سرير الدهشة جديد القاص المغربي محمد آكويندي
صدر عن منشورات أجراس بالمغرب مجموعة قصصية جديدة للقاص محمد أكويندي وهي تحت عنوان "سرير الدهشة" تضم القصص التالية: المزواة. ابواب الخفاء. الكلب. سرير الدهشة. جوقة التماثيل. غراب يناير. النافذة. قرأت كفها. الأعمى.
وقد قدم لها الناقد الدكتور سعيد يقطين بالكلمة التالية:
النصوص التي تضمها مجموعة " سرير الدهشة " مكتوبة على نفس واحد ، وبحس فني ولغوي مشترك . بقراءة هذه النصوص الثمانية تجد نفسك أمام كاتب ، تمرس بالكتابة وامتلك ناصيتها ، واختط لنفسه مسارا خاصا ، يتميز به في التعبير والإيحاء .
لا يمكن أن تغر قارئ هذه المجموعة قصرها الشديد أو قلة النصوص ، فهي تستدعي أكثر من قراءة . وفي كل قراءة تتبدى للقارئ أشياء جديدة لم يلتفت إليها في قراءته الأولى . إنها نصوص مكثفة وشديدة الإيحاء ، وكل كلمة فيها لها موقعها في البناء العام للنص : لذلك لا يمكن حذف أي كلمة فيها ، أو تغيير مكانها ، لأن ذلك سيعرض النص القصصي للتغير الذي يحرفه عن مجراه .
باقتصاد شديد دبجت هذه النصوص لأنها تحاول ، مجتمعة ، التعبير عن / والإمساك ب " لحظة " خاصة . هذه اللحظة عبارة عن " رمشة عين " ، شديدة الدقة وسريعة الوميض . وكل نص قصصي يأتي محملا بكل الأحاسيس والانفعالات والأفكار والتداعيات لتأثيث تلك اللحظة والإمساك بها وهي " حية " .
حين نقرأ مجموعة " سرير الدهشة " نلفي أنفسنا أمام " لحظة " عابرة ، لا يمكن أن نلتفت إليها بدون استدعاء روح الفنان ـ القاص محمد اكَويندي ، الذي يقتنصها ليقدمها إلينا عبر نصوصه المختلفة ، وكأنه بذلك يستحثنا على قراءتها بنفس " النفس " الذي كتبها به ، أو بالأحرى جعلها أمامنا مكتوبة وقابلة للقراءة ، وإلا فمما لا ريب فيه ، أن كتابة كل قصة تطلب منه زمنا طويلا جدا لذلك أو على النقيض استدعت كتابتها لحظة مركزة جدا .
تتكامل النصوص ، وهي تسعى مجتمعة لرصد مسافة ضيقة جدا بين المعيش والمتخيل ، بين المفكر فيه والمحلوم به ، بين الواقع والممكن ،،، وفي كل ذلك محاولة لاستجماع عناصر متفرقة تقع في حدود " الأنا " و" الآخر " حيث يقع التداخل بينهما ، في ظل المسافة القائمة بينهما ، وهي ضيقة فعلا ، فإذا " الأنا " آخر ، و" الآخر " أنا ، في حضرة مسافة وهمية ، ولكنها قائمة بينهما .
تتعدد أبعاد هذه اللحظات ـ اللحظة ، وهي تروم الإمساك بالعلاقة بين الذوات : المرأة في " المزواة " و"سرير الدهشة "، والكلب في " الكلب " ، والأشياء في " جوقة التماثيل " ،،، فيتحقق التداخل والتكامل ، ويحصل في الآن ذاته التباعد بين والاختلاف . إنها المسافة " الوهمية " بين الذوات والأشياء .
لغة محمد اكَويندي شفافة ولكنها مكثفة . تعين الأشياء ، ولكنها توحي إلى غير ما تعينه . مسحة فنية مخاتلة