وهو في سن المراهقة، في الشارع أو في أتون دروب المدينة العتيقة، كان الولد "حمادة" كلما التقى وأترابه من أولاد الحومة بفتاة جميلة خالصة البياض في زينة وتبرج تحرشوا بها وانهالوا عليها بوابل من "كلام الشوارع".
هذا يقول:
[غطي اللحم حتى يطيب الكسكس...]...
وذاك يقول:
[النصر والقعاد في القصر... والبخور في المجمر...] ...
وآخر يخطو خلفها يتهادى في مشيته ويتمايل كذكر حمام ويهمس لها بإعجابه.
[البياض والرياض... مشية الحمامة جنب البير...]...
أما إذا كانت البنت "خويبة" أسمعوها من "المنقي خيارو.. وغسلوها غسيل كرشة جنب البير".
والويل لتعيس الحظ، إذا ما التقوا به في رفقة حميمية في حديقة أو في مكان ما منزويين، حاموا حولهما مثل الهنود الحمر في أفلام "ويسترن" يصرخون ويصيحون:
"اطلق الدجاجة لماليها قبل ما تبيض وتوحل فيها.."...
أما في زحمة "الأطوبيس" إذا ما ضبطوا أحدهم ملتصقا بمؤخرة...! كانوا يستهزئون منه ويشهرون به بكلام معلوم لدى خاصة الناس وعامتهم.
<تكعد على الخوخة قبل ما تجيك الدوخة...>...
ليعلم هذا الاخير أنه انكشف أمره وانفضح فعله، فيتوارى عن الأنظار مذموما مدحورا. وكان من بين هؤلاء الناس الذين اعوجت فيهم الفطرة، وابتلوا بهذه البلوى المشينة أحد جيران "حمادة". عرف عند أهل الحي بهذا النوع من الشذوذ الجنسي ومقته الجميع. كثيرة هي المرات التي شوهد فيها مندسا بين الجموع المحتشدة في وقت الذروة في (الاوطوبيس) أو سوق أو استعراض حتى، لايعكر مزاجه الزحام ولايتكدر من رائحة عرق الأجسام العطنة بل كان يتشممها بخيشومه ككلاب الاسواق الاسبوعية الضالة ويشعر بلذة عارمة عند كل صدمة أو احتكاك وامض.
عديدة هي المرات التي تعرض فيها للشتم والبصق والضرب وهو ينشد غلمة هاربة، أزيح عنها بعنف ونفور من لدن امراة غاضبة أو رجل شهم ثائر ومستنكر.
لم يكن أحد من سكان الحي يظنه يتوب من بلواه. بيد أن رحمة ربي كبيرة. كف الرجل عن فعل السوء وصلح حاله بشكل جذري. بدأ يرتاد الجامع ويلبي داعي الله عند كل صلاة مفروضة. أبدى رغبة ملحة في الزواج، غير أنه وجد صدودا وممانعة. فكل الدور التي طرق بابها,رفض أهلها مصاهرته وأجمعوا على ذلك البتة. بقي على هذا الحال مدة من الزمن لم يلو على شئ. يتنقل من دار فلان الى دار علان عله يحظى بالقبول ويحقق مناه. ذات يوم سعد، بين ضيق اليأس وفسحة الامل جاءه الفرج. ولم تكن العروس سوى ¨خضرة ¨[خبز ربي في طبق]. لا تعرف [كوعو من بوعو...]... ولا تفرق بين[ الواو وعصا الطبال ...]...
تم القران بسلام، ودعا لهما الجمع بالرفاء والبنين. في ليلة الدخلة همست الأم لابنتها ناصحة ألا تستجيب للفعل الحرام.
وكررت لها النصيحة لها مستبينة. أومأت "خضرة"بنعم على استحياء بينما حلقت فوق رأسها وتطايرت عشرات عصافير الاستفهام. لقد كانت البنت شيئا ما متأخرة ذهنيا ليس إلى درجة الهبل.كان الزوج رحيما بها ولم يواجه هبلها بتخبيب ونفور، بل سره ذلك وعاشا معا في حب ووئام. لا يكل أحدهما ولا يمل من الاخر. بعضهما بعضا كأنهما توأما الروح.
ذات مرة بدا للزوج أن يغير وضعية المطية ويجعل من نفسه فارسا يمتطي صهوة جواد جامح. لكنها أبت وتمنعت بكل إصرار. حاول عبثا إقناعها، غير أنها كانت حازمة.
في صباح الغد. جمعت بعض حوائجها وأغراضها ثم غادرت عش الزوجية غاضبة. فما كان من الزوج البئيس الا أن تبعها إلى دار الاصهار. وطريقه كلها اجتهاد في التماس الاعذار. بين أخذ ورد... لغط وسكون. أقسم الزوج اليمين أنه ينشد البنين وإنما هوحرث أتاه أنى شاء ولم يشأ مخالفة الشرع قط.
عم الغرفة صمت رهيب وساد جو من الذهول التام من حضر جلسة الصلح.على إيقاع نغمة والشاي افرنقع الجمع وهم يقين بعدم حصول الفعل الحرام.