مقاربة نقدية

سؤال الموت في أضمومة خارج التعاليم ملهاة الكائن(1) لرشيد الخديري

حميد ركاطة ناقد من المغرب

يقول ابن قتيبة:

" الشعر معدن علم العرب ، وسفر حكمتها ، وديوان أخبارها ، ومستودع أيامها "

ديوان الأخبار

لقد أثار انتباهي الاهداء الذي صدر به الشاعر إضمامته وهو يطلب من والده أن يسامحه على خطأ لم يقترفه ، لكن في نظر السلطة الأبيسية جرما لا يغتفر ، كما نلمس امتداد في مشروعه الشعري بكون العمل الجديد من خلال الاهداء الذي كان موجها لمجموعته الأولي التي سبق وأن ضاعت منا دراستها في ظروف غامضة يقول " إلى حدائق زارا " مايدل على تبجيل وتقديس وامتداد لمشروعه الشعري الذي شكل استمرارا لنهج خاص ، والديوان الجديد يضم فقط سبع قصائد مع اهداءات بعضها عبارة عن مقتطفات وأقوال منها ما ما للكاتب والباقي كان " لنتشيه / مؤاب غلام مع لوحة تشكيلية للفنان اليمني صالح الشبيبي"

خارج التعاليم ملهاة الكائن ، سفر بين التاريخ والفلسفة والشعر ، تحليق في جغرافية الروح لإضاءة عتمة الجسد وهي تحفر بالأسئلة المتوسلة جراحا في ليل الهباء

ولعل سؤال الموت كان من أكثر الأسئلة قلقا لدى الشاعر باعتبار حياته تتم على أنقاض حضارة الجسد يقول الشاعر "ـ وإذا ما مت يوما ـ هذه

وصيتي :

أنا حي

أنا حي

أيها الموتى" ص 17

إم مخاطبة هاملت ستفتح باب الذكريات على عواهنه ونحيب الأسئلة المليئة بالحيرة والدهشة بدء من التقديم الأول حول الأحلام الغير الناضجة "

هل توهمت بالصدفة

أن أكره الحياة

وأفر إلى الصحراء

لأن أحلامي الوردية

لم تنضج كلها ؟ " ص 5

" هل حفظت معهم الرسم ؟" ص 10 / هل حبا أسميه ؟" ص 14 " أم يد ترفل بجوارب المجاز؟" ص 16 " هل لي كينونة وسط هذا القتام ؟ " ص 17 " هل تضحك الظلال ؟" ص 19

إننا نلمس أفولا بمفهوم نتشيه بالنزول إلى الأعماق " أعناق الذات التي تتجاوز نفسها باستمرار بحثا عن الحقيقة ، لأن العالم عميق اعمق مما يتصوره النهار وهي الفكرة نفسها التي نجدها عند النفري مع فارق المدونة الاعتيادية التي ترد في سياقها بطبيعة الحال"(2)

فالأسئلة جعلت النفس المسرحي يتخذ داخل القصيدة شكلا دراميا سيتحول على البحث عن أنا الشاعر الضائعة " أين ضيعت أمثولتي ؟

فما تبقى من هذا الجسد مجرد غبار ،

أنا عبد ولست أملك إلا نفسي " ص 20

إن ما يميز خصائص الكتابة الشعرية عند رشيد الخديري هو القدرة على تشكيل اللغة التي تصبح من معدن آخر وهي تخلق تداعياتها صورا مدهشة رغم ما تحمل من مفارقات بليغة الدلالات يقول الشاعر " قل لي يا هاملت :

متى وطأت مدن السحاب؟

لتصعد بي إلى هاوية " ص 22

وهذا التشييد المبني على التقابل والتضاد يجعل الصور المشكلة تتأرجح بين الحقيقة والمجاز ‘" الصعود إلى الهاوية) / ( الغواية / التصوف )

" بين نهد وسماء أقمت

تفتق الجسد

تفاحا يغوي أي امرأة

تدمو من بسط تصوفها " ص 24

إنها تراتيل العشق وتجل للدمع المنشطر في إيقونة الأشعار و الناشيد ، في مدن الغياب المفتوحة الباحثة عن انفلات المعاني من سياق النصوص التي تسيل بلعاب الغواية لكنها في النهاية تؤكد استمرار الحياة بعد الموت " أنا حي / أنا حي / أيها الموتى" ص 29

ولعل استحضار لبعض الأسئلة سيبرز طرحنا السابق من قبيل "

هل تكسرت أضلاع البحر ؟/ هل تهشمت أباريق المجاز ؟ / أنا أنا ذباب إليكتروني ؟ / هل لكوكب في أحزان أيلول ؟

في حين سيطرح سؤال رئيسي في نظرنا بقدر ما شكل هاجسا ربما كان الأساس في بناء أغلب القصائد ، وهو سؤال الموت يقول الشاعر :

" ما الموت ما لم يحفظني في قلبه ؟ص 67 / " قل لي فيما تفكر أيها العشب العجوز في معنى الموت / أم في صورتي ؟ " ص 69

فسؤال الموت كان الأكبر حضورا وقلقا داخل قصائد ملهاة الكائن ما جعل الخطاب قاتما وجنائزيا يحمل نعشا ظل على الأكتاف عبر العصور وهو موت يحمل في طياته حياة وبحث عن انبلاج قصيدة تخرج من ذات عارية تسكن تحت جلدها أبجدية الحكمة ذات هي في الواقع كهف الشهوات بنبذها وهجرها تتعدد مسالك العبور نحو معرفة أخرى تاوية في قلب الوجود والنور حيث تتحول إلى باب جسر حلم الحلم ومرايا النسيان ، حيث القصيدة امرأة تشتعل ومعها عشب الذاكرة .

