الراوي على تمهيد الطريق نحو المستقبل الشامل لثقافة يقدّر عمرها بثلاثة ألاف سنة: "ثقافة يتقاسمها المرء مثل الخبز والماء مع رفاق دربه."
    بقلم رغينا كايل
    ترجمة علي مصباح
    رغينا كايل مترجمة وأستاذة أدب فرنسي في جامعات هايدلبرغ،

    منقـــــــــــــــــــــول
    يتبــــــــــــــــــــــــع


    عدل سابقا من قبل حسن بواريق في الأحد يناير 04, 2009 2:09 pm عدل 1 مرات
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    زائر
    زائر
    Anonymous



    محمد خير الدين ( الطائر الأزرق ) Empty
    مُساهمةموضوع: رد: محمد خير الدين ( الطائر الأزرق )   محمد خير الدين ( الطائر الأزرق ) Emptyالأحد يناير 04, 2009 2:03 pm

    تابع
    محمد خير الدين




    النباش



    le déterreur



    محمد خير الدين


    ترجمة آسية السخيري

    أوقفني رجال الدرك . كي أقتات باللحم، كنت قد تناولت بضع جثث لبعض المتوفين حديثا من أبناء منطقتنا...جثت موتى نبشت عنها في ذات مساء اليوم الذي تمت فيه مراسم دفنها الحقة حيث حضر الفقيه، أشراف البلدة وبؤساؤها.إحقاقا للحق رجال الدرك لم يعاملوني بقسوة و لم يعنفوني. بالعكس هم كانوا يمزحون لأن عجوزا مثلي حسب رأيهم لا يستحق غيرعلقة ساخنة . لقد حطموا باب منزلي بيد أنني لم أكن ساعتها هناك. امرأة شرسة حقود تبغض عائلتي منذ زمن طويل هي التي وشت بي و أخبرتهم بأنني موجود في الجامع. وإلى هناك جاؤوا ليقتادوني . تبعتهم. هذا لم يمنعني من الارتعاد رعبا لأنني كنت على يقين من أن آكل الموتى لا يحق له أبدا التماس الرحمة أيا كان نوعها لا من الله ولا من أعوان شرطته. بالعكس تماما هو يجب أن يطأطئ رأسه إلى أن يمس الأرض وحتى يحين أجل انفصاله عن العالم. استجوبوني على امتداد ساعات طويلة خلتها دهرا. غير أن ما رددت به على نائب الله والملك هو ما يلي:
    أنا سيد جسور لا أتساهل مع الآخرين. وفدت إلى هذا العالم في زمن الدمى المتحركة و الجينيرالات الأرقاء العبيد... زمن الأحذية البالية المتعفنة، واقيات السيقان الحارقة والنساء الموهوبات غضات، طريات و نديات في خطوط رسام كاريكاتوري (رؤوسهن على شكل خصية ناشفة متيبسة أو تينة بربرية التهمتها الشحارير). ليس لدي بعد ما يكفي من الثقل كي أصف ما لا أعرفه لا عن حواء و لا آدم بيد أنني أستطيع أن أصفني وسوف أزيف لك الرفقة عندما يتعلق الأمر بك، بإخوتك، بالبدلاء المغشوشين،وبالقوادين المهرة ممن تدفع لهم كي يجعلوا من الفنان الأصيل مهرجا و من الأديب خرقة عملاقة.
    حكايتي ابتدأت بمشاجرة بين أبي-الحمار الوحشي- الملعون و أمي- الكلبة- الهرمة. حدث هذا في منزل من الطوب، شاسع، مثل إسطبل. يقينا أنك لا تعرف هذا النوع من الجحور: كان الأمر الذي أشعل فتيل خصومتهما يتعلق بي دون غيري. يبدو و أنه كان يجب علي أن أتوقف عن الحياة. أبي-الحمار الوحشي- الخسيس توقع أن يرزق بأحد آخر سواي لكن الذي وفد كان أنا ! أنا الذي لا أروق له مطلقا...
    هل حدس أن السلسلة سوف تنقصف بسبب خطئي أم أنه كان يريد أن تبيض له أمي- الكلبة- الهرمة خزنة. أنا لا أدري بالضبط لكننا ربما سنرى ذلك لاحقا. بيد أنني لم أقل كما أنني لن أكتب أن أمي كانت متواطئة أو هي كانت ستسحب دوريات رجال شرطة مرضى لأنهم لم يلفوا غير جثة لا يمكن أبدا بيعها !


    أمي- حليب- عتمتي- اللزجة- الدبقة- الموحلة الذي أقطعه إلى جدران للترحيل و النفي هي أكثر سفالة من جميع الكلبات وبنات آوى العالم كله ! كانت تغمس أصابعها باستمرار في معتقدات القيامات الأولية كما أنها كانت تقول دوما لنفسها ما إن أخلد إلى النوم: هذا هو الآثم الذي يجب أن أثق به


    في فرنسا كنت أعيش عيشة لائقة. كانوا يوقظونني إبان كل صباح على الساعة الرابعة فجرا:" إلى العمل ! هيا دون إضاعة وقت ! "العمل يجللني أنا فرسهم السباق دائما ! كنت قطعة أثاث يملكها البورجوازي. أفترض أن الذين يحكمون البلدان المصنعة في هذه اللحظة قد وجدوا قطع أثاث أخرى عوضوني بها... لنقل إنهم من السود أو المكنات (الآلات)... هم أوجدوا أيضا أجهزة متطورة تسمى كمبيوترات كي تراقبهم !
    عامل منجمي،
    لقد حفرت، حفرت،
    اخترقت تربة الشمال،
    أسود مثل شيء تافه...
    أجليت من الأرض حقبا من الفحم الحجري...
    في الشمال كنت أتغذى بطريقة جيدة جدا: دجاجا محقونا بالهرمونات، لحم كتف الخنزير مدخنا أو مملحا (جامبون)، و طاجين البطاطا... كما أنني كنت أشرب النبيذ الأحمر، الجعة ومشروب الكالفا الروحي*... آه ! الكالفا... كنت ألثم بطريقة رائعة أيضا... في نهاية كل أسبوع تترافق عاهرات إلى الجحر كي يتمتع المائة والعشرون رجلا الذين يقيمون به. يقع دفع خمسة فرنكات قديمة عن كل اتصال.


    أعود إلى هناك لاحقا. حياتي لم تبتدئ على هذه الشاكلة... شابا كنت وكان من حقي أن أتوق إلى الثراء والبذخ والهناء وكل ما أرغب فيه. كنت الأمازيغي الذي لم أعده مطلقا. أي نطفة تستطيع الآن تحديد هويتي؟ أي حيوان منوي يمكنه تعيين أصولي؟ جئت إلى هذا العالم وسط أزهار الصبار. أزهار الصبار نفسها التي تشيد بها النشرات السياحية وإعلانات نادي البحر الأبيض المتوسط والمصورون الفوتوغرافيون الرسميون وسط إضرابات عمال السكك الحديدية، مبارزات العقارب، النصب ذي المفعول الباطل، دبابيس المربيات والمشابك الصدئة . ما زالوا لا يريدون التخلص من وكالات الأسفار التي لا تجد الهدف الأمثل في غير العامل. يغرقونه في الشمس... شمس شواطئ الجنوب البديعة، البائسة، التعيسة، القذرة، المقملة ! هذه الوكالات تعدمه بمدخراته الخاصة خلال فسحة في المناطق التي تسميها بالمعتدلة بيد أن شعبها ( الذي ما زالوا يقيمون الاحتفالات بجنيه المستهلك وبفولكلوريته) مشدود إلى الرسن أو مسمر ومثبت إلى أرضية بصدد التصدع والانهيار جراء تعاليم و أمور لا يقبل بها الغرب نفسه فوق طوفه.


