رؤية نقدية

يجب أن نعلم أن الشعر خاصة لايمكن أن يخضع في الغالب لنقد محدود ومعين ولايمكن تجاوزه الا أن يطبق على جميع النصوص .ولكن لكل نص يفرض علينا كلماته الخاصة وقالبه الخاص كذلك لأن يتزين به .ومسألة تكثيف النص وحجب المعنى لاتنطبق الا على النصوص التي يناسبها ذلك .مما يسهل علينا التفرد بكل نص أثناء مزاولة ابداعه او اخراجه الى ساحة الوجود .ومثل هذا التنويع في الكتابة لاشك أنه سيضفي عليها جمالية خاصة ومختلفة .كتعدد لوحات الرسام ، فهناك اللوحة العادية أي الطبيعية والتي يشتغل فيها الفنان على التدقيق لنقل صورة مشاهدة طبيعيا كاملة ولانقصان بها ،ورسمه في بعض الأحيان للوحة تجريدية لها ايحاءاتها الخاصة لدى المشاهد
وبهذه العملية الإبداعية المختلفة لكل نص ولكل لوحة ولكل ابداع معين حتى في أشكال أخرى لبعض الحرف اليدوية مثلا .يكمن سر الإجتهاد والتنوع والإختلاف الذي يضفي على المناخ العام جماليات متعددة ومولدة للمزيد من المتابعة والتشويق لدى كل القراء الذين بدورهم تتعدد مستوياتهم الثقافية ،القرائية ،التعاملية والتلقينية .فهناك من تعجبه البساطة وهناك من يعجبه الغموض في اشارات النص أو اللوحة أو ماشابه .مما سيجعل جميع بضائعنا مقبولة لدى الجميع .المهم في نظري أن يحتفظ الأدب عموما على جماليات الإبداع والإخراج ،حتى لانترك فرصة لمن هب ودب أن يعتبر نفسه مبدعا أو فنانا أو أو....

ان راهنية المرحلة الشعرية النثرية لاشك أنها تلح على جميع المبدعين الشعراء أن يختزلوا في بوح التعبير ،وذلك باقتصادهم في الكلمة وعدم تكرارها في القصيدة أكثر من مرة .اعتمادهم على إيحاء البيت أو العبارة بدل إقحامهم لكلام إنشائي ومباشر إلا إذا دعت الضرورة لذلك.تحسين العبارة وتجميلها بالكلام الذي يناسب لغة العصر ،حتى يحصل التواصل الغني والمفيد .والتركيز على الرسم بالكلمات لأنه كذلك من الدواعي المهمة للرقي بجمال القصيدة وبلوغ كمال شكلها و محاسنها .

تعدد قراءات النص لديها مفعولها في تصور ووجدان كتابة شكل القصيدة الحديثة، ولا شك أنها ستغني من تعدد روافد مفهوم النقد وتجدد تطوره وتألقه.
وهي كذلك يجب أن تكون ساحتنا الثقافيةالآن،تنوع في كيفية نقد القصيدة الحديثة وفي كيفية كتابتها .لأن كل هذا التصور المتابع المتجدد والخلاق يخدم بشكل أو بآخر توجه القصيدة العربية الحديثة.

مسألة موضوعية الموضوع أوموضوع البنيوية في أي جنس أدبي وبالأخص الركن الشعري فرضية حتمية تتوجبها شروط الكتابة الملتزمة والهاذفة ،الملتزمة بأنواع القضايا التي تحركها والهادفة الى تحريك التغيير والتفاعل معه كشرط مفيد للمخاطب أولا والمخاطب ثانيا امتثالا للإلتزام بالقول فعلا عملا وتطبيقا .
وفي ظل غياب مدارس ممنهجة تعتمد على مراجع منضبطة شكلا وموضوعا يجتهد الباحث المبدع على تقصي فكرة النهج السليم من هنا وهناك لأجل الإنتصار على توازن فكرته في قالب يتلاءم ومتطلبات مسايرة العصرنة والتمازج والتواصل مع جل شرائح القراء المتفاوتين إدراكا وعلما .مما ينعكس إيجابا بفضل هذه الجهود الفكرية من لدن المبدعين الغيورين على سلامة مناخ ساحتنا الثقافية ،وخلق كذلك مساحات للسجال والتبادل المثمر قصد الحصول على التغيير والإنتصار له .بعيدا عن السقوط في زوابع الفوضوية الإبداعية التي تعمي القلوب والأبصار ،وتهيم بالنفس نحو الإنحراف القاتل لتطور الأمة .