هكذا شكل الموت اعتدار للحياة في أنا الشاعر وهو يتساءل " هل أموت اعتذارا للحياة في ؟ هاهنا ولدت

في أول الملهاة ولدت " ص 48

" أنا حجر

كمنجات الريح ..

أنا نهر

أنا آخر أغنيات البرق" ص 49

يقول الناقد شكيب اريج " فنحن أمام رؤية مقلوبة للعالم ، الموت هو الحياة ،والحياة هي الموت ، ورغم أن الصورة تبدو معقدة إلا أن امتناهها هو اكتناه الوجود " (3)

لقد شكلت الموت مرايا للنسيان لذات موغلة في الحيرة وقد تحولت لأصل الموجودات ( حجر / ريح / نهر ..) وهي تتشكل سريرا لشهوة تنام وتتعرى و هي تقرأ نفسها في مرآة الحلم المشتعل . سؤال الموت يغيب ضمنه سؤالا حول الحياة التي أصبحت غير ضرورية بل أضحت سؤالا محيرا يقول الشاعر "

ماذا سيقع

لو كان الضروري من الحياة

غير ضروري ؟ص 53

وهنا تبرز أسئلة أخرى حول الشهوة والغريرة والطبيعة الانسانية لنجد أن مفهوم الصداقة سيأخذ مكانة ما " هل ضروري هذا النقيض كي نكون معا ..؟ ص 53 / هل أنت ضروري لي مثل الهواء ؟ ..كأي شاعر من برج واحد " ص 54

إن الشعر هو الجسد الذي قلب شاعر على كل الشعراء .ز مادام الضروري من الحياة قصائد وحرقة أسئلة ستتحول إلى صنابير بل إلى فخاخ "

"السفر من السؤال إلى اللا سؤال " ص 59 وانتظار رجوع الملهاة من موتها بحثا عن خروج من ذات الشاعر والدخول فيها من جديد

يشير الأستاذ شكيب اريج حول خصائص الكتابة الشعرية عند رشيد الخديري قائلا " إنه الشاعر يتوحد مع النص وتسري في عروقه الأبجدية ‘ تحت قشرتي تسكن الابجدية) وهذا الاندغام في النص معه / وبه / وفيه يدل على أن الشاعر يقد الحرف من دفق إحساسه ، وأن مدارات الكتابة لديه رهينة بانبلاج القصيدة" (4)

" لكن الصيرورة

هي فخ هيروقليطس لأعضائه " ص 60

والأمر الذي لا يريده الشاعر بالمطلق إنه شاعر يبحث عن خلود المعنى والقصائد ما دام قانعا ومكتفيا " بحكمة النهر" ص 60

إن الخلود الذي يبحث عنه الشاعر سيبرز في قصيدة موت يوربيدس الذي خرج "

من عنف الأمثولة

البطل ليسكن فينا " ص 65

وهو يتلو وصاياه

" قل لأبي

ما قاله يوسف في سره

..وقل لهلين كل الأشياء التي لم أقلها

سأحيا يا يوربيدس كي أستورق الموت " ص 68

وهو خطاب سيستمر حتى آخر قصيدة العقاب " ص 71 والشاعر يعود آلاف السنين إلى الوراء " أيها المتوج وعدا فوق جبين الخراب

يحدث هذا منذ آلالاف السنين " ص74/ 75

الذئب الذي خرج في نزهة ولم يعد

بعد ألف عام :

رجع الذئب وتغيرت ملامح الطبيعة " ص 76

فخارج التعاليم ملهاة الكائن هي صراع تاريخ وأساطير بحثا عن حب مزق الذات بالشك والخيانة وحول الجسد هباء وحطاما ، قصائد تأسطر الروح بل تخلدها وهي تمحو آخر غبار ليعلو نشيد النهاية

" أنا حي

أنا حي

أيها الموتى"

ـــــــــ

(1) رشيد الخديري خارج التعاليم ملهاة الكائن شعر أنفو برانت فاس سنة 2009

(2)محمد بونجمة ( قراءة في ( حامل المرآة ) لصلاح بوسريف العلم القافي السنة 38 السبت 17 أبريل 2008

(3) شكيب اريج في ديوان خارج التعاليم ملهاة الكائن " للشاعر رشيد الخديري المنعطف الثقافي عدد262 سنة 2009

(4) نفس المرجع السابق

قراءة عاشقة من عاشق للكلمة

نتمنى قراءات أوسع لهذا الديوان الرائع

الصديق العزيز والناقد الجميل
حميد ركاطة
الكتاب في حاجة للقارء أكثر منه الكاتب، وها انت قارء بامتياز تنير بعض نوافذ العشق في ديوان الشاعر البهي رشيد خديري لنطل منها-ا نحن الغاوون -على نفائس الدرر ولذة الإشتهاء ومساحات الدهشة الرحبة للصديق رشيد خديري

ما أحوجنا الى دراسات تقريبية

في كتابات كل الصدقاء التي تستحق
شكرا لحميد ركاطة
وتحية للصديق رشيد الخديري

زجال عدد الرسائل : 119 تاريخ التسجيل : 05/10/2010

شكرا للرحم منه ازدان المولود , الف شكر للناقد , الحلمة منها يشبع الابداع , شكرا لكما ايها الرائعان , رشيد الرحم , وحميد منبع الحليب

» رؤية نقدية
» رؤية نقدية للاستاد حميد يوسفى
» مقاربة في تاريخ القصة القصير جدا للاستاد جميل حمداوي..
» قراءة نقدية في المجموعة القصصية القاغيش للقاص المغربي محمد ا
» مقاربة بيبليوغرافية لشواعر المغرب