    لا شيء يستدعي الاهتمام ! هنا في الجنوب المغربي هم يمنعون عنا كل لذة : النساء، لحم الخنزير والخمرة و بما أنه لم يعد لدي أي استدارة و طالما أنه لا يمكنني الاستغناء عن اللحم فإنني سأنبش عن الجثث التي ووريت الثرى منذ ساعات قليلة. بفخذ ميت سأحضر لحما مشويا على السفود وأدع ما يتبقى إلى أن يجف ويصبح قديدا. بعد قص اللحم إلى شرائح متساوية أملحها وأضعها تجف تحت أشعة الشمس بعد أن أكون قد علقتها في سعفة شوكية طبعا. كل هذا سوف يتدلي من شرفتي دون أن ينتبه أي كان إلى الأمر.

    اللحم بالنسبة لنا مقدس. نحن لا نصل إليه بيسر لذلك ولكونه نادرا تجدنا نوقره ونجله. القرويون الذين يذهبون إلى السوق مرة كل أسبوع و الذين لهم أقرباء تجار في مدن الشمال وهم تبعا لذلك يتوصلون بحوالات مالية أولئك فقط هم من يقدرون على شراء اللحم. أنا لست من هؤلاء ولا من أولئك ولذلك تجدني أحط على الجثث كما أنني إضافة إلى ذلك لست قويا بما يكفي ولا ماكرا كي أكرس نفسي للقنص. في الجوار يكن عدد غير قليل من الخنازير والشياهم* والأرانب البرية ومن حيوانات أخرى كثيرة بيد أن القنص مرهق جدا.
    أعوان الدرك أو الشرطة أتوا إلى هنا قصد التحقيق قبل أسبوع من الآن. سهوت عن إعادة عوسجة من شجرة عناب على قبر فتاة كنت قد نبشته وأخرجتها منه لتوفير استهلاكي من اللحم. ربما شك أبواها في أن أمرا ما مريبا كان قد حدث ولذلك فقد بلغا السلط. لكن كيف يمكنهم التعرف إلى أن المجرم لا يعدو أن يكون أنا؟ ما الذي سيدلهم على أنني مقترف ذاك الفعل المشين؟
    في الحقيقة أنا لست آكل لحوم بشر ! أنا لا أتناول غير لحوم الموتى من الغير المحنطين و العديمي الاستعمال. أنا لم أعتد أبدا على حياة أي كان و لا أظنني مطلقا مجرما أو سفاحا. أنا وحسب أسترد ما هو مخصص لابن آوى و ليرقات السرفة. لا يذهب بكم الظن إلى أني بهذا أشيد مبادئ لفلسفة أو نظامما ! لا !إطلاقا... أنا فقط واقعي لأن بي حنينا عارما إلى أوروبا هناك حيث كانت عيشتي جيدة. كنت أقضي النهار تحت الأرض لكنني عند المساء أعود إلى سريري. رغم كوني عشت بغرفة ضيقة مع ستة من أبناء جلدتي فقد كانت حياتي لا تخلو من سعادة وفي كل الأحوال كنت أسعد مما أنا عليه الآن هنا. لم أكن أبعث بسنت واحد إلى أخواتي ولا إلى أبي- أمي.أخواتي تزوجن باكرا جدا وأعني بذلك أن زواجهن تزامن مع فترة سفري إلى فرنسا. أبي- أمي باعاهن مثل الماشية لبعض أثرياء قرية نائية. في تلك الفترة كان الغني هو من يملك قطيع تيوس وماعز وبقرتين وبضع فدادين من الأرض الحجيرة. أكابرنا يسرقون منا لقب ومركزالأمغار


    *ذاك أن الغرباء لا غيرهم هم القادرون على إخضاع القبيلة واستعبادها. لم يكن هناك من بيننا ممن ولدوا في قريتنا أمغارا واحدا. الكلاوي* المسيطر على الجنوب وعلى الملك نفسه كان يكبت كل ثوراتنا ويحتوي كل تمرد. بخصوص الثورات الأمر لا يعدو أن يكون اشمئزازا وقرفا ناجمين عن سنوات القحط والجدب لا عن الذل والخزي والهوان الذي نتجرعه.باستثناء ذلك ثمة بعض المشاجرات بين أفراد نفس الجماعة من الحركيين الجبناء، الأنذال، الخسيسين، الأنانيين، الركيكين و الفاتري الهمة (les lefs * ). لا شيء يمكنه أن يطرأ ليغير النظام السلفي أو يحد من طموح قايد الذل والخنوع والتبعية الشريفية. أبي- أمي يمكنهما أن ينفقا ويتحللا ذاك ما كنت أقوله لنفسي والمعول في يدي. ما زلت أحب دهاليز منجم الفحم الشبحية، داء تقرح الرئتين الناتج عن استنشاق الغبار المزمن (السيليكوز)، السكك الحديدية الرديئة التركيب وآلات الرفع والشحن التي تحدث في بعض الأحيان صريرا جراء عدم تزييت الحديد الخردة ! أبدا لن أنسى ذاك الكنغولي المدهوس مقابل الحائط الذي كنت بصدد تهديمه. كان له هامة عصفور السهوب، رأس شجرة أبنوس يشبه قناعا قبليا. لم يكن يلبس خوذته أبدا ولذلك فرقع رأسه تحت الصخرة الفحمية. طوال ليال كنت أراه صارخا مهتزا في اللحظة التي ينقذف فيها دماغه لفرط قوة الانفجار كي تنتشر أجزاء منه على شفتي وجبهتي. ما زلت إلى الآن أتلذذ طعمها رغم الزمن و الموت الذي صار يفصلنا. السود مثلهم وصغار الجرذان موعودون لزهق أرواحهم هناك في سراديب أوروبا لأن الشتاء لا يغفر وخاصة لتجار التيار الكهربائي و مؤجري الغرف من المهاجرين الغير شرعيين. شخصيا أعتبرني محظوظا وأهنئني كوني وجدت لي ملجأ عند واحد من أبناء بلدتي ممن كانوا لا يمكن أن يؤدوا صلاتهم إلا مساء. غير معقول ! خمس صلوات في نفس الوقت وعلى سجادة من الأوراق النقدية. أجل هو يؤدي واجبه لله دفعة واحدة. الشتاءات كانت قارسة لكن بما أنني أشرب كثيرا من النبيذ الأحمر والكالفا فإنني لم أكن بحاجة إلى السخان الاصطناعي.في كل ما حولي وفي جلدتي ثمة شمس نادرة الوجود تلتمع و تتوهج... شمس توزع في دفأها وسخونتها الحميمة. هذه الشمس، محظية الشعراء العرب القدامى الذين تغنوا بها بيد أن النبي على ما يبدو هو الذي أطفأها خلال محادثته مع سكير كان قاتلا لوالده. أنا عاشق للرسول لذلك فإنني سوف آتي ببرهانه قريبا.آه ! لقد اختفى الماكر في مغارة في حين أن أعداءه كانوا يمشطون الصحراء سعيا لأسره مثل أي طريدة فظة مبتذلة.هذا حدث بين مكة والمدينة وهم لم يجدوه مطلقا... هم لم يتفضلوا حتى بتفتيش المغارة حيث كان متواريا عن الأنظار لأنها كانت مغلقة ببيت عنكبوت. عندما استل أحدهم سيفه من غمده ومزق بيت العنكبوت المغبرة التي كانت قد حطت لتوها هناك قفزت يمامة بيضاء (لا شك أنها كانت حمامة بيضاء مهاجرة دجنها الرسول) مرفرفة بجناحيها. أعداء حبيبي الرسول استنتجوا أن إنسانا لا يمكن أن يسكن أبدا مع حيوان خواف إلى درجة الشراسة في نفس المكان ولذلك انصرفوا مغيرين وجهتهم. ياااااااااه كم كانوا أغبياء معتوهين وكم كان حبيبي الرسول بارعا في التخفي ! ورغم ذلك فقد كان داخل المغارة بيد أن لا احد يمكنه رؤيته وكشفه... ذاك ورد في القرآن. كان الغالي يشبه غيمة كثيفة سميكة أو لنقل إنه كان أكثر شبها بالهواء. أجل هو كان شفافا. هو كان أكثر شفافية حتى من الهواء.. لو لم تكن هذه العطية السماوية التي غلفه بها الله ! كنت لن أعطي قرشا واحدا يتيما تعويضا عنه ! هاه ! لنكف عن هذا و لنترك هذا الموضوع وإلى الأبد ! لا شيء يعنيني غير حياتي الحالية !أجل هذا الحاضر الذي أعيشه !أنا أذهب كل يوم إلى الجامع. الفقيه يعرفني منذ طفولتي الهشة الطرية. الفقيه هو الرجل الوحيد من كل رجال القرية الذي وثقت به وبحت له بكل أسراري. قد أكون مخطئا وقد أكون مبالغا أيضا ومع ذلك فليكن في علم الجميع أن ما قلته هو عين الحقيقة. ولكي أكون أكثر أمانة في كلامي فأنا كنت قد أعطيت للفقيه بعض القطع النقدية مما ربحته ذات مرة في لعب القمار. لم يكن واحدا فقط من نبهه إلى أنني رجل سيء الطوية وخسيس لكن بما أنه ليس للنقود رائحة كما أن مصادرها وكيفية الحصول عليها تظل محل جدال فإن الفقيه تقبل مني ما وهبته إياه من مال. هو فضلا عن ذلك أراد الذهاب معي إلى منزلي كي نسكر ونرقص إلى أن نغرق في الجحيم بعد أن نكون قد مررنا بدروب الجنة المشعثة المحفوفة بالعوسج. كنت على وشك أن أقبل العرض لكن وجود عظام الموتى الكثيرة والمتناثرة في منزلي جعلني أحجم عن القبول إذ أن الفقيه لن يتوانى عن الوشاية بي.


