سيدة الفجر المغتال........محمد محضار
في محطة المسافرين
نام رجل يحضن كسرة
"حلم"
وبين قدميه توارت
قطة تموء "بحزن"
الليلة يموت "العام"
وتسقط آخر ورقة
من شجرته
الليلة ينتحب القمر
ويبلل دمعه
وجهي المخطوف
الليلة أقف على الناصية
بين المنتظرين
أرقب بزوغ محياك
من عمق العالم المعكوس
وأمد يدي
علّها تبلغ المدى
وتدرك الأفق المبين
وأشرئب بعنقي
نحو "الغيب"
استطلع الآتي
فيشج رأسي
صداع وطنين
ويتحجرالدّمع
في عيني
ثمّ أنقلب على أعقابي
حاضنا جوع السنين
قد بزغ العام الجديد
ومرت ملا ئكة الأحلام
ترتّل " قداس الشوق"
الدفين
وأنت ..أين أنت
يا سيدة الفجر المغتال؟؟؟؟
محمد محضار 31دجنبر 2011
هي بالفعل سيدة الفجر المغتال ،هذا الفجر الذي انتظرناه زمنا ،لكنه لم ينبجس في الافق المنتظر، الافق الذي فقط يطل منكسر الخاطر ..يهفو دائما لشوقه المفقود في أدغال الزمن ،عابسا أو مبتسما لكنه يطل حاظنا هذا الالم المحيطي ،الذي ينتشر في القلوب ،في كلماتنا المتقطعة بظلال هوس المكان .المكان الذي يستعصي على الترويض والانفتاح .
وحدها قصائدنا وان اتسخت حروفها بعفونة المكان ،فهي تحافظ على رتمها التقني والجمالي ،وكأن لاشيء بقي لنا من هذا العالم غير المحافظة على نقاوة قصائدنا وتزيينها بأبهى حلل اللغة .
وهذا ما المسه من خلال قصيدة محمد محضار ،تركيبة لغوية متناسقة ،وموسيقى النص مستساغة وطروبة ،تأخذ بلب القارئ وذوقه. وهذا سر من اسرار نجاح أي عمل ادبي يعتمد ابتداء على موسقة لغة النص وايقاعه. لان الموسيقى ضرورة حتمية في نجاح أي انتاج فني وادبي .هذه الموسيقى لاتتأتى من فراغ،بل نتيجة لترويض ذاتي يسهر المبدع على ممارسته يوميا وذلك بنسيجه للمفردات واعادة نسيجها حتى تستقر على لغة مموسقة تسر السامعين .لانها الحتمية الجمالية لكي يغدو الادب ادبا كاملا غير منقوص، ولانها طبيعة الاشياء المكونة لمفاصيل الكون وتمظهراته الخفية، والظواهر التي تدعو لها حكمة السماء،لكي نتأملها ونعيد التامل فيها بعقل راجح ونفس تهوى رؤية حب الجمال ومحاسن الاشياء والمحيطات. والهدف الرئيسي من وراء ها أي من وراء هذه الحكمة هو تربية الذوق السليم على التاثر بجاذبية الجمال ليغدو تكويننا الفطري الجمالي سليما معافى من كل اشكال الانحطاط المائع في تمظهرات سلوكنا ومناهج تفكيرنا وتصوراتنا لاشكال الجمال الحقيقي .
لكن ثمة فجر مغتال هكذا اذن وجه حقيقة الاشياء والمحيطات في مفتتح قصيدة الفجر المغتال. وفي نهايتها أي في نهاية القصيدة التي تحمل زمكانها في ذاتها. فمنذ انطلاق البوح الاول عند الشاعر محمد محضار تنكشف الفاجعة وينكشف معها وجه العالم في صورة مسافر بمحطة من محطات الحياة، هذا المسافر الذي لا يحمل في جوفه سوى كسرة حلم ترافقه في نومه الحالم بعد ان انهكه تعب بحته المضني عن عالمه المفقود. العالم المثالي الذي سوف يخلصه من تفاهة هذه الحياة واضطراباتها المستمرة لكن بينه وبين الحلم المنشود تلكم المسافة التي تحتل القلب والزفرة الاخيرة
مسافة تمر عبر مراحل العمر الخمسة بكل سلبياتها وايجابياتها،معلمة ومربية كاسرة ومجبرة ،هي أوجه التاريخ المتعددة ،مؤرخة ومتتبعة لكل الصغائر والكبائر ،بل هي المرآة الحقيقية التي تعكس خبايا الاشياء والمحيطات لاتفرط في شيء ،وكأنها السراط الدنيوي الذي لامحالة ان يعبر منه الجميع امتحانا مسبقا لقضايا أعمالهم ونتائجها ،قبل عرضهم على السراط الاكبر الحاسم والمقرر الاخير في القول الفصل اعتمادا على رحلة العمر الدنيوية التي اجتيزت عبر مراحل الازمان ،هكذا اذن تعبرالاشياء والمحيطات محصية في سجل مخفي سيعرض على الخلائق ولو بعد حين .