مقتطف من دراسة نقدية معدة للنشر

كاتب النص ليس له في الغالب كامل السيطرة عليه
لابد أن يترك بعض الهفوات التعبيرية أثناء عملية الخلق الأول
وهذا يحدث للكثير من المبدعين
لذا أحب مشاركة ملاحظات القراء وكل المدققين في سلامة التعبير واللغة ممن لهم تجربة التدقيق والتمحيص في القراءة المكشفة والمنبهة على خلل ما في النص.
وهذه عملية فلسفية في فكرة التعامل الجاد مع النصوص قصد بلوغ هدف سلامة كمالها وحسن جمالها .تتأتى فقط لقلة ناذرة لشرفاء الكلمة البانية والمفيدة ممن يحرصون على بلوغ الجودة والإتقان .

و أخص ملاحظتي ورأيي جميع ساحات السجال الثقافي العربي لما تشهده من ركوض وروتين يومي على عامة منتوجاتنا الإبداعية التي تفتقر للمتابعة النقدية المتفحصة ،أما فكرة الإقتصار على الإعجاب بعد القراءة السريعة للنص غير مرفوضة ،لأن للعصر الذي نعيشه ظروفه الخاصة المتكتلة والمضايقة لحرية وقتنا اليومي ،ولكن هذا لايمنع من متابعة النص وتحليله تحليلا يليق بمستوى تكوينه الإبداعي حتى لانسقط في مطبات خلط الأوراق والتصفيق لجميع الإنتاجات حتى ولو كانت ركيكة ومملة.

معلوم أن كتابة القصة ق .ج تفرض التكتيف .لذا يجب تهذيب وتكتيف النص ليبدو في أحسن حلة .تجنبا للسقوط في الركاكة التعبيرية التي تجني على النص القصير بالضعف وتشويه جمال مظهره .

ما ينقص الساحة الإبداعية الآن وفي خضم هذا الكم الهائل من المنشورات هو المتابعة النقدية المنصفة والدقيقة لكل ما ينشر .لقد تطلب بالفعل وجود نقد متابع ،محلل ،وصاهر على غربلة الجيد من الرديء.وعلى تشجيع المبدعين عامة .القدماء والجدد . فغياب متابعة نقدية لكل ما ينشر لطامة كبرى تصيب جسد الإبداع وتجعله عرضة للضعف والركاكة في التعبير .والتهميش للأجود ونسيانه .ولكن قبل التفكير في ضرورة وجود نقاد ونقد لما ينشر .وجب التفكير أولا في تحديد مواصفات للنقد وللناقد .فليس كل من تفوه بكلمة نقدية وان كانت ناقصة ومحتشمة نعتبره ناقدا .ولكن للنقد ودروبه قواعد خاصة أي أن النقد علم عميق وتجربة غنية وشاملة تساير تطور النص لتفيده لا لتقتل كامل حيويته وتجدد نشاطه .

من خلال كل تصور لقاعدة ما يمكننا انجاز النص الذي لازال في المتخيل .وعليه تم التقرير الأخير للنقد على أن لكل قاعدته الخاصة في بناء هيكله العام وموضوعه.
وبذلك جاز الاختلاف والتعدد والاجتهاد والخروج من تقاليد المألوف .

للخروج بعملية النقد من مأزق الفوضية والتعتيم وجب التحلي بالتمعن في النصوص قبل القيام بعملية نقدها.ثم التسلح بكامل الغرف من قواعد نقد الأدب الحديثة والمعاصرة حتى لا يسقط مفهوم المحلل الناقد في عشوائية بعثرة الأوراق والتعدي على منهاج ورسالة النقد

للإنتصار لصناعة الأسلوب ولغتنا العربية الأم لابد من اختيار كلمات النص بعناية ،التركيز على تنسيق الإيقاع ،الإختزال في التعبير ،شساعة المخيال ،غنى التجربة وتنوعها ،وكذا جدية دلالة الأفكار العامة .كل هذه الطرق القاعدية كفيلة لخلق كتابة نموذجية في سيرورة انتاجاتنا العربية المعاصرة .

لتعبيد الحرف وترويضه قصد الحصول على نص جيد لابد من خبرة تجربة لغوية

قد يمكنك الالتزام بوصف حدث واقعي بكل أمانة شروط الوصف ،مراعيا بالطبع لمستوى حجم الواقعة بدون زيادة ولانقصان ،واختيار الكلمات المناسبة لها لأجل خلق تفاعل قرائي للخروج بفائدة،ملتزما بقاعدة من قواعد القصة ق ج وليس بكل قواعدها.مما يجب تأكيده أن جنس ق ق ج بإمكانه أن ينفتح على أشكال تجريبية محضة بدون المساس أحيانا بفحوى الموضوع .

القصة ق ج ليس لها قاعدة واحدة لايمكن تجاوزها أو تعددها،ولكن القواعد تتعدد بتعدد أشكال وألوان أي جنس أدبي حديث أو قديم .بمعنى يجب مسايرة تجديد القديم وتحديث الحديث وذلك بتطوير أساليب الكتابة وأشكال نقدها عموما ،قصد تعبيد الطريق لإبداع المستقبل .

أحيانا يصعب على الكاتب فرض قاعدة ما على فكرة النص ،وبالأخص اذا كانت الفكرة تمتزج بأحداث واقعية .حينها يتوجب نقل الأحداث بشفافية وصدق ،دون التفكير في التلاعب بصياغة الفكرة ،كي يوصل رسالة الكلمة بأمانة.ليكون وقعها كبير في نفس المتلقي

الإختزال وعدم التكرار والشرح في سرد الموضوع ينطبق على نصوص تفرض هذا النوع من القواعد .

لقصة ق ج اختصار للقصة المتوسطة أو الطويلة ،بمعنى ماينطبق على شروط ومفاهيم كتابة قصة ينطبق كذلك على القصة ق ج غير ان هذه الأخيرة أي القصة ق ج تعتمد كتابتها أساسا على الكثير من الإختزال .ومن يعتبر على أن القصة ق ج لا تصلح لنقل الواقع كما هو بل ،بل هي عبارة عن ومضة واشارة .أقول له أن القصة عموما ماوجدت الا لتحكي عن أحداث ووقائع اجتماعية بأسلوب تعبيري سلس وجذاب والا لما سميت قصة .أما مايجب ان تتحلى به عباراتها كالومضة والاشارة وغيرهما... فذلك على ماأظن يرجع لنوع العبارة أو القصة التي يجب انجازها.

بعض المبدعين يبعثرون الأوراق ،فيخلطون تضارب قواعد التصورات القصصية أثناء خلق المنجز الإبداعي .مما يصيب جنين الإبداع في الغالب بتشوهات،واصابة المتلقي بالدوران والإتلاف.

الواقعية في الكتابة تفرض رسم الأحداث بالكلمات التي تليق بها ،قصد اثارة مناقشة الموضوع .

ملزمون بقبول الايمان بأنواع البوح الواقعي الذي تزدحم به مشاهد مجتمعنا قصد معرفة المتخفي وتشجيع تدوين أحداث اليومي الذي نعيش فيه وله

[b]من القراءمن يقرأ كتابا فان كانت نيته طلبا للفائدة ، وجدمراده ، و إن كان عكس ذلك ، تناقد مع أول كلمة من كلماته .
محمد بن عبد الرحمان.[/b]

محمد بن عبد الرحمان كتب:

من القراءمن يأخذ بين يديك كتابا فيتصفحه فان كانت نيته طلبا للفائدة ، وجدمراده وشفي غليله ، و إن كانت نيته عكس ذلك ، نقد اول كلمة كتب على أوراقه .
محمد بن عبد الرحمان.

حان وقت صلاة المغرب .

بناء على العراك الحاصل على مفهوم كيفية الكتابة نستنتج أن من يخلق لنفسه استقلاليته الفكرية ينجح في ذلك وأن من يتبع كالأعمى سبل الأطروحات التصورية النقدية التي تزخر بها ثقافة الساحة الأدبية يسقط في أول خطوة في الطريق ،

مشكلة تخلف الأدب لم تحصل من تعثر علم النقد وعدم مواكبته للجديد،ولكن تخلف الأدب ناتج غن غلق الأبواب والنوافذ في وجه النقد الجاد ،واستسلامه لاسقاطات رعونة الأنا والتغزل بها.