    عشت فترة رهيبة كنت فيها فريسة أحلام كابوسية. أفظع كابوس أقض مضجعي كان ذلك الذي انبثقت لي فيه من تحت جناح عملاق طفلة كنت قد التهمتها بلذة وبهجة ليس لهما مثيل. إثر تذوق اللحم البشري لا يمكن البتة تقدير قيمة اللحوم الحيوانية. كانت الصغيرة طوال الحلم تلوح بناب فيل وتهددني بصرعي به. ما عدا رأسي كان كل جسمي مغطى بشعر كث وأشعث. كانت الطفلة تحلق فوق رأسي مثل حشرات الخيال العلمي. لم تنبس ببنت شفة لكن بيننا كانت قد قامت ملايين المحادثات البكماء... بعضها مرمز (مشفر) وبعضها الآخر واضح حد الصفاء. لاحظت أن هذه الأحاديث كانت تأتي من كائنات متنوعة تغير وتستحوذ على جسدها كي تتخفى فيه لغرض وحيد هو القضاء علي وصرعي. كل ذلك والطفلة متخفية في ألف صورة. فهمت حينها أنها يمكن لمرة أخرى أن تسقط تحت سيطرتي ما دامت لا تعدو أن تكون قناعا وأن جبن جلاديها ورعبهم الكبير من أن يقعوا تحت طائلة نظراتي كبير جدا مما جعلهم يضطرونها إلى التنكر في شكل قاتلة سفاحة. بغتة تنتابني نوبة رهيبة من الضحك.. ضحك عال قوي تتبعه خازوقة (فواق) خلتها لن تنتهي. عندها كم كانت دهشتي كبيرة لما رأيت أسفل قدمي قطعا من اللحم تتحول بسرعة مفزعة إلى أقزام رغم أنهم يعجون يمكن التعرف إليهم بسهولة. من ضمن هذا الكائنات رأيت الفتاة التي كانت تهتز في هيجان عنيف وتصأصئ مثل جرذ وقع لتوه في المصيدة. لوهلة وجدتني مفزوعا حتى أنه عن لي أن أفر لكن الجناح الحائم فوقي كان يسد علي منافذ الهروب. دون أن أتفطن إلى ذلك كان الجناح قد تحول إلى حائط دائري عال جدا إلى درجة أن السماء أصبحت في آخره في حجم عين موسومة (محددة) بثلاث نجوم. أمسكت مع ذلك بحواجز جدار البئر لكنني كنت أهوي في كل مرة. عقارب ذات شوكات معقوفة ملتمعة كانت تصفر وتلفحني مثل فوهة بندقية لحظة الضغط على الزناد (اللسين)فتلسع كفي وأصابعي.
    التتمة أسفله
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    زائر
    زائر
    Anonymous



    محمد خير الدين ( الطائر الأزرق ) Empty
    مُساهمةموضوع: رد: محمد خير الدين ( الطائر الأزرق )   محمد خير الدين ( الطائر الأزرق ) Emptyالأحد يناير 04, 2009 2:04 pm

