بعد صلاة العشاءخرجت من المسجد ، متوجها إلى البيت .
وبينما كنت أسير على الرصيف ، صادفت أحد المتسولين ألأفارقة
على مقربة من إشارة المرور ، رأسه يشتعل شيبا ، وليس
له شعر كثيف ، متوسط القامة عرضاً وطولا ، والفضاء يملأه
ضجيج السّيّارات ، والمكان ضعيف الإنارة ! ولما اقترب مني .. قال :
" لي" أيها السيّد أريد منك مساعدة ..! أحتاج لشيء من المال
كي أطعم بطني الجائع ..! فأدخلت يدي اليمنى في جيب معطفي
والبرد يقرسني ، فأعطيته قدراً قليلاً لا يغني ولا يسمن من جوع
أقل من أورو ، فخيّمت على رأسي سحابة حزن وأسف ، معتذراً
منه بما حصل ..! وحديثنا لغة فرنسيّة ، فقلت له : ما أملكه في
جيبي قد خلص قبل أن أصادفك ، ودخل في حساب صاحب الدّكان
الليلي الذي أنوي إقتناء بعض المشتريات من عنده..! وشبّاك البنك
الخارجيّ أرى مسافته بعيدة عني ، في مثل هذه اللّيلة الباردة ..!
سألته من أيّ بلد أنت : قال : لي أنا من السّينغال ..! فقلت له :
سأرشدك إلى مكان مليءٍ بإخوانك الأفارقة ، في فضاءٍ تمارس
فيه التجارة ، وفي شارع مليء بالحركة ، فهناك تشحن البضائع
والسّيّارات نحو إفريقيا ، فوصفت له المكان ، وأخلى حال سبيله
وأنا لا زلت أقف على الرّصيف ، أستعدُّ لإستئناف المسير أنتظر
إشارة الضوء ألأخضر .. تذكرت يوم التقيت إفريقيا آخر ، كان قادماً
من المطار، يحمل أمتعته على كتفه وهو ومتعب جداً ، نظر إلي
مبتسماً ثم نظر إلى ما كنت أحمله في يدى من خضر، فقال :
لي : ألديك برتقال .. !؟ توقفت عن السير ، وقلت له لا !! فما رأيته
في البلاسيك البيضاء الشفافة طماطم وخضر أخرى ! فقلت له
أتريد بعض الحبات من الطماطم ؟ ومن خلال نظراته تبين لي :
أنه لا يرغب في الطماطم ، ثم قال : لي : أنا جئت على التوّ
من مطار بروكسل ..قادماً من إفريقيا فأحسست به بأنه يتقطع
من الجوع فأعطيته شيئا يشتري به ما يسد رمقه ، وأقترحت
عليه أن يذهب إلى حي الأفارقة فرفض وقال :" لي " أنا جئت
من إفريقيا لا أريد أن أذهب مكان يتواجد فيه الأفارقة شكراً لك
لا يهم أنا سأدبر حالي فانصرف . وبعد توقف السيارات عند ا
لإشارات الضوئية.. تجاوزت ممر الرّاجلين ..! وأنا في حديث مع
نفسي إستوقفني المشهد لِلَحظات ..! أثقلت خطواتي تلك
الطريق التي تأدّي إلى البيت ..! فقرّرت الإلتحاق بذالك الشخص
الذي طلب مني المساعدة . قبل قليل وأنا على مقربة من الإشارة
الضوئية ، حيث أتواجد اللحظة ، فرجعت من طريقي مهرولاً أجعل
من عيني قنديلاً ضئيلاً أنور بهما تلك الدروب المظلمة ، واللـيل
يحرّض عليّ هبوب رياحه تصفعني في وجهي ، تقرسني
في رقبتي ، وفي رجلاي، وكأنيّ أسير في شارع الضّباب .
لقد إختفى الرّجل أركض نحو كلّ الإتجاهات . ذاب الرجل كالثّلج .
ولاكنّ الثلج لايذوب في لحظة ..! قبل أن تمطر السّماء ، وتساهم
الشمس بأشعتها الذّهبيّة في إزاحته ياإلاهي ماذا أصنع ؟ .
المسكين جائع ، عذراً ياربّ سامحني ! .أشعر وكأنّي أقترفت
ذنباً عظيماً أشعر بالحسرة إتّجاهه .أينك يارجل ؟ أينك ؟ أريد
أن أراك هلالاً ، كهلال شهر رمضان حيت تحنّ قلوب النّاس بزيّادة
ومعظمهم يتسابقون على إعطاء الصّدقات ..! وأكثرهم يلجأ إلى
بيوت العبادة ..! ليتك حضرت في هذا الشّهر الكريم ، لم يعرف
بطنك الجوع أبداَ في حضرته ..! وتجد آلاف الكرماء ، آن ذاك
ستظهر لك شوارع بروكسل مستنارة بذل الظّلام ، فأنا : لم
أشعر بتلك الظلمة التي تسكنك ، حتىّ تركتك تجرّ أذيال
الخيبة من ورائك إرجع إليّ فأنا أحمل إليك خبراً جديداً ربما
يسعدك ..! ليت أيّامنا كلّها رمضان وأعوامنا تعاضض وإحسان .
وأخلاقنا على نهج القرآن ..! لم أعد أتحمّل أن أبقى دقيقة
واحدة في الشّارع فكرت في العودة إلى البيت .! واليأس
يطبع محيّاي وما بداخلي وأحاسيسي المرهفة منهارة
وأنا في طريق العودة إذ بي أرى هلالاً أسوداً ، بزغ في فضاء
نور مقهى تعترض طريقي ، فكان الشخص المفقود الذي
طويت الدّروب في ملاحقته ، هو نفسه يسأل النّاس
المساعدة ، فانشرح صدري ، ولم أشعر حتى وجدتني
أكلمه وطلبت منه أن يذهب معي إلى البيت ، فقال ;
لماذا ؟ قلت : له " أنا "لديّ مواد غذائية أعطيك إيّاها
ما دمت تريد أن تطعم ..! فذكرت له بعض الموادّ منها الحليب .
والمكرونة والرزّ وبعض المعلّبات ، ففاجئي الرّجل بدعوى
أنّ أولاده لا يقبلون المعونات من النّاس وهو يفضل المال
ليشتري الموادّ بنفسه ، ورفض العرض ، فأخليت حال سبيلي
مندهشا في ما حصل ..! وقلت مع نفسي ، لو كان بالفعل
مجتاجاً وليس له ما يطعم !؟ لما رفض العرض ..!!![؟/color][/b]
ملاحظة ورأي في الموضوع ...
وبعد مرور شهرأصادف نفس الرجل الذي رفض العرض
الذي اقترحته عليه سابقاً من مواد غذايئة . وجدتة يتسول في باب
المسجد ، وكذالك في المقهى ، فهناك ماذج كتيرة ، في هذه
السنوات الأخيرة ، كثر التسول من كل الأجناس حتى هنا
في بروكسل فاختلط الحابل بالنابل ، ولم يعد المرء يفرق
بين المحتاج ، أو الذين امتهنوها مهنة ...؟
ليتني تصدقت بزيادة ...
بقلم : عبدالعزيز النـّضـّام ..
كتبت :ليلة : وقوعها : الأربعاء 13 فبراير..2013 م[/size]