لكن ثمة فجر في خطبنا وفي تقاريرنا وفي حديثنا اليومي يئن من وزر الاغتيال،اغتيال الأفكار والتصورات الجميلة التي تهدف الى النهوض بإنحطاطاتنا لتجبيرها وتجميلهاكي نحافظ على توازننا المحيطي وكي تغدو الحياة مقبولة لأن تعاش ولأن تستمر. انه الصراع الحتمي الفطري بين الخير والشر الذي تنفعل به الحياة استجابة لحكمة الكون الأزلية
يقول محمد محضار :
في محطة المسافرين
نام رجل يحضن كسرة
"حلم"
وبين قدميه توارت
قطة تموء "بحزن"
الليلة يموت "العام"
_أي محطة يقصد الشاعر أهي محطة من المحطات المعروفة التي يتكدس المسافرون بها في انتظار حافلة تقلهم الى مدينة أو قرية. أظن لا فهي محطة مختلفة عن باقي المحطات ،فهي محطة المسافرين الحالمين التي يوجد مكانها تحديدا بقلوبنا ،فمنها تنطلق أفكارنا حالمة بوجهتها وبعالمها المثالي المنشود .وإن كان المبدع استعمل تشبيهات واقعية بحياتنا المعاشة كالمحطة المعروفة لدينا ،تأكيدا منه على أن لافرق بين محطة قلوبنا ومحطة واقعنا الأرضي، ليضيف أسماء أخرى من أول القصيدة الى آخرها لها نفس الدور التشبيهي للحديث عن عالمين لايختلفان عن بعضهما الا من حيث المضمون لا الشكل لتقريب مخيلة القارئ البسيطة والمحدودة كي يستسيغ عوالم المعنى والإيحاء المتداولة دنيويا
ليمر بنا أخيرا الى وصف حالة المسافر الحالم الذي يعيش العزلة والتشرد الفكري ولايجد من يؤنسه غير حيوان ضال مثله يبادله حالة الغربة والتسكع ليموت العام والحلم لن يتحقق كما جاء على لسان الحاكي :
وتسقط آخر ورقة
من شجرته
الليلة ينتحب القمر
ويبلل دمعه
وجهي المخطوف
الليلة أقف على الناصية
بين المنتظرين
أرقب بزوغ محياك
من عمق العالم المعكوس
وأمد يدي
علّها تبلغ المدى
وتدرك الأفق المبين
وأشرئب بعنقي
نحو "الغيب"
استطلع الآتي
فيشج رأسي
صداع وطنين
ويتحجرالدّمع
في عيني
ثمّ أنقلب على أعقابي
حاضنا جوع السنين
قد بزغ العام الجديد
ومرت ملا ئكة الأحلام
ترتّل " قداس الشوق"
الدفين
وأنت ..أين أنت
يا سيدة الفجر المغتال؟؟؟؟
هاهو بالفعل يمر العام تلو العام والحلم يبقى عالقا في مخيلة الكائن البشري والكوني ،إذ أن كل شيء في نظر الشاعر يحلم فالشجرة التي تسقط أوراقها تحلم، وانتحاب القمر كذلك ،السنين وجوعها، العام الجديد، ملائكة الأحلام الفجر المغتال. كل شيء يحلم بالخلاص ومعانقة عالمه وشكله الأخير .
لكن لا يبقى للفنان وهو يعبر هذا العام او العالم سوى هاجس تلميع لغة الخطاب جماليا شعرا كان أو أي وسيلة أخرى للخطاب والتواصل كما سنرى لدى محمد محضار في هذه القصيدة المجملة صياغة ولغة .لقد اعتمد بالبفعل على تركيب لغوي غاية في الدقة والتركيب لينتهي بنا الى موسيقى ايقاعية طروبة يلتذها ذوق القارء المحترف والعادي خروجا بنا في هذا النص من ارتجالية الأسلوب الركيك والممل الى بنية واعدة تراهن على جودة العمل الابداعي في راهنية المرحلة الخصبة كباقي العديد من الانجازات الابداعية الممتازة التي أسست لشكل وايقاع القصيدة الحديثة الرائدة على يد مبدعين مغاربة وعرب أكفاء ،انتصارا لمعركة المرحلة بين مدارس عصامية قوية وأخرى فوضوية شبه أكاديمية تحاول فرض غثها على ذائقة مستيقظة ومنتبهة
مثال على الكلمات المناسبة المختارة لموافقة النص :
_ محطة
_ المسافرين
_المنتظرين
كلمات توافق المسافر .
الكلمات التي توافق متشرد المكان :
_نام
_كسرة
_قطة
الكلمات التي توافق الحلم :
_يحضن
_حلم
_حزن
_ الليلة
_يموت
_تسقط
_ينتحب
_دمعه
_المخطوف
_المنتظرين
_أرقب
_بزوغ
_عمق
_أمد
_تبلغ
_المدى
_تدرك
_الأفق
_أشرئب
_ الغيب
_نحو
_أستطلع
_نحو
_الآتي
_صداع
_طنين
_ يتحجر
_الدمع
_عيني
_أنقلب
_أعقابي
_ حاضنا
_جوع
_بزغ
_العام الجديد
_ ملائكة الأحلام
_ترتل
_قداس الشوق
_الفجر المغتال .
الكلمات التي توافق المكان :
_محطة
والبقية من الكلمات تناسب حدث وشكل ومضمون القصيدة الحدث
اذن من خلال هذه الاطلالة المختزلة على النص نؤكد على أن الايقاع الخارجي للنص والذي يلعب دورا مهما في بنية القصيدة الحديثة يعتمد بالاساس على اختيار اللغة المناسبة الشعرية الدالة الموحية والمنغمة.
ومن هذا الطريق طريق الجودة والاتقان في بنية النص اللغوية الشعرية الإيحائية وجب المرور والتمعن للإقتداء بمنهجية تأطيرية ناضجة ......