    تتمة قصة النباش
    لمحمد خير الدين
    ترجمة آسية السخيري

    عزمت على الكف تماما عن التململ لأن أقل حركة سوف تضعني في مواجهة مصاعب جمة و تؤدي بي إلى أوخم العواقب لغير فائدة تذكر.عند أسفل قدمي كان الأقزام يخضعون لحالة تحول بطيء. لفرط بطئها كانت ترافقها ضحكة هازئة قادمة من نواة الأرض وكنت قادرا على رؤية تطور هذه الضحكة البـــغير رحمة. كانت قطع الشحم تواصل اضطرابها بعنف لكن بعضا منها كان ينحرف صوبي. كنت مثبتا بحائط البئر وكانت تضايقني إلى درجة الاضطهاد بالنفخ علي ملء قوتها وكأنه لا هدف لها غير تجفيفي. لم أعد قادرا لا على الهروب إلى الغيبوبة ولا على اتخاذ قرار شن هجوم مضاد. رأيتني ألتمع بكليتي وأتوهج ثم أتصدع و أنهار على مرأى مني بطريقة جعلتني أقدر على رؤية كل ضحاياي وكل المشاهد المصورة لمراحل نبشها، تقطيعها، وضعها على السيخ والتهامها بحبور ودون عجلة (كنت في فرنسا عندما رأيت هذا الحلم). عندما سقى أبي- أمي وقائد فرقة العمال تلك الكوائن بالنبيذ انتهت الفوضى العارمة وعاد كل شيء إلى حالة النظام التي كان عليها. فتحت عيني وأنا أدمدم عندما عمد أحد أبناء بلدتي إلى صب قدر من الماء البارد على رأسي . دفعته بفظاظة فوقع قبالة حائط الغرفة : " ستبحث لك عن سرير آخر. لا أريد أن أراك ثانية هنا. مفهوم؟" إنه هو الذي تكلم. فركت جفني ثم وثبت على أرضية الغرفة الضيقة وأمسكت برقبة قميصه بينما كان يقف بعناء. هو يبدو قد تجاوز الستين وقد قضى عشر سنوات وهو يدفع ثمن هذه الغرفة الحقيرة القذرة المؤثثة بستة أسرة مرصوفة على بعضها. لقد اشتريتها كي أزيد أجري أكد لي عندما التقيته لأول مرة. أنا ملزم بأن أرسل مبلغا معينا من المال لزوجتي وأطفالي كل شهر وليس ما أقبضه من المصنع الذي أشتغل هو الذي سيكفي لذلك. لقد قمت بما لا يعد من الأشغال الأخرى الصغيرة كي أصل الطرفين. أنا أنوي أن أطلب ترفيعا في أجري من رئيس العمال في المصنع. أنا أكره ذاك الرجل لأنه يكتنز المال بشغف كما أنه يتعبد و لا يشرب مطلقا الخمرة. بيد أنني كنت متأكدا من أنه لن يثري أبدا وأنه في كل الأحوال ورغم كل الحسابات فإن غرفته هذه البائسة لا يمكن أن تسوى أكثر من نصف مليون قديم لكنني أمقته وذاك الإحساس أقوى مني لدرجة عدم قدرتي على التخلص منه. هو الآن يحاول القيام لكنني كنت أشده لصق الأرضية. كنت أبصق في وجهه وأضرب على رأسه. في حين كان هو يئن ويلعنني بين أسنانه. من جانبي كنت أشتمه قدر ما أقدر و أهدده حتى بأن الوي رقبته. الستيني أطول مني لكنه كان هزيلا إلى درجة أنني كنت قادرا على أن أنال منه وألتهمه بلقمة واحدة. في ظرف لحظة بارقة سحبته إلى الساحة. وضعت رأسه تحت حنفية جحرنا الوحيدة. الطقس كان صقيعا إلى حد أنني كنت أرتعش من شدة البرد بيد أنني أمسكته لبضع دقائق تحت الماء المثلج. تركته متجمدا هناك وذهبت لأخذ حقيبتي التي اشتريتها من أحد أسواق أسواق البراغيث* بالكازا (بالدار البيضاء) قبل أن أستقل القطار المتوجه نحو فرنسا. دسست في الحقيبة قميصين قذرين وسروالا قصيرا و مدعوكا. كنت على وشك المغادرة عندما اعترض طريقي ثلاثة من أبناء بلدتي وسدوا علي منافذ الخروج من الغرفة. أمروني بأن أقرفص على الأرض. واحد منهم كان يلوح لي بسوط. كان الأقوى والأعنف. دون أن أهدر دقيقة واحدة أمسكت سكين جزارة لمحته على احد الرفوف وهجمت عليهم به دون أن أفرط في حقيبتي التي كنت سألعن نفسي لو أنني تخليت عنها ذلك أنها كانت تحتوي على جواز سفري و بطاقات أجري وتلك هي الوثائق الوحيدة التي كنت أملكها. تراجع المقدامون الثلاثة وهم يتدافعون ثم سقطوا الواحد فوق الآخر كي يتفادوا ضربات السكين التي كانت ستفري كروشهم. (استغللت هذا الوضع المرتبك كي أنسحب). بما أن مالك الغرفة كان له تأثير على الصعاليك وعلى أرباب الأقبية في الضواحي المجاورة صممت على أن أقيم على أرض بور بصحبة من كانوا الأبأس من أبناء وطني. كان من الضروري عقد مجلس حرب. جندت نفسي لجمع كل الذين كانوا ينزفون عسفا بسبب تجار النوم. استغرقت مدة حشدهم أقل من أسبوع. أدرنا جلسات محكمتنا الجنائية على نفس البقعة البور حيث وضعت حجرة التدشين الأولى. كانت الساعة توشك على السادسة بعد الزوال عندما أقمنا حفلة دعي إليها المتشردون والمحرومون في تلك الناحية.انتهينا بالانهيار سكارى على زربية من الكراتين والخيش المثقوبة التي باعها لنا رئيس عملة بناء في الصباح نفسه. بناء مدينة الصفيح لم يستغرق غير عشرة أيام. اعترضتنا مشاكل مع البوليس أزعجتنا كثيرا كما أنه وقعت مشادات وشجارات عرضية مع مديري الحانات و الرجال المساعدين لهم. أنابني رفقائي عنهم في مواجهة السلط. كان لا يفوت شهر دون أن تحط الشرطة عندنا لكنها لا يمكن أن ترحل غير أولئك الذين لم يكن عندهم حجة الإقامة وذاك لم يكن حال غير بعض قليل من سكان مدينة الصفيح. بسرعة أقمنا أكواخا جديدة لرجال متزوجين وأصحاب أسر ممن لا تقدر الشرطة على إقلاقهم. عندما أعيتها هذه الحرب انتهت السلط بأن نسيت أمرنا تماما. وهكذا كانت نواة جذور أول مدينة صفيح جديرة بهذا الاسم على أرض بور بشمال فرنسا. في الشتاء كنا نعيش وسط الثلج الموحل ونتعلق بالألواح الخشبية مثل بنات وردان و الجعلان . كانت الممرات تمتلئ بعلب المصبرات الفارغة و الفضلات من كل الأنواع. كانت كلاب الضواحي الضامرة تحاصر هذه الفوضى الملتمسة للمعاش اليومي لكن الأطفال والنساء يطاردونها بقذفها بالعصي وبحجارة الطين. كان البرد القاسي يعذبنا، رغم المازوت والفحم لكن ألمنا كان أهون من عذاب مؤجري الجحور الذين كانوا دائما يموتون بردا أو بسبب الاختناق لكونهم كانوا ينامون متكدسين فوق بعضهم كما أنهم كانوا لا يتدفؤون بغير الحطب الموضوع في مواقد بدون مداخن أو ببساطة أكثر فوق أغطية حاويات الفضلات.
    كان المثقفون في ذات الوقت يحدثون جلبة وكانت الصحف الليبرالية تعج بالاحتجاجات. كانوا ينظمون اجتماعات إحياء لذكرى الذين ماتوا اختناقا ويحضرون مواكب دفنهم تماما كما يذهب الآخرون إلى الخمارات. لكن ما إن يصبح هؤلاء تحت الثرى حتى ينسى الجميع قضية المهاجرين وحالتهم المزرية. المثقفون و الصحفيون الذين يقبضون وفقا لعدد مقالاتهم يجدون سريعا قططا أخرى يغسلونها بماء ساخن يحرقها. العالم يطفح جرائم متنوعة و الصحافيون يقتاتون عليها بخدمات التيلكس والأعمدة الإخبارية حيث المعلومة تذاب في هالةهذيانية تحجب ما يحدث من مجازر وفواجع وكوارث. هؤلاء الصحفيون والمثقفون هم الحلفاء الحقيقيون فعلا لقضيتنا لكنني كنت أعتب عليهم رخاوة ما و نوعا من الرقة يتصفون بهما في هذه المعركة. كنت أعرف أن إخوتهم في العرق يتسلون بمقالاتهم التي كدوا وسهروا من أجل إنجازها وأن لغطهم وضجيجهم القويان جدا لا يمكن أن يضاهيا طلقة سلاح ناري في الهواء أو ببساطة أكثر صفعة أحد ملاك جحور الأرانب. صحيح أنهم لم يكونوا ملزمين بالدفاع عن السود والعرب الشمال إفريقيين (les bicots*) لكنني خمنت أن امتيازاتهم كانت كاذبة ومخادعة وأنهم كانوا يخضعون أساسا في خلفية المشهد لنفس الإرغامات و الضغوطات التي يتعرض لها العمال الفرنسيون والغرباء. يمكن التخمين أيضا أنهم لهذا السبب الوحيد يكتبون عن جراح العالم الدامية. كنت أعتبرهم إذن ذبابا أخضر مزرقا قليلا... ذباب يتنازع على جيفة كلب أو تيس. نفس الذباب الذي كنت أقصفه عندما كنت طفلا لا يخاف ولا يسد أنفه لدى اقترابه من الميت.
    عندما ماتت جدتي رأيت كل النساء اللاتي يغسلن جثتها يسددن أنوفهن بأزهار الحبق. كنا نسكن منزلا واطئا في جهته الجنوبية يوجد إسطبل وعدة غرف موزعة على مساحة مماثلة لمنزلي الحالي. المنزل لم يكن إذن كبيرا من حيث علوه لكنه طويل إلى درجة أنك تكاد تضيع فيه. كان مظلما جدا إلى حد أنني أخبط الحيطان عندما أفر من أبي- أمي المتحضرين دائما لضربي بالعصا. أبي- أمي لم يكونا يسمحان لي حتى باللعب في غرفة أوى إليها سابقا شخص مات كغرفة جدي وجدتي اللذين ما زلت أتذكرهما جيدا كونهما كانا لا يفتآن يداعبانني و يمسحان على شعري بأصابعهما الصغيرة المحدبة اليابسة القاسية مثل درع سلحفاة الماء الحلو عندما يرمي الفيضان بمستحقاته على المشهد المحتوى بين سلسلتين جبليتين منخورتين إحداهما كانت دائما مخضرة مزهرة والثانية جرداء قاحلة جافة لكنها الملتمعة تحت ضربة منتصف الليل عندما يجعل القمر الأرض والسماء يسبحان في خدر ناعم. كان جدي وجدتي يرافقانني كل يوم جمعة إلى المقبرة ويشرحان لي كيف كان موتاهم يقيمون الصلاة ويرتلون الأدعية ويذكرون الله ورسوله ثم كانا يجبرانني على الانحناء على قبر مغطى بشظايا الزجاج و حطام أواني المطبخ الخزفية. الأشياء الوحيدة التي تسعد وتبهج هؤلاء الأقارب المفقودين كما يقولان هي نفخ جبرائيل في الصور لمدة طويلة لتحشر كل الكائنات : حيوانات زاحفة، كلاب واهنة، رجال، حشرات، خشاش الأرض، صراصير وجعلان...عندما تنبعث كل الكائنات والنباتات التي التهمناها أو حتى تلك التي لمسناها مجرد لمس خفيف تقوم مثل بذور قمح على مقبرة العالم الكبيرة في مواجهة الله القاضي الصارم.

