الزجل المغربي تنوع بتنوع الطبيعة المغربية.. وان الظروف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية أثرت فيه كثيرا... كما كان للأغنية الشعبية ، وانتشارها دور في ازدهار فن الزجل...لقد كان للقصيدة العامية المشرقية أثر على ازدهار فن الزجل في المغرب... والإسراع إلى التأليف فيه، وإصدار دواوين زجلية، ولو أن هذا الخروج من الظل جاء متأخرا... وقد تأثرت حركة الزجل في المغرب بما عرفه شعر العامية في مصر ولبنان من تطور كبير وانتشار واسع...ويؤكد الدكتور كاملي بلحاج[1] انه بصدور ديوان (كلمة سلام) لشاعر المصري صلاح جاهين، كانت العامية بما تسلحت به من تراث ابن عروس ، وبيرم التونسي، قد قطعت شوطا لا يستهان به... استطاعت من خلاله أن تلبي احتياجات السليقة عند الشعراء، بحيث اتخذت لنفسها أشكالا ساذجة تدور حول العمود الخليلي تارة، ومقتحمة إياه تارة أخرى بأنغام جديدة وموضوعات شعبية عامة تدور حول الحياة العادية البسيطة، أو حول الحكايات والأساطير...وقد أصبحت القصيدة الزجلية لا تخلو من فنية وجمالية.. وأصبح الزجال يرى "أن فلسفة الشعر المعاصر الجمالية تنبع من صميم الخلق الشعري وطبيعته الفنية. وما على الشاعر إلا أن يشكل القالب الموسيقي الذي تقتضيه الدفعة الشعورية في مجملها"[2]...ومن هذا المنطق الجديد لمفهوم الشعر، أصبح من الضروري على الشاعر الزجال أن يجد له سبيلا آخر إلى الشعر بعيدا عن التقليدية والمحاكاة، والقوالب التراثية وتنوعت اغر..ومن ثم وجد في التراث الشعبي وحياة المواطن شكله الذي يرومه.. فكان التمرد والتحرر من القيود والموروث...وهنا يطرح سؤال طويل عريض: هل الزجل اتجاه تمردي داع إلى التجاوز والتخطي؟...ومن هذا التمرد والتحرر والتجاوز تنوعت القصيدة الزجلية وتنوعت أغراضها... فأصبحنا نجد أنواعا كثيرة منها:1- القصيدة الزجلية السياسية: والتي تعد من أهم قصائد الزجل ن حيث تعكس ثقافة الشاعر السياسية، ورؤيته للواقع السياسي للبلد.. ومعايشته للأحداث المختلفة.. وإبداء الرأي فيها.... ويكفي أن نذكر أحمد فؤاد نجم المصري لنرى مدى المكانة التي وصلتها القصيدة العامية السياسية في العالم العربي...وكنموذج للقصيدة السياسية التي تغنت بهموم الوطن، والإنسان ن نجد زجلية ابراهيم أحكور الملقب ببوجميع، والتي غناها مع فرقته ناس الغيوان(ما هموني) ، والتي قول فيها:ما هموني غير الرجال إلى ضاعو***** لحيوط إلى رابو كلها يبني دار
ما همولوني غير الصبيان مرضو وجاعو***** و الغرس إلى سقط نوضو نغرسو أشجار
والحوض إلى جف واسود نعناعه***** الصغير ف رجالنا يجنيه فاكية وثمار
مصير وحدين عند اخرين ساهل تنزاعه***** وشعاع الشمس ما تخزنه لسوار
دارت وجات ف يد الصهيون دار اتباعه***** جاب خيه وخويله فين عزارى الدوار
زاد سبوعا تابعاه لتمناعه***** من حرك عينه ف راسه مدوه للجزار
سربة هنا وسربة لهيه جثمو وداعو***** ولا كلمة فوف كلمة لغضنفر
كثرو لعصيدتهم اللبن وماعو***** وشكون يݣول جده سفت يا حضار
