الربطة
هذا العنوان يقتحمك بقوة لما يحمل من دلالة في موروثنا الثقافي الشعبي
اذ ارتبطت الربطة بالمعاناة
حتى ترددت عبارة
الربطة زغبية
على كل الالسن اشارة الى ما يلقى المربوط من الوان العذاب
وان نظرت لعبارة الربطة فانك تجدها مشتقة من الارتباط
وهو تلك العلاقة التي تربط شخصا بشخص
او بارض او بشيئ ما
وهنا نجد شاعرنا جعل من مفهوم الربطة = الارتباط
التعلق حد نكران الذات بملهمته زينة الريام
قد تكون حبيبته التي يعشق عشقا ملا عليه حياته
او بلدته التي تسكنه ويهيم في حبها
او طيفا اصبغ عليه كل الوان الطيف ليزهو به
المهم هو ان هذه الربطة اخرجت من شاعرنا صورا شعرية غاية في الروعة
خدمها تمرسه في هذا الجنس وسعة اطلاعه وسهره على تطوير القصيدة الزجلية والخروج بها من مفهوم النظم الضيق الى مفهوم القصيدة الحديثة المحلقة في سماء الحرية
فلا نجد اطنابا ولا مباشرةولا تقيدا بالقافية بل تكثيفا جميلا للصور الشعرية
ورمزية بسيطة بعيدة كل البعد عن الابهام والغموض
عْشقْتَك يا الْعَالْيَه
يا زينة لرْيَامْ
وقْبَلْتْ شروط
ما قدِّيتْ عليها
عشقتك ف صورة امْرَاه
قلت نْجِيبْ من الرُّمَّان
الَمْشَعْشَعْ ف الجْنَان لَمْزَرّْب
نْوَّارُه
من ريش الطيرالْحُرّ
الَمْعَششّْ ف رَاسْ الجّبَلْ
الْوَانُه
من المرجان الْحَاثلْ
ف جُوفْ لَبْحُور
انْوَارُه
نصنع ليك مشموم
عليه قلبي خُصَّة فُوَّارَه
قُلْت انْسلّ من
لْسَان اللّهِيبْ
حْرِيقُه
ف خيط حرير
لْوِيزْ صافي نْزَلّـﭬـُـــُه
على ذاك الْجِيدْ
يرسم بين جبال الصدر
طْرِيقُه
نجده يخاطب ملهمته معترفا بتباريحه واعدا اياها بكل ما يمكن ان يقدم لها من جمال حتى وان كان مستحيلا او صعب المنال كالوان ريش الطير الحر المعشش في راس الجبل
من ريش الطيرالْحُرّ
الَمْعَششّْ ف رَاسْ الجّبَلْ
الْوَانُه
من المرجان الْحَاثلْ
ف جُوفْ لَبْحُور
انْوَارُه
ونجده يركب الرمزية ويختار اعتى خيولها
حيث سيتخذ من لسان اللهب عقدا يزين جيدها
قُلْت انْسلّ من
لْسَان اللّهِيبْ
حْرِيقُه
ف خيط حرير
لْوِيزْ صافي نْزَلّـﭬـُـــُه
على ذاك الْجِيدْ
يرسم بين جبال الصدر
طْرِيقُه
ويستمر البوح والسحر ليصل الشاعر ذروة العطاء ونكران الذات
اذ يقول
قلت نَهْدِيك ضُوّ الْعِين
أنْتِ النَّعْمَه
وانا نَعْمَى
تبقى صورتك
وحدها قَدَّامِي
كم هو رائع تناغم الحروف في هذه الشذرة
انت النعمة وانا نعمى
هنا تجد الموسيقى وصدق الاحساس ييتخاصران في رقصة وحدها الربطة الحقيقية تعزفها
فليس على الارض من يفكر ان يمنح حبيبته عينيه ليكتفي بظلام لا تزينه الا صورتها هي
ويعود شاعرنا للحلم مجددا الحلم بكل ما يمكن ان يقدمه للعالية معشوقته كي يثبت لها حبه او لنقل ربطته التي لا انفصام لها
وكأن كل ما قدم لها لم يقنعه
نجده يعود ليقترح عليها ان تتصرف هي فيه
وتشكله هي كما شاءت
ايِلاَ كنْتِ شْدَّه
وكان لاَ بُدَّ
عَصْرِينِي شَهْدَه
عسل نقْطَرْ ليك
ايِلاَ كنتِ شَكْوَه
–الشّكْوَىلله-
عزليني من اللّبْن زَبْدَه
نرْطَابْ أبَعْدَا
و نْوَاتِيك
ايِلاَ كنت نَسْمَه
جِهةْ القلب هَبِّي
دمُّه مَسْك وعَنْبَر هوَّ
طِيبُه يفُوحْ عْلِيك
ايِلاَ كنتِ مُوجَه
جهة الشط صُبِّي
صدري حجر ورمله هوَّ
مَطْرَحْ يدَفِّيكْ
وهنا قمة العطاء وبذل النفس
ويظل السؤال المطروح من هي هذه العالية التي شغفت شاعرنا كل هذا الشغف
وللاجابة على هذا السؤال عدت الى ابداعات الشاعر فوجدت ان الوطن والارض هي عشق بلبالي الاكبر
فهو حين يقول ملي كان العشق شهادة
لم يكن يقصد الا الاستشهاد في سبيل الحرية ومجد الوطن هذا الوطن الذي لن يزاحمه في قلبه غير عشيرته او زوجته وابداعاته التي يتغنى فيها بحبه
وبقسم يؤكد كل ما تقدم يختم زجليته الرقيقة
حالف يالعاليه
بحْلُوفِي
حبك مايَهْدَا
ما تكُون ضَرّتَكْ
غير لْمِّيمَه
ولْعشِيرَه
وحْرُوفِ
وتظل ربطة شاعرنا احميدة بلبالي ربطة ديال الهبال
رشيدة فقري