    جدي وجدتي ماتا في نفس اليوم بينما كنت أصطاد الجراد... يوم ثقيل، نحاسي، ملتمع إلى ما لا نهاية لكنه مشرف على هوة تنتقل أسفل قدمي. جريت وسط الصخور، اصطدمت بالشجيرات الشوكية و بالعوسج المتيبس الذي حط عليه بعض الجراد المسافر نابشا وهاربا من الكلاب التي يقال إنها تصبح مسعورة خلال فصل الربيع والتي تتلقفه وتلتهمه لكنها فيما بعد ترمي به كي تقبض على بعض آخر منه متوتر محاول الفرار.
    كنت أجري إذن وكنت أصطدم بعقبات تعرقلني. ناداني أهل القرية ولوحوا لي بالعصي الطويلة وبأيديهم. "انتظر ! نحن نريد إعادتك إلى المنزل " صرخوا ولكنني لم أتوقف. كنت أعتبرني جرادة بينما الآخرون يطاردونني تحت أشجار الخروب الكبيرة و الأشجار المتناثرة والزياتين و النخيل. "كف عن الجري ! جدك وجدتك ماتا. عد بسرعة. " وأتوقف فجأة . لمزيد من الاحتراس عبأت كفي بالحجارة ثم صحت. " غير صحيح ! جدي وجدتي لا يمكن أن يموتا. أنتم فقط تريدون ضربي." بيد أن الرجال والنساء ظلوا يؤكدون لي أن جدي فعلا ماتا وأنهم لا يريدون إلا رؤيتي لآخر مرة واقفا قرب جثتيهما. قذفتهم بالحجارة ثم عدت إلى عدوي لكن في هذه المرة صوب الناحية الصخرية حيث كان منزلنا جاثما.عندما وصلت رأيت أناسا كثيرين واقفين عند الباب. اندفعت وسطهم خافض الرأس إلى أن وجدتني في ممر على شكل غرفة تقع قريبا من كوخ كنا نخزن فيه العلف. جدي وجدتي كانا ينامان ليلا نهارا فيها لكنني لم أجدهما هناك. كان ثمة فقط قط يقرش جرذا ضخما. القط الأسود كان في منتهى القسوة والشراسة مع الجرذ. رأيته يديره في كل الاتجاهات كي يغرس فيه أنيابه ومخالبه وكان الجرذ يئن ويحاول الفرار بجلده لكن القط يثب ويقبض عليه من جديد. عندما بلغ الجرذ حفرة يبدو أنه كان يستعملها دائما للمرور في كتلة علف كان يملأ الكوخ الملاصق للغرفة التي كان يأوي إليها جدي وجدتي أحسستني في غاية السعادة إلى درجة أنني نسيت الجراد وكل ما يمت بصلة له. رفرفت. للحظة خلتني رأيت جدي وجدتي يبرزان عند عطفة إحدى العقبات لكن ذلك لم يكن غير جرذ رأيته يصأصئ وهو يتعثر فوق الجدار الترابي المتصلب والمكتنز المحدد لغرفة في الطرف والتي منها يتفرع ممر منحرف. تلك هي الغرفة التي اعتاد جداي على النوم فيها. أمسك القط بالجرذ وأرجعه إلى هناك حيث لمحته أول ما وصلت. كان الجرذ يتقافز ويجابه القط الذي انتهى بغرس أنيابه في حلقه ثم ببطحه بلطف هذه المرة قبل أن يبدأ في تقطيعه. غطى رأس الجرذ لون ضارب إلى الحمرة. عيناه وحدهما ظلتا سليمتين وكانتا مبحلقتين بنظراتهما الثابتة في السقف. جريت في الممر واختفى القط في كومة العلف وهو يحمل فريسته. وجدتني فجأة أرتطم بحضن فتاة رأتني عندما كنت حاضرا أشاهد النزع الأخير للجرذ دون تردد ولا تأثر. ظللت لصيق نهديها لبضع دقائق ثم حاولت التنحي عن ذلك الوضع غير أن الفتاة ضمتني إلى صدرها بعنف وقبلتني على فمي وجبهتي قائلة إن جدي والعجوز هما اللذان ماتا بيد أنني الحي. أنا عصفور الدوري الذي تحبه. سحبتني نحو الكوخ البائس حيث كان أبي وأمي يخزنان العلف. شمرت عن حايكها* الأسود وانتزعت غندورتي*. لعبت بعضوي ووضعته في مهبلها دون أن تكف عن عناقي بشدة كل ذلك وعضوي يستفيق مثل حيوان ويتيبس. كنت أرتجف من اللذة المدوية وأفكر في أنني لست ميتا و أن هناك أناسا مذهولين ووجلين يغسلون في اللحظة ذاتها جثة جدي في بيت الماء بالجامع وجثة جدتي هنا على باب بيتنا القديم. الفتاة تولج لسانها في أذني بينما القط في قاع الغرفة يقرش الجرذ بضجة. كنت أهنئ نفسي على أنني ما زلت حيا وكان المنزل يهتز مثل شجرة كرز. الفتاة لا تنفك تدغدغني وتداعبني بطريقة مثلى في عذوبتها جعلتني أسلم لها عن طواعية نفسي. أصابعها المتوترة تذهب وتجيء بين فخذي وعضوي المضمد يحرث عانتها في حين يحاول جدي وجدتي التحدث، أحدهما كان في الجامع والأخرى بالمنزل لكنهما اللذان لا جنس لهما وإلى الأبد يحاولان أن يلتقيا مرة أخرى كأن الموت لم يفرقهما إطلاقا، متصلبين، مسحوقين، حانقين ومروعين مما يجعلني أصر على تلذذ دغدغة هذه الفتاة وعلى الإحساس بأن جدي يتباعدان وينفصلان انفصالا مبرما لا رجوع فيه ثم يفرغان من روحهما في رائحة الحبق وفي الجراد المشوي. بغتة قامت الفتاة. انتصبت واقفة. نفضت عنها ما علق بثيابها من تراب وطلبت مني أن أتبعها. مر القط بجانبي مسرعا و الجرذ بين أسنانه. ذهب لكي تبتلعه العتمة أو لعله قفز إلى الإسطبل مارا بواسطة خرزة البئر التي نفرغ منا السطول الملآنة ماء وخضرا متنوعة في مذود (معتلف) البقرة. عندما يقع الجرذ هناك وتأتي البقرة ولا تجده أو بالأحرى لا تجد شيئا تأكله سوف تخور أربع مرات. أمسكت الفتاة بيدي وسحبتني نحو الشرفة حيث النساء يغسلن جدتي بين الجراد الكسيح، زهر الحبق و كيس نبتات الصابونية*. لم يكن ثمة أي رجل لكنني رأيت القط غافيا يحلم بجرذان أخرى أكثر صلابة من الأول وداعيا في نفس الوقت الله أن يمنحه القدرة على القبض على السمينة الضخمة منها إلى أن يحين موته.
    التتمة أسفله
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    زائر
    زائر
    Anonymous