2- القصيدة الزجلية الاجتماعية: الشعر الاجتماعي هو الشعر الذي يتناول قضايا المجتمع المختلفة. وكما نعلم الشعر يستمد موضوعاته وصوره من المجتمع والبيئة التي يعيش فيها الشاعر... والزجل لم يخرج عن هذه القاعدة..فقد التصق بالمجتمع وعبر عنه.. وصور مشاهده ومعاناته.. ففي قصيدة (ماسح الأحذية) للزجال مبارك الشادلي عضو فرقة لمشاهب، نجده يصور حالة إنسانية واجتماعية نراها في مجتمعنا المغربي.. وهي صورة ماسح الأحذية، حيث يقول:يا ماسح الحذا كان ليك الله
حافظ لونهم وتمشي حفيان
تتكركب وتطيح من صباح لمساه
وما تقطع في قوبهم سرب العديان
ويلاه عى سبيب يتعذب في صباه
يمسح الحذا لغشيم يصب الكيسان
أمر عن رفع سماء بالفقر كساه
كامل كيف الناس وش ما هو إنسان
اعمل مركبك مصيدة
ومن جا قاصدك مسلحو عقلو
وعجز عن مسح لحذا
فهم لو حياتو من ذلو
3- القصيدة الزجلية الدينية: تنوعت القصائد الزجلية الدينية، وتنوعت مواضيعها... فمنها من اهتمت برمضان ومزاياه.. ومنها من اهتمت بالعبادات.. ومنها من اهتمت بالذات الإلهية.. واستعطافه تعالى... ومنها من خصت موضوعها في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم.. كما في زجلية (مزين مديحك) ، والتي تقول:مزين مديحك
ما كيفه تجارة يا رسول الله
مزين مديحك
يا الميرف الشتا والكس كثير
مزين مديحك يا بو فاطمة
خير لي من مال الدنيا يا رسول الله
خير لي من مال الدنيا يا رسول الله
خير لي من الدنيا واللي تهيل عليه
خير من زين الدنيا الي داك وداك شبيه
آه ورجايا غير فيك يا ربي بالنبي تلكيني
مولانا صرخته قريبة
يعلم ماراد بين حرف الكاف والنون
ويرد الراشية جديدة
سيدي ما ترك عليه المخزون
والله إلى بغا ينطق
ل كون لحجار الصامتة تتكم ليه
والله إلى بغا يصدق
ل كون العبد في صمة يغنيه
4- الزجلية الغرامية الغزلية: كالقصيدة الفصيحة ، اهتم الزجل بالغزل ن والحب والغرام.. وألفتفيه زجليات بديعة، لا تقل جمالا وفنية ، ومن جملتها ما قال الشيخ الحراق:زار حبيبي بع دما جفا**** وتبدل كربي
وتيقنت بخاطر وصفا**** حين بغى قربي
واجذبني بالصدق والوفا**** واقلع عن حجبي
واظهر لي سر ما خفا**** عني في جذبي
نار غرامو ما تنطفا**** عمري من قلبي
ما مني للو مخالفا**** يقتل أو يسبي
لاموني في هواه ما كفى**** واتقوا عجبي
وانا حالي ما ينتفى**** راسخ في شربي
تلث وصالو بالمساعفا**** ما هو من كسبي
غير تلاقيتو مصادفا**** سابقة من ربي
5- الزجلية المديحية: يقول سيدي قدور العلمي في زجل في مدح المولى إدريس الأكبر:بوجودك يا سراج محفل أهل اليقين
سعد الغرب بعد كان في برج نحيس
انتصرت ملة النبي وتشهر الدين
والحق استقام منهجو بعد التنكيس
وقطع سيف الهدى رقاب المرتدين
بلقهر ولا بقى رهيب ولا قسيس
تبنات مساجد العبادة للمبين
وفنون العلم بالتلاوة والتدريس
بوجودك يا سيدنا مولاي ادريس
6- زجل النقد الاجتماعي: يقول ابن شجاع التازي:المال زينة الدنيا وعز النفوس**** يبهي وجوها ليست هي باهيا
