العتيقة .. العتيقة ...

عدد الرسائل : 8 تاريخ التسجيل : 26/01/2013

13/04/2013

21H30

العتيقة
..العتيقة ...

بعدما تشمس ساعتين أو ثلاث ساعات هذا الصباح. يحمل سلاحه الناري المتقاعد منذ أن تسلمه من الثكنة التابع لها، وزرواطته التي لا تعرف سبيلا للراحة هذه الأيام، مع غليان الشارع والخريف، وقلة فرص الشغل التي تجعل المرء لا يجد بدا من التوجه أمام البرلمان للاحتجاج ولعب بعض الأشواط من " الدينيفري "، التي نحن لها جميعا معطلين، موظفين وبوليس ومخازنية. أحس بأنه " مقطوع " بعدما حاول جاهدا اقتناص فرصة لتدخين
سيجارة أو سيجارتين. لكنه لم يتوفق لأن البركادي لم يفارق السيارة وجهاز اللاسلكي.
فقد كان يغادرها ليتمشى وهو يتحدث من خلال ذلك الجهاز اللعين الذي لا يأتي إلا "بالمحاين وتمارة الكحلة." وما أن انتهى البركادي، حتى أمرهم بامتطاء السيارات بإشارة من يده، والتوجه صوب باب الرواح. حيث هناك مجموعة من الكسالى الساخطين ناقصي التربية، يجب ثنيهم عن التشويش على خشوع المصلين المؤمنين في صلاة الجمعة. تأفف احميدة . نظر لصديقه على الجانب الأيمن للسيارة وقال :

" - المرض ثاني ، لم نتمكن من استنشاق سيجارة ويجب
أن نثني هؤلاء عن الشوشرة..عيني مغمضين آربي ."

رد الآخر : " - أحسن حتى لا ترى أو تعقل عمن تخبط ههه. "

فقال متسائلا : " - شوف شكون تجيبو عندي اليوم ؟ الله يأخذ الحق في بن....! . "

انطلق الموكب وبعد أقل من خمس دقائق من السرعة الجنونية وصافرات الإنذار. توقفت السيارات. وارتمى الرجال قبل أن تتوقف تماما. كل يلوي على زرواطته ، ويثبت خوذته على رأسه ،ويركض صوب الجمع الذي تنبعث من حناجر المشاة فيه:

" – الإضراب حق مشروع ضد القمع وضد الجوع ... "

هذا الصوت الذي تحول لصوت صراخ وعويل وأصوات ركل وجري وكلمات نابية منبعثة من المطاردين :" - سيروا يا أولاد القحاب .آش بغيتوا ثاني عندنا ...؟ هاك..هاك.."

وجد نفسه وسط الجمع الغفير يركل يضرب بكل قواه. يسب ويسب... يسب كل من أتى أمامه ، أو انفلت من ركلته، أو خبطة زرواطته :

" - قود ..قود .. سير خلي الناس تصلي يا ولد الحرام.. يا ... "

ويهوي بعصاه وهو يصيح : "- هاك ..هاك ..هاك..."

ظل هكذا وصور كل من ركل، أو ضرب، أو شتم أو بصق عليه ، ذات مظاهرة، أو وقفة، تدور أمام ناظريه. وهو يعدو كالمجنون ويتفانى في تنفيذ التعليمات، مع إرفاقها بموال السب والشتم. حتى أصبح فعلا لا يرى أين يرمي بقدميه ولا أين يتجه. تعطلت كل حواسه، اللهم إحساسه بالعرق المتصبب من جبينه والدمع على خذيه. ورائحة العرق المنبعثة منه ورائحة الدم على الأسفلت . وهو يجري ويسب كالأحمق الفار من المارستان . كيف سيعي أويرى وهو محروم من كل شيء حتى من دخان سيجارة تنسيه الشوق لأمه ..لعتيقة حبيبته.. التي لم يرها منذ تخرج من معهد تكوين الشرطة ، ومنذ توظفت بسلك التعليم الابتدائي، اللهم تلك اللقاءات العابرة التي كان يراها فيها، لمدة نصف ساعة، أو أقل، طيلة أيام حضورها للرباط لتجتاز امتحانات الماستر. ظل يخبط ويلعن ويسب وهو يجري بلا وعي حتى سمع صوتا يقول له :

"- ياك آحميدة ياك أعطيني ..نشد من عندك زيدني هداك هو خيري ... أنا بنت الحرام ..."

تجمدت يداه وفرائسه. وشفتاه لم تعد تقو على ترديد عبارتها التي كانت ترسلها، وهو يهوي على الأستاذة الراكضة أمامه كالغزالة :

" - هاكي
شدي يابنت الحرام ..هاكي ..."

تعثر بالطوار الذي كان أمامه ولم ينتبه له،لأنه كان يطارد بعينيه عتيقة الهاربة. فسقط منبطحا وهو يصيح : " العتيقة .. العتيقة
..العتيقة اللا .. اللا ..." حتى أغمي عليه.

أحمد عبد
الغني

عدد الرسائل : 556 تاريخ التسجيل : 19/03/2008

دمت مبدعا صادقا

تحية لك المبدع الجميل أحمد عبد الغني.. سرد جميل ومتماسك.. ولي ملاحظة بسيطة أخي العزيز.. لابد من بعض المراجعة اللغوية لاكتمال حرفك البهي..

محبة وتقدير ومزيدا من الرصد المشوق الأنيق..

القصة القصيرة أو الابداع على العموم يجب أن يتفادى الأسماء
هنا نمارس الأدب وليس السياسة
تحياتي لقلمك