    محمد خير الدين ( الطائر الأزرق ) Empty
    مُساهمةموضوع: رد: محمد خير الدين ( الطائر الأزرق )   محمد خير الدين ( الطائر الأزرق ) Emptyالأحد يناير 04, 2009 2:07 pm

    تتمة النباش
    لمحمد خير الدين
    ترجمة آسية السخيري
    لقد تم تغسيل جدتي تقريبا. المرأتان اللتان ما زالت إحداهما شابة بينما الثانية عجوز شيئا ما واللتان تكفلتا بهذه المهمة تمرران يديهما على الجثةإيهاما بأنهما تداعبانها و تلمسانها بلطف. كانتا تغطسان إبريقا من الخزف في جرة كبيرة و تغمسان أطراف الأصابع في الماء الدافئ ثم ترشانه على الجسد. تضعان الأصابع على الأرض ثم تعيدان تمرير الأيدي على الجسد المسجى. كان ثمة امرأة عجوز أخرى بصدد مراقبتهما توحي بأنها من يعطيهما الأوامر. رأيتها تتلو بلا توقف ولا نهاية أو بالأحرى تمتم بأدعية وصلوات. المرأتان الاثنتان تفركان أخيرا يديهما بزهر الحبق وتبدآن في تدليك جسد جدتي الفارغ من الحياة وهما بالكاد تلمسان عانتها المغطاة بمنديل أحمر كالدم. واقفة فوق رأسيهما وأعلى جدتي ثمة امرأة أخرى تطرد الجراد بسعفة مما يجعل الهواء مرتجا. الجراد المدقوق يقع تحت قدمي المرأة التي لا تنفك تدمدم و الفتاة التي أخذتني في حضنها واستغلتني كي تطفئ رغبتها الجنسية تحضر الكفن وترفأ أطرافه و في نفس الوقت ترميني بنظراتها المتقطعة من حين لآخر. فجأة اندلع صوت المؤذن في الفضاء خارقا الصمت المكز للجراد وللشمس المشعة الحارقة. فهمنا حينها أنه خلال أقل من ساعة سيدفن جدي وجدتي جنبا إلى جنب. توقفت المغسلات ، المرأة ذات السعفة، العجوز المرتلة والفتاة عن العمل. قامت المرتلة وقالت للمغسلات إن كل شيء قد انتهى ثم توجهت نحو الفتاة وطلبت منها أن تذهب للبحث عن غطاء. أطاعت الفتاة ودلكت المغسلات الجسد الممدد قليلا. نادت المرتلة فجاء رجلان قويا البنية أحدهما يحمل شبكة كبيرة مصنوعة من الحبال المفتولة والآخر معولا ورفشا وقفة.علا صوت المرأة بالصلاة وفقا لإيقاع ما ووضع الرجلان جدتي فوق الشبكة وحملاها دون أن ينبسا بكلمة واحدة. تبعتهما بيد أنني فوتت درجة من السلم فسقطت على أعقابي. التفتا نحوي وقال الذي كان يمشي مباشرة أمامي:"ليس هناك من داع للخوف. ما يجب هو فقط أن تكون هناك رهبة في حضور الميت." تدارك الفقيه الأمر بأن ضرب مساعده بالعصا. كف هذا الأخير عن الضحك وعندها أردف: "هذا طفل كبير. المقبرة نفسها لا يمكن أن ترعبه وإن ولجها في قلب الليل."انتصبت بوثبة واحدة وجعلت أتبعهم إلى أن وصلنا إلى المسجد حيث دخلنا الواحد إثر الآخر على أطراف الأصابع وكأننا نتفادى إزعاج نوم جدي الممدود على بورياء* والمخاط مسبقا في كفنه. قاعة الجامع الواسعة تعج بالرجال. عرفت بينهم الفقيه الذي كان يلبس جبة وعمامة بيضاوين. توجهنا ،الحمالان الاثنان وأنا مباشرة نحو المنبر حيث يقف الفقيه. رأيت أبي الذي غدا وجهه شاحبا تماما مثل قناع غامض لا يمكن اختراقه وجدي مسجى متصلبا عند ساقي الفقيه الذي كان يقطع آيات لا تنتهي، تعلو فمه رغوة وعيناه تلتمعان. وضع الرجلان جثة جدتي بجانب جثة جدي ثم تسمرا في مكانهما وكأنهما يؤديان التحية العسكرية أمام المتوفيين. حينها قال الفقيه إن الله قد أعلمه أن جدي وجدتي سوف يلتحقان به قريبا و إنه سلمه مفتاح مسكنهما الجديد في الجنة." لكنك يجب أن تقدم الذبائح." قال متوجها بالكلام لأبي. ثم أضاف: " العديد من الخرفان وكثير من الدواجن. هذا الاحتفال يجب أن يدوم سبعة أيام وسبع ليال إذا كنت فعلا ترغب في أن ترضى السماء وتقر أعمال أبويك." هز أبي رأسه موافقا وقال:" لقد أمرت إخوتي بذبح عشرين خروفا و ستين ديكا كما أنني سأذهب بنفسي إلى الجبل كي أصطاد عشرة من الضأن الوحشي. لدي أفضل بندقية في الناحية ." نق الفقيه ثم طبطب على بطنه وقال: "إنه أوان دفن والديك." ذهب الرجلان اللذان حملا جثة جدتي إلى الجامع يبحثان عن شبكة من الحبال المفتولة حيث وضعا جدي وأشار الفقيه إلى رجلين قويي البنية أن يأتيا إليه ثم أمرهما بحمل جدي بينما حمل الرجلان الآخران اللذان تبعتهما حتى الجامع جدتي. خرجنا وراء الفقيه الذي كان يقود الطواف. درنا حول الحيطان العالية للجامع ثم عبرنا حقول أشجار العناب والتين الحجيرة إلى أن وصلنا إلى المقبرة حيث وصل قبلنا عشرة رجال لابسين كأحسن ما يكون جلابياتهم البيضاء وعمائمهم. أمر الفقيه الرجلين الحاملين لجثة جدتي أن يحفرا حفرتين أفقيتين لكن شخصا ما يبدو جافا وهزيلا برز من بين الحشد وقال إن الحفرتين جاهزتان. شكره الفقيه بجفاء واضطرب عندما رأى الحفرتين الأفقيتين أسفل قدميه ثم أضاف: " أنا لا أنظر أبدا لغير السماء، الأرض مكونة من حشرات طفيلية لا يحبها الله إطلاقا." أمر حاملي الجثة بوضعها أمامه ثم تأخر قليلا وهو مدير ظهره للحشد وجعل يصلي والجثتان تحت أنفه. جعل كل الرجال الحاضرين يقلدون حركاته ويعيدون كل ما يقوله. كان الجراد يرتطم برؤوسنا فيسمع لوقعه على الجلابيات الناصعة وفي الحفرتين الأفقيتين حفيف . بينما كان الفقيه يخطب بإسهاب كان ثمة نسور تحوم فوق المقبرة. بعضها كان يحط على التل المنتفخ بالقبور المتجاورة ويغرس فيه مخالبه. لعل كل النسور لا تتمنى غير مغادرتنا للمكان حتى تتمكن من تقطيع جثتي الميتين إربا. وقلت بيني وبين نفسي إنه من الأفضل لو أننا لبينا أمنية هذه الطيور التي يروقني كثيرا طيرانها وتحليقها خاصة في فصل الصيف لما يتشقق السيل و تخرب الأرض بكليتها وكأنها صارت عرضة لحمى لا يعرف نوعها. أنهى الفقيه خطبته بالصلاة ووضع الحمالون الأربعة جدي وجدتي في الحفرتين الأفقيتين ثم غطوهما بالتراب بعد أن فرقا جسديهما بواسطة صفيحتين من الطين الطفلي. غرسوا على القبرين بعض الأغصان الشوكية. قفلنا إثر ذلك عائدين إلى المنزل. أقام أبي حفلا على مدى سبعة أيام وسبع ليال فقد خلالها الفقيه صوته لفرط ما أقامه من صلوات وما تلاه من أدعية لكنه التهم لحما كثيرا كما أنه شرب مئات الكؤوس من الشاي. أعطاه والدي مبلغا ماليا وترجاه أن يصنع له بعض الحروز و التمائم التي يقدر بواسطتها على التواصل مع والديه. وبما أنني أمقته فقد قلت لكل صبيان القرية إن أبي مجنون عندما طلب من ذاك الفقيه أن يحضر له التمائم. أطرد أبي الفقيه في اليوم السابع ثم رحل إلى الشمال حيث اتخذ له زوجة جديدة و اشترى متجرا. بيد أنه عاد بعد عامين لكي يزرع في أحشاء أمي طفلا. حملني عديد المرات إلى قبري جدي وجدتي في المقبرة و حكى لي قصصا كثيرة عن نساء يجهضن على صرر الشعور المزيتة والمرتجفة ثم أخبرني أنني سأصير آكل لحم البشر عندما أعرف بما يكفي طريقة عيش أهل الشمال. ولذلك صرت هاويا للجثث. أنا الآن أعرف كل شيء عن الموتى. لا، الموتى ليسوا مطلقا محميين من طرف الليقورن*و لا من طرف خيول يركبها الجن. كل ما كان جدي وجدتي يحكيانه لي لا يعدو أن يكون هراء.