1. رؤية لديوان نور الدين بلكودري(ابتهالات في العشق)
عرف الشعر تحولا كبيرا في بنياته وإبدالاته.. فبعدما كان مرتبطا بالإنشاد، والتلقي السماعي، وكانت صفته الأساسية الإلقاء والإيقاع، والموسيقى، والإشارات وتعابير الصوت وتموجاته، وتقاسيم الوجه... والتي كونت كلها طقوس الشعر، أصبح اليوم وبشكل لافت حضور الكتابة وشكل القصيدة الهندسي وتشكيلها مهيمنا.. وهذا نقل النص الشعري من شفاهيته إلى الكتابة.. ومن المجال الأكوستيكي إلى المجال السيميائي.. وهذا غير بالطبع استراتيجية تلقي الشعر...
ونحن نقرأ ديوان نورالدين بلكودري (ابتهالات في العشق) نحس أن الشعر لم يعد لغة فقط، بل تشكيلات أيضا.. تستدعي من المتلقي الانتباه إليها، وكمثال على ذلك لوحة الغلاف...
بالإضافة إلى كاليغرافية العناوين، واختلافها مع كاليغرافية النصوص الشعرية.. وترتيب الأسطر.. وكل هذا يغني القراءة البصرية...
ومن الملاحظات التي نقف عليها ونحن نلج عتبات هذه المجموعة الشعرية والتي نعتبرها نصوصا موازية أو مصاحبات نصية، منها:
- الإهداء.
- التقديم وهو لشاعر والناقد أحمد العمراوي.
- التصديرات (جلال الدين الرومي- أراغون- رولان بارت- محمود درويش- فريد الدين العطار).
كما تفت انتباهنا ملاحظة هامة، وهي: أن الديوان خال من علامات الترقيم.. ونحن نعرف أن لعلامات الترقيم بعدها الصوتي والتركيبي والدلالي، والتداولي.. بالإضافة إلى دورها التعييني والإيحائي.. ومساهمتها في بنائية النص الشعري.
يقول شربل داغر في كتابه (الشعرية العربية الحديثة) ص: 24... "إن علامات الترقيم تشير كما نعلم إلى الحدود بين أطراف جملة مركبة أو بين جمل مؤلفة لنص ما ، وتدل أيضا على علاقات العطف أو الجر بين الجمل المختلفة. هذا من الناحية البنائية التركيبية. أما من الناحية الصوتية فإن علامات الترقيم تمثل تقليدا اصطلاحيا للتدليل على الخط البياني للصوت"...
والسؤال المطروح: لم امتنع الشاعر نور الدين بلكودري عن ترقيم نصوصه الشعرية؟..
- ربما خوفا من منحها معنى مضادا ، وربما هذا راجع إلى:
* طريقته في الكتابة الشعرية.
* الاسترسال الذي تعرفه الدفقة الشعرية عنده.
* اقتناعه بالوقفة الطويلة في بنائه الصوتي والشعري.
* تميز لغته الشاعرية بالانسياب والانفتاح ومحو الفواصل (علامات الترقيم)...
* إيمانه واقتناعه بأن هذه العلامات لا تمثل سلطة منطقية، أو قيدا على لغته الشعرية.
للمكان أهميته في عملية القراءة البصرية.. حيث يصبح النص الشعري مجالا مكانيان يلعب فيه طول وقصر البيت الشعري/ السطر الشعري دورا أساسيا.. وهذا يؤدي إلى تفاعل جدلية السواد والبياض...
واطول السطور في المجموعة الشعرية (ابتهالات في العشق)، يتكون من 7 كلمات.. وأقصرها من كلمة واحدة...
والملاحظ أن أسطر المجموعة الشعرية يغلب عليها السطور المتكونة من خمس كلمات وست.. وبالتالي تلعب المسافة النصية دورا في توفير إيقاعية النص الشعري... بالإضافة إلى أن امتداد البياض والسواد، وتقلصهما يعكسان دواخل الشاعر وأعماقه...