فيا كل من هو كثير الفلوس**** ولوه الكلام والرتبة العاليا
يكبر من كثر ما لو ولو كان صغير**** ويصغر عزيز القوم إذ يفتقر
من ذا ينطبق صدري ومن ذا يصير**** يكاد ينفقع لولا الرجوع للقدر
حتى يتجلى من هو قومو كبير**** لمن لا أصل عندو ولا لو خطر
7- زجلية الرثاء: اهتم الزجل بالرثاء.. والفرقة وحرقة الرحيل... وترك لنا الزجالون قصائد رثائية جميلة... يقول محمد موتنا في زجليته (هاد العيد) بمجموعته (رشوق الشيخ) يرثي أباه:هاد العيد بلا بيك
خاصاه شي فرحة يا بابا
كنت انت يا مولاها
هاد العيد بلا بيك
فيق في جرحه يا بابا
ما اكبرها ما اعتاها
هاد الكور بلا بيك
خاصاه شي ملحة يا بابا
خاصاه نفحة من عطور لجواد
موالين العطفة
موالين الواد
8- الزجل الساخر:اهتم الزجل أيضا بالنكتة والفكاهة والسخرية. وقدم لنا قصائد زجلية ساخرة.. اعتبرت رائدة في هذا الباب.. ومن القصائد الزجلية نجد قصيدة (حمار الليل) للزجال احميدة بلبالي، التي يقول فيها:الليل ضربه حماره وطول
الراس موسم
خيل وبارود
غيره ونواقس
النعاس طيح له نعاسه
لبحر زعف من حوته
الموج هايج
والواد يخاصم لبحر
حوت الوادع ساس
القنطرة تحزر
وانا رامي سنارة
سبيبها أوهام
حالي نصيد
وأنا مصيد
الواد ما تلى يجري
9- زجل الشكوى والأنين: اهتم الزجل المغربي بالشكوى والتذمر من الحياة ، ونوائبها... فصدحت عقيرة الزجالين المغاربة بشكواهم باثين إياها في زجلهم.. ومن الزجليات في هذا الباب (الدنيا) للمغني الراب الشاب(دان كاين)، الذي يقول:الدنيا يا الدنيا...
شكون سباب عذابنا وقهرتنا
الدنيا يا الدنيا
شكون سباب جروحنا ومحنتنا
الدنيا يا الدنيا
شكون سباب همنا وبليتنا
الدنيا... شي عطاتو...
الدنيا... شي قهراتو
الدنيا...شي جات تال عندو... وكواتو
الدنيا ..جابتك...
الدنيا...قراتك...
الدنيا...وعاتك...
الدنيا... من الظلام خرجاتك...
الدنيا...نوراتك...
ومن فعايلك الخايبة ما عاتبتك
سامحاتك...
من دعاوي الناس نقذاتك...
للخير علمتك...
سعداتك...
الدنيا... دبرت ليك على خدمة... خدماتك...
بفلوس...وصحة فرحاتك...
من بعد هذاك.. وذاك... ولاخر عرفاتك...
دفعاتك...
تبني مستقبلك... واحلامك...
راها اليوم بالفلوس غراتك...
وبالدنيا والفساد مرضاتك..
الدنيا مشات... جات...
دارت...دورة...جرباتك...
بنات ليك فخ .. فيه طيحاتك..
الناس عليك... فرجاتك...
لحد الآن يا بنادم... ما عرفتيها كيف جاتك...
الدنيا لقاتك دمدومة...
هي اليوم خلاتك..
هكذا تعددت مواضيع الزجل ، وتحددت خصائصه الموضوعية، وتنوعت ما بين الرثاء والوعظ والمديح والفكاهة، والسخرية، والسياسة والنقد الاجتماعي ، وما إلى ذلك.. حتى أوشك ان يزاحم القصيدة الفصيحة في أغراضها، وخصائصها...
[1] - الدكتور كاملي، (بلحاج)، أثر التراث الشعبي في تشكيل القصيدة العربية المعاصرة، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق، (د. ط)، 2004، ص: 12- 13[2] - د. شكري، (غالي)، شعرنا الحديث إلى أين؟ منشورات دار الآفاق الجديدة، بيروت، ط2، 1978،ص: 115