هما اللذان كانا يقولان لي إن الموتى تحرسهم كائنات علوية تفترس كل من يقترب من المقبرة. مركبات حراس الموتى سريعة جدا إلى درجة أنه لا يمكن أبدا رؤيتها. هي تترك في أعقابها سحابات من اللهب وتطرق الأرض بعنف يفوق طرق عشرة آلاف من الطبول تقرع في ذات الحين. جدتي وجدتي كانا يحكيان لي في الماضي ما كان أسلافهما قد نقلوه إليهما من الحكايا عن: الغيلان وخيول الجن التي كانت تعج بها البلاد و التي كانت تجفف السيول وتبتلع الأطفال، القطط ذات الفرو الأسود القادرة على أن تحمل في عينيها الوامضتين حشودا من الكائنات الكفيلة بأن تنشر (تجز) حنجرتك إذا ركبتك المغامرة وكنت غير خاضع ومطيع. خلال جل الليالي كان جدي وجدتي يقرعان طبولا عملاقة و الحيطان السوداء لغرفتهما البائسة. غير أنني كنت أختبئ أو بالأحرى أطمر نفسي (أدفنني) في كتلة تبن وأنا أدعو الله أن يحفظني من الليكورن و الكائنات الأخرى المخادعة. بيد أن جدي كان يقول لي إن الطفل الداري بمصائب وشؤم العالم القديم قادر على أن يصير ملاكا. وكنت أنصت إليه.. كان يقول لي :" انظر في عيني جيدا وفكر في كل ما سأقوله لك." ثم يبدأ في سرد نكتة أو نادرة أو أسطورة يرتفع فيها الصبي المصطفى إلى السماء بسرعة خارقة هناك حيث يجلس عل أرائك من حرير أصفر و أحمر و يبدأ في التحول إلى سبائك من ذهب أو إلى مراهق فتي لماع، يملي على النجوم مسار و أزمنة إضاءتها في حين أن رجال بلدته ينفقون قبالة أحراج الصحراء الصخرية وفي منازل الطوب الجاثمة بشكل غريب فوق الصخور المنزلقة. يتجول الشاب الفتي في ممرات الجنة المحاطة بأزهار النيلوفر المستحمة في جرار العسل الأكبر من خرزة البئر. ويقطف و هو مار ما شاء له من أزهار الياسمين التي يفركها بين يديه ثم يتم اقتياده إلى شقق مكتظة بحوريات شعورهن التي تلمس السجاد المبتل بدموع البنات والأولاد المطرودين جراء أخطائهم. و يرسم على وجه الحوريات وجوها تفوق وجهه فتنة وجمالا وينتهي بأن يأخذهن بين ذراعيه ويتعلق بكليته بأثدائهن في حين أنهن يجهشن بالبكاء و يضممنه إليهن وهن يتنازعن من أجل الاستفراد به. لكن الشاب يفكر دائما في أمه المشرفة على الموت هناك في الصحراء الممحلة الجدباء تحت الخيمة المرفوءة بالكاد. هو يرمي لها كل سنة عندما يحين موعد الأضاحي بخروف العيد غزالة سماوية أو كبشا عظيما أقرن، لكن هذه الحيوانات تتفتت في الفضاء بينما أمه التي تصرخ شاكية له جوعها ورعبها تنفق شيئا فشيئا. وذات يوم يرمى لها شعره لكنه يذوب هو الآخر في الفضاء ورغم أن الحوريات يمسكن به إلا أنه يرمي بنفسه من السماء ويهوي على الأرض وتقع شعرة منه على رقبة خروف كان مارا قرب خيمة أمه وحسب أصول الشرع يذبح الخروف بواسطة تلك الشعرة. قالت الأرملة:" هذه شعرة ابني. أنا على يقين مما أحس. وهي التي استعملت كسكين. سبحان الله !" ثم تلتقط الشعرة وتدفنها في المقبرة فوق التلة المحدبة حيث قبر زوجها وتدعو الله تحت الشمس المتثائبة. محدثة الشجيرات و الحجارة ونفسها كانت تقول: "لقد رجع لي ابني، الآن أنا أريد أن أموت، هذه شعرته التي ستكون مركبي آناء معراجي إلى السماء."قالت ذلك ثم ماتت على الفور و ووجدت نفسها مع ابنها في بئر مملوءة بالعقارب والأفاعي المتعلقة بخرزتها وفي قعر هذه البئر رأت رجلا قبيحا تنتصب على جسده رماح حمراء تنبعث منها إلى الأعلى نيران صفراء وبنفسجية وهو بصدد الرقص.دعت الأم الله من جديد واستغاثت به فلبى دعاءها ورق لها وحول البئر إلى حقل شاسع يموج فيه الأخضر والرمادي و تدوم الشمس. أغمي على الأم إلى الأبد و استقرت في قاع الصمت عندما اقترب الله من طفلها وحمله معه.
    هذه من حكايا جدي وجدتي التي يريدان بها إخافتي لكن بما أنني أمقت الخوف وأولئك الذين يوزعونه على الناس كنت أضحك تحت الدثار أو في لحية جدي. عندما فاضت روحاهما قلت لنفسي إن النسور السعيدة سوف تقتات على جثتيهما لكنهما ووريا الثرى كما هي عادة كل موتى المسلمين. هذا يعني أنه تحت قنطارات التراب والحجارة التي ستأتي بنات آوى لتكشطها والتي سترتاب في وجودها الضباع جثتا تجذبها هي التي لا تعيش إلا كي تقتات عليها ! جدي وجدتي كانا يفتريان علي ويخوفاني في نفس الوقت. كان يجب علي أن أخلد إلى النوم ما إن يبعثا أمي إلى غرفتها كي يبقيا هناك فوق السطح حيث ترسل النجوم أشعتها الخيطية والثعالب عواءها الوبيل الذي يشبهه جدي بالرسالة المشفرة القادمة من نهايات قيعان العتمة التي نحملها فينا بدعة لكن أيا منا لا يجسر على أن يوزعها. و تزرق السماء و تصبغ بأبيض خفيف أو بأسمر فاتح مثل الصوف ويضاجع جدي جدتي على حصير خشن ملتف بعفونة بيضاء متقطعة وبحركات صاعدة تارة وهابطة أخرى والتي كنت أرقبها وأنا مختبئ في أحد الأركان مدغدغا خصيتي وعضوي ومحاولا تفسير تشنج جسديهما المتشابكين السائلين بتجعداتهما والضاجين. جدي وجدتي كاذبان: الليكورن لم يوجد أبدا والجن ليس إلا برك ماء راكدة تتجفف خلال الربيع في حطامات الأواني الطينية المصففة بنظام على تلعات راغية حذو ينبوع موحل حيث يعيش ببهجة وحبور البعوض والضفادع وبنات وردان الصغيرة. الله و وكيل الملك سيسهرون عندما أعدم بالرصاص آناء دفني. سوف أنصحهم بأن يرموني في حفرة عفنة (خمجة) حتى لا يقدر المعتوهون الذين يشبهونني على افتراسي حين تبدأ أليافي في تحولها الأنتروبوفاجي*. هكذا فقط يمكنهم وإلى الأبد أن يتمتعوا بحضوري المتحدي للموت.
    تمت