لكن ما استنتجناه من كتابة الشاعر نور الدين بلكودري، هو أن الكتابة الشعرية عنده تستقر على شكل معين واحد... تعكس ثبات وتساكن السواد إلى البياض... وهذا يخالف النفسية التي باحت بهذه الابتهالات...
و(ابتهالات في العشق) كما نعرف هي الأضمومة الأولى لمبدع نور الدين بلكودري.. صدرت عن (إيدسيون فيزيون).. تتكون من 78 صفحة من الحجم المتوسط (16x21).. وتضم 37 قصيدة تتفاوت طولا وقصرا...
وهي تجربة تم فيها تفاعل الذات الشاعرة مع الموضوع(أحاسيسه- خوالجه- سواكنه- تباريحه- مواجده).. لينتج عن هذا التفاعل هذا العمل الشعري...
صحيح أن المجموعة الشعرية حققت هذه التجربة.. كن بما أنها المحاولة الأولى في المشي، والتي يسبقها الحبو، جاءت أقل نضجا.. والنضج الشعري يتطلب المرس والدربة، والمطالعة.. ومماحككة القوافي والقصائد...
والمجموعة الشعرية هي في نفس الوقت تجريب، لأنها في اعتبار المبدع نور الدين مغامرة.. ومجاهدة ، وبوح... وإبحار في الخيال وفي الذات.. وهوس يدفع إلى البحث عن قصيد وليد جديد، ليس لإحياء عشق قديم ولكن تفاديا للموت.. لأن التوقف عن الكتابة والشعر هو موت نهائي...
صحيح أن المجموعة الشعرية وعي لم يلبس ممارسة، أو على الأصح ممارسة لم تلبس وعيا...
صحيح أن الشعر المغربي المعاصر والذي تمثل قصيدة النثر، والذي ينقصه هضم التراث اشعري كله.. وتمثله في الكتابة يجعل الصورة الشعرية تفتقر إلى:
- الاطلاع على المنتج الشعري داخل الحدود وخارجها...
- التفاعل مع هذا المنتج الشعري قديمه وحديثه.
- تجاوز مشاعر المتلقي.
وهذا كله أحيانا يسقطنا في التشاعر الكاذب، الذي لا يعطينا إلا شعرا سفيفا...
هذا ما جعل محمود درويش يصرخ ذات مرة:"إن ما نقرأه منذ سنين بتدفقه الكمي المتهور ليس شعرا.. ليس شعرا"...
- فهل صحيح أن (ابتهال في العشق) تضم قصائد اللاشكل...والإقناع؟
- هل صحيح أن شعراءنا المعاصرين ورطوا أنفسهم حين قرروا أن يكونوا شعراء وهم عزل...لا يملكون آليات الكتابة الإبداعية؟...
نعم صحيح...أن النص الشعري المغربي المعاصر يخفي أزمة نص..وأزمة تجنيس..وأزمة توصيل..وبالتالي ينتج عن ذلك أزمة تلقي...
ا ننكر أن المشهد الشعري المغربي يعرف أصواتا كثيرة،تنعشه بين الفنية والأخرى...ونور الدين بلكودري واحد منهم...
لكن المحزن وللأسف..أن هذه الكمية والتراكمية من الأصوات لم تستطع أن تخلق انجذابا .. والتفاتا إلى القصيدة الشعرية المغربية..فلا نستغرب عندما نسمع الدكتور نجيب العوفي يقول :"المطر الشعري الغزير لا يسقي الأرض لأن فيه ماء كثيرا مالحا، فاقدا للنقاء الشعري"...
هل يجوز لنا أن نقول: إن(ابتهالات في العشق) مجموعة شعرية شبابية؟...
- ما الجميل في هذه المجموعة الشعرية لشاعر شاب نور الدين بلكودري؟
إن نور الدين بلكودري اليوم يكتب بلكودري الأمس..وحتى اختيارية العنوان كعتبة لدخول النص الشعري جاءت موفقة تستلزم الوقوف عندها بعض الشيء..
فابتهالات تحيلنا إلى التوسل والتضور، والمناشدة من عاشق إلى المعشوق لسبب أو لغاية مرادها الوصال ..والتوحد..
إنها ابتهالات حابلة بالقلق، والتوتر واللوم...والانكسار، والذي تحول في جل نصوص إلى بوح ومكاشفة...ممزوجان بالتمرد والسخط والانفعال...
هذا يجعلنا نتساءل: هل الابتهال في العشق سمة المهزومين؟..
صحيح أن المجموعة الشعرية لا تخلو من جمالية شعرية ..ومن وعي جمالي يتقصده الشاعر نور الدين بلكودري..ولذا جاءت النصوص مفعمة بالإحساس وصدق الشعور..وتوهج العاطفة...ونبل الرؤيا ..ووضوح الرؤية...
كما أن الجميل أيضا هو أن شاعرنا بلكودري ربط بين المقدس والمدنس،أو بين الديني والصوفي...
ولذا يطرح السؤال حول متضمنات المجموعة الشعرية: هل يمكن اعتبارها ابتهالات أم بوحا ومناجاة، وتداعيا للخواطر...وتنفيسا عن الذات ومكنونها وكشفا عن رواسبها؟..
عندما نتمعن في هذا البوح الشعري نجده يلهج بالسخط، والثورة ، والتمرد..أي إنه بوح بوح جاء بعد انفعال...وغضب..إنها ردة على وضع قائم لم تستسغه لم النفس..ولم تقبله العواطف، التي لم تتواءم مع مواقف، فكان رد الفعل قويا تمثلته قصيدة (حيرة- قاتلتي- لن أعود – لعبة الصغار- أتحداك)...والتي تضمنت نبرا قويا.. وصوتا صاخبا خفيا .. يغلق الخطاب الشعري في المجموعة.
لا تنكر أن المجموعة الشعرية تضمنت موضوعات منها:
- موضوعة ذات المحب الشاكية والمبتهلة.
- موضوعة الألم والمعاناة والعذاب العشقي.
- موضوعة الابتهال والتضرع والشكوى.
- موضوعة القلق والتوتر اللذان يتحولان إلى تمرد وسخط وانفعال.
- موضوعة الانكسار واللوم.
- موضوعة الحب والعشق.
كل القصائد تعبر عن تأزم الذات، وضيقها وانفجارها..وفي نفس واحد كانت القصيدة ..ولذا لم تتميز بطول ملفت.. فأصول القصائد في المجموعة هي (قديستي) وتتكون من 55 سطرا..وأقصرها هي (مجرد سؤال) وتتكون من عشرة أسطر...
- لم اختار العشق وهو رابع مرتبة في مقام المحبة؟.. لم لم يختر الهوى أو الحب أو الود؟...
الجميل أيضا في عمل نور الدين هو انه يقدم لنا تجربته رغم غضاضتها في حبوها الاولي.. نحن نقرا دائما تجربة اشاعر الشعرية وهي ناضجة.. ولكن سي نور الدين يقدم لنا تجربته وهي في مراحلهاالمراهقة... وهي صورة مر عليها عشر سنوات...لنأخذ صورة حقيقية عن تطور القصيدة عنده...وتناميها...
لكن ما يعاب على بلكودري هو عدم إعطاء مجموعته حقها من التمحيص والمراجعة والتشذيب والتصحيح...
لكن ما يعاب على بلكودري هو عدم إعطاء مجموعته حقها من التمحيص، والمراجعة والتشذيب والتصحيح.. واعتماد الترجمة من الفرنسية إلى العربية...
الأحد يناير 20, 2013 3:45 pm من طرف عبدالله بن بريك