يخبش كالطائر,يهبش كالفأروينبش كالثعبان.لا نظير له بين أقرانه في الشقاوة ,لا يترك شيئا جميلا إلا عبث به وأفسده.عديدة هي المرات التي تلقى فيها "الفلقة"بسبب تعارك أوشكوى من جارغاضب.لاشيء يردعه,ولاشيء يثنيه عن التمادي في صنع المقالب التي طالت الكبير قبل الصغير.دوخ أبويه بنزقيته,فاهتدى أبوه إلى ختنه,عل بزوالها يطهر وتتحسن طباعه.رغم حداثة سنه اضطر أبوه إلى أشد وأقوى حجام في الحي لختانه.لقد كان يعلم أنه يوم الختان وعلى دراية بكل ما يجري من حوله من أحداث وترتيبات.فلطالما سمع بذلك اليوم المشهود في حياة الأولاد و بمقص الحجام .لايرغب ب"الطويير" ولا بالفلوس,إنه يريد ان ينفذ بجلده .بينما هو يعد العدة للفرار,يفاجئ بإخوته الكبار يطوقونه من كل الجهات ويطبقون عليه.يتمسك الولد العصيان بكل شئ يجده أمامه ,يتلبط بالارض ,يتمسك بالحصير كقط مشاكس,صياحه يجرح حنجرته,بكاؤه يقرح عينيه,وإخوته يجرونه إلى الغرفة كما يجر كبش العيد.الحلاق وعونه يمدان لهم يد العون والضربات تنزل على رأسه وسائر جسده من كل زاوية.يستعطف ويتأوه بصوت متحشرج.لافائدة,لقد شلوا حركته أخيرا بعد جهد جهيد .أدخل مساعد الحجام مرفقيه بين فخديه.تبث يديه ورجليه.وصفعة من أبيه اصطكت لها اسنانه وإرتجتف لها بدنه النحيف,سمع دويها من كان في الغرفة المجاورة من نسوة.أما الام المسكينة فأتكأت هناك على ركن باب غرفتها تقرأ "اللطيف" وتصلى على المصطفى الحبيب وعيناها تتطلع إلى اللحظة المشهودة المنتظرة .
صاح الأب الأب الواجم في وجه الحجام قائلا:
[هيا , توكل على الله.]
من حر المقص بصق الولد على وجه الحجام وتلفظ بكلمات نابية من "تحت الحزام ".فرحت الأم المسكينة وتعالت زغاريدها أركان الدار.أعدت له شربة دجاج وألبسته "جابادور" وأجلسته في حجرها يتلقيان التهانئ والتبريكات من الأهل والأصحاب والجيران .جمع الولد من فلوس التبركة ما يكفي لشراء "عاود الريح" ويحقق حلمه الابدي في مسابقة حسن ابن التاجر حمدان.وأمله ألا يعيد نفس التجربة مرة أخرى .مرت عملية الختان بردا وسلاما لكن عنف الصورة لم يزده إلا إصرارا على المزيد من "الضسارة وتاحرميات".ربما لا ينفع معها إلا قضيب فقيه في كتاب أو عصا معلم في مدرسة.
من مذكرات ولد عصيان