    محمد خير الدين :هو الكاتب المغربي النحات بالماء والنار في روح لغة استثنائية نازفة لا تشبه غيره… هو الذاهب في أدغال لغة زفت أغانيها إلى فتوحاته ملء امتنانها وأخلصت له بأن وهبته أسرارها كي يشكلها وفقا لرؤاه المتمردة...و هو الفارس المنهمر من بيته النجم الذي لا يأفل حكايا تطفح مرارة ووجعا واستشرافا وحداثة… هو النباش سيد العزلة المستطيرة… مؤسس الخراب المعانق للخلق والتكوين… هو الطائر الأزرق وهو الروح المجنحة عندما تشكل أسطورتها

    آسية السخيري : كاتبة ومترجمة من تونس

    *Calvadosو تختصر ب الـ كالفا le calva : شراب نبيذ التفاح يضاف عادة إلى القهوة.
    * الشيهم : ذكر القنفذ، جنس حيوانات لبونة قاضمة.
    * الأمغار: هو القائد الذي يسير حياة الأمازيغ بواسطة العرف الأمازيغي.
    * الكلاوي أو القلاوي : طاغية حكم منطقة مراكش وقسما كبيرا من الجنوب المغربي. تآمر مع المستعمر الفرنسي على استقلال المغرب.
    *les Lefs : مفردها un LEF وهي تضم الحروف الأولى للكلمات lâche وهو الجبان والخسيس والنذل و égoïste وهو الأناني و faible وهو الضعيف والفاتر الهمة. في موقع آخر الكلمة تعني الحركيين من مخبري المستعمر.
    * سوق البراغيث: هي أسواق السلع المستعملة. التسمية فرنسية لكون الفرنسيين يعتقدون أن الملابس القديمة مليئة بالبراغيث.
    *Les bicots : اسم تحقيري وعنصري ويعنى بهالمهاجرون العرب من سكان شمال إفريقيا.
    *الحايك : قطعة طويلة من القماش مستطيلة الشكل كانت النساء المسلمات تلتففن بها في شمال إفريقيا فوق ملابسهن عند الخروج من المنزل.
    * البورياء أو البورية : الحصير المنسوج من القصب.
    * الليكورن أو الليقورن: حيوان أسطوري على هيأة حصان له قرن واحد طويل على قصبة الأنف وهو الذي يحرس أرواح الموتى في العالم
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
     
    محمد خير الدين ( الطائر الأزرق )
    الرجوع الى أعلى الصفحة 
    صفحة 1 من اصل 1
     مواضيع مماثلة
    -
    » الطائر الغريب
    » الطائر الحر
    » الطائر "طبيب" نبش في الذاكرة
    »  تهانينا محمد بوشيخة , محمد سعيد الادريسي , بوبكر بن حنافي
    » قصيدة: سوناتا التي سرقت بهجة القصيدة...للشاعر اسحق قومي

    صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
    جامعة المبدعين المغاربة ..جامعة الادباء العرب :: جامعة الأعلام :: برزخ المبدعين المغاربة-
    انتقل الى: