الإشراف العام
عدد الرسائل : 873 تاريخ التسجيل : 11/04/2007
| | قراءة عاشقة في ديوان خارج التعاليم ملهاة الكائن | |
الأبعاد الدلالية لعتبات "خارج التعاليم ،ملهاة الكائن" للشاعر رشيد الخديري. × نور الدين بلكودري
... إن العتبات في أي جنس أدبي تعتبر من العناصر المؤطرة لبناء الخطاب ، و تؤشر بوجودها على دلالات يتضمنها المتن الذي تموضعت في سياقه. ... "خارج التعاليم ،ملهاة الكائن" ديوان الشاعر رشيد الخديري يحتفي بالعتبات احتفاء ملموسا ، فهي احتلت حيزا مهما من فضاءاته ، و لا بأس من تلمس بعض هذه الأبعاد الدلالية في العنوان و الإهداء و الاستهلال الذي يجاور نصوصه و أيضا المقطع الشعري الذي جاء على ظهر الغلاف . يقول جيرار جنيت " احذروا العتبات" و فعلا يتمظهر هذا الحذر في كل العتبات الواردة في الأضمومة ، عنوان الديوان جاء مستفزا لذهن المتلقي و هو مركب يجمع عنوانين في عنوان واحد ،"خارج التعاليم" نص مستقل افتتح به الشاعر ديوانه و" ملهاة الكائن" نص جاء ترتيبه ثالثا في الديوان . إن الشاعر رشيد الخديري يأخذنا إلى عالم الفلسفة ويوقظ كل حواس و معارف المتلقي لإدراك رسائله المشفرة، و الاستنتاج البارز هو صعوبة فك طلاسم نصوص الأضمومة و هذا يورط المتلقي و يدفعه إلى الاجتهاد حتى يستوعب الدلالات السطحية و العميقة التاوية في ثنايا النصوص ،فمن يمتلك الزاد الفكري و المعرفي سيتلمس الجمال و يرقص في البياض و يضيء الزوايا المعتمة في النص ، حينها يتحول هذا المتلقي من مستهلك إلى منتج و من قارئ سلبي إلى قارئ فاعل يسائل النصوص و يتماهى مع مضامينها. إن الإهداء من العتبات النصية التي حضيت بالدراسة و التحليل نظرا لأهميته العلائقية بمضمون العمل الإبداعي أو الفكري، وعدم إهمال الشاعر له خيردليل على وعيه بوظائفه و ما يمكن أن يؤشر عليه . " إلى حدائق زارا " إهداء يرشدنا إلى دواخل الشاعر و اهتماماته فحضور" زارا" في الإهداء يبرز الحمولة الوجدانية الطاهرة للشاعر الذي يثوق إلى النقاء و البوح المنساب برقة حضور" زارا " تناص في أسمى صوره مع شخصية تركت الأثر في نفوس السابقين و لازالت تتجول بين ضلوع الشاعر، يهدي الشاعر ديوانه إلى روحه التوأم فتوحد مع "زارا " في ترك ملذات الدنيا والزهد في الماديات و السمو إلى مقامات صوفية تحتفي بالنفس الإنسانية و تدفع بالحضارة الزائفة إلى الغياب لتترك الذات منعزلة في محراب التأمل و الحلم . نتوقف في الاستهلالات عند استهلالين يرتبطان بالعنوان ففي نصه "خارج التعاليم " يتوسل الشاعر بقولة للفيلسوف نيتشه :
"هل توهمت بالصدفة أن أكره و أفر إلى الصحراء لأن أحلامي الوردية لم تنضج كلها "
إن الشاعر بهذا الاستهلال يوحي بالأبعاد الدلالية التي سيعانقها القارئ في نصه، فالنضج الذي يقصده الشاعر يعود به إلى طفولته الحالمة و عوالمه المسكونة بالتأمل في الكون و الوجود والذات ، حيث نجد في النص ( الموت ،الروح، السماء، الطين، الجسد.....)، كل هذا يتحقق باستحضار رمز "هاملت" الذي يستقبل أوجاع الشاعر و اندهاشه بحب و تلقائية ، لم لا والتوحد تحقق بين روحين تعشقان الولادة الأولى . يختار الشاعر في نص "ملهاة الكائن" العمل في ساحة المتناقضات ، حيث تحضر ثنائية النفي و الإثبات فيقول في مستهل هذا النص : " أيها الأعمى ما هكذا يقرأ التاريخ " يوجه الشاعر خطابه إلى الآخر الجاهل بأبجديات فك ألغاز التاريخ ، ففعل القراءة ثابت والوعي بما يقرا غائب ، فكان الاستهلال ضرورة للشاعر حتى يفضح الآخر و من تم يصحح تصوراته و انزلاقاته في نصه الذي جاء خاليا تقريبا من علامات الترقيم كباقي نصوص الأضمومة ، فلعبة البياض و الفراغات تساوق لغة الشاعر التي جاءت مكثفة و ملغزة . إذا عرجنا على ظهر الغلاف نجد أن المقطع الذي اختاره الشاعر ليكون فاتحة ديوانه يبرز بجلاء الهموم التي تشغله فأول كلمة يبدأ بها حمولتها استفهامية ، " قل لي يا هاملت هل لي كينونة وسط هذا القتام" الشاعر يبحث عن كيانه، حواراته مع ذاته لم تعطه جوابا شافيا فتوجه نحو" هاملت" عله يؤنسه و يطفئ الحرقة التي تسكنه . إن الجسد تحول إلى غبار و الحضارة الزائفة في قتامتها تقتل الذات الإنسانية، تحتفي بالقبح الذي أصبح في أحيان كثيرة هو الجمال ، إن هذا المقطع عصارة تجربة الشاعر و تأكيد على أن ذات الشاعرهي الساحة الكبرى لرؤيته الشعرية وتساؤلاته الوجودية . "خارج التعاليم، ملهاة الكائن " تجربة عميقة ، الجهد فيها واضح و الوعي بضرورة الشعر أحد سماتها و يبقى العمق الدلالي عنوانا بارزا لنصوص الأضمومة ، فمن "زرادتش " إلى "هملت " إلى "أوفيليا" ، إنه غنى الأسطورة اليونانية الذي لا ينضب، و يحسب للشاعر استحضاره للرموز في سياقات دلالية متجددة تلامس حاضرنا الزائف الذي يقتل كل ما هو فطري و طبيعي فينا.
+ الإحالات : - ديوان خارج التعاليم، ملهاة الكائن ، رشيد الخديري ، مطبعة أنفو. - عتبات النص: البنية و الدلالة، عبد الفتاح الحجمري ،النقد الأدبي منشورات الرابطة | |
|