شكرا لك الشاعر رشيد الخديري على هذه التغطية الموجزة عن اللقاء وفي ما يلي نص القراءة العاشقة التي جاءت بها الشاعرة كريمة دالياس في ديوان الكرسي للشاعر محمد اللغافي.ونتمنى أن توضع هنا جميع الشهادات والقراءات التي رافقت الأمسية.
قراءة عاشقة في ديوان الكرسي
للشاعر محمد اللغافي
الشاعر محمد اللغافي في تجربته الشعرية الكرسي ينفرد بمعجمه الخاص لتكوين صورة شعرية ذاتية جميلة تتسم بالجاذبية والانجذاب الى بواطن الأشياء، ولهذا نجده ينطق اللامنطوق بوضع علامات تعجب واستفهامات كثيرة ابتداء من اللغم الذي اخترق رئته فأصبح غير غريب عن جسده، له كيان خاص يتنفس ويعيش فيه، ليصبح نزيفا غائرا يمتد إلى الذراع المبتورة والأصابع المخترقة، ويعلن بذلك عن حالة عجز تامة.
وقد سجل الشاعر استثناء خاصا في هذه التجربة، فعادة ما يكون الكرسي متينا يحمل صاحبه ويرفع قدره، لكنه كسر هذه القاعدة ليصف حالة الكرسي بأصابع مبتورة، وبالتالي يصبح الكرسي معاقا ومجهض الأحلام لا يستطيع حمل صاحبه. وكأن أصابع الشاعر تريد أن تلملم هذه الإعاقة وتصلح الخلل بأصابع يده لكنها عاجزة تماما على فعل أي شيء، فالغيمات الحمقى لم تورق أصابع الشاعر، فتصبح بدورها مبتورة تبحث عن من يلملمها ويلملم ملامح الشاعر المتشظية التي نخرها الوقت.
الكرسي هو الوحيد الذي يحمل هموم الشاعر ومشاغله وأحلامه الطفولية، ويلقي عليه وحده اللوم والعتاب، كما يعزي حالته المتشظية بحالة عجز الكرسي عن حمله، ويصبح هذا الأخير بين أكوام بقايا الأحلام المتراكمة في ذهنه تعبت المحطات من تخزينها في ذاكرته.
ولقد ذكر الشاعر في مجموعته الأيام الأسبوعية ووصف كل يوم على حدى بشكل دقيق حسب ما تملي عليه رؤياه، والوقت في نظره ما هي إلا مجموعة أيام متشابهة تتداول باستمرار في حركة روتينية، تعكس هموم الشاعر وحالة التشظي التي يعيشها.
والجميل ما في الأمر هو حوار الشاعر مع الأبراج ليفك قميص الأزرار الذي يحمله، ويبحث عن رؤيا جديدة لأحلامه المجهضة كآخر فرصة لاسترجاع أصابع كرسيه المبتورة، لكن الشاعر في الأخير تمادى على كل هذا العصيان واستسلم لمنطق الريح، ليخرج بقناعات شخصية اختزلها في قصيدة اعتبار.
والذي جاء في المقطع الأخير منها :
خذ اللحظة الممتدة ... في حجم عمرك ... واركن بها في فنجانك الوحيد .. " وانس الهم ينساك "
«دع الأحلام تلاطف قبلتك الأخيرة على السيجارة واستسلم للنعاس
الشطر الثاني من الديوان يلجأ الشاعر إلى فسحة صوفية مع العشق والموت، ليخرج من دائرة الهموم إلى العشق الذي استوطن قلبه ولم يبق منه إلا سجل الذكريات، يرجع إليه كل ما شده الحنين إلى ذلك.
وأتساءل مع نفسي لم هذا التطابق بين العشق والموت قبل أن أسأل الشاعر عن هذه المعادلة الصعبة، وأجيب في نفس الوقت بفرضية حتمية:
- ربما كلاهما يأتي فجأة دون سابق إنذار ويحملان جواز سفر مجهول الهوية.
البيضاء في 25 نونبر 2008كــريــمـة دلــيــاس