بين الدين والدولة
الدكتورة:صباح بلحيمر
ينتاب الفزع الكثير من الناس حين يسمعون عن حكومة إسلامية، فما هو يا ترى سبب هذا الفزع؟
إن مرده هو الخلط بين الحكومة الدينية في التجربة الأوربية والحكومة الإسلامية وهو خلط في غير محله.
فالأولى اختلطت فيها الأدوار وامتزج بها السياسي بالديني، فكان الملك رأس الكنيسة كما في روسيا القيصرية والبابا ينصب الملوك ويعزلهم ويقرر الضرائب على الممالك ويضع لها القوانين الإلهية كما في أرويا.
ولم يتقدم الغرب إلا بعد فصل السلطتين الدينية والمدنية عن بعضهما فانتقلت الفكرة إلى العالم الإسلامي خاصة مع بدايات القرن التاسع عشر والإحساس بالهزائم والتخلف في جميع المجالات.
إن فكرة الفصل بين الدين والدولة غير مقبولة،كما أن فكرة التطابق بمعنى اختلاط الأدوار هي أيضا مرفوضة ولكن فكرة التقسيم والتمييز والتوازن بين الدين والدولة هي المرحب بها،وكل اختلال في هذا التوازن لصالح الدين أو لصالح الدنيا إنما مرده إلى خلل في فهم الإسلام لأن الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه العزيز "وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا".
وقد أشار فقهاء المسلمين قديما إلى فكرة التقسيم والتمييز التي نتحدث عنها مثل الرازي والغزالي وابن خلدون والماوردي في كتابه "أدب الدنيا والدين" حيث فصل في مسألة التوازن فقال :"باستقامة الدين تصح العبادة ،وبصلاح الدنيا تتم السعادة"وحصر شروط صلاح الدنيا في ستة مسائل أولها دينية اعتقاديه ترتد إلى دين يتبع والثانية سلطانية ترتد إلى سلطان قاهر والثالثة قانونية بها يسود العدل والرابعة مدنية بها يسود الأمن والخامسة اقتصادية بها يعم الخير والرواج،والسادسة إنسانية مستقبلية بها يفتح باب الأمل والرجاء في المستقبل.
إذن فللحكام والفقهاء أدوار يتحركون فيها بالتوازي نحو هدف موحد، وبمعنى آخر ليس هناك تطابق واختلاط للأدوار بين الحاكم والفقيه.
فوظيفة الحاكم هي "حراسة الدين وسياسة الدنيا"أي حارس في شؤون الدين وممارس في شؤون السياسة،ليست له علاقة بالله تفوق علاقة أي شخص ،وليس هو ظل الله في أرضه كما قال عن نفسه الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور حين خطب في الناس ،وهو كلام على فرض صحته لا يؤخذ به.
وكخلاصة للموضوع أقول:
-ليس هناك انفصال بين الدين والدولة ولكن ليس هنا تطابق إلى حد الذوبان
- جمع السلطتين في يد شخص واحد مرفوضة
- ليست هناك سلطة دينية سوى سلطة الدعوة إلى الخير والموعظة الحسنة والتحذير من الشر، وهي مخولة لكل من له فهم وفقه في الدين
-لا لحكومة تستمد شرعيتها من السماء
- نعم لحكومة تستمد شرعيتها من بيعة جماهير المسلمين
- لا لحكومة تعتبر نفسها فوق الجميع
- نعم لحكومة يعتبر رأسها أجيرا عند المسلمين وهو ما عبر به أحدهم لمعاوية بن أبي سفيان فقال له في مجلسه:"السلام عليك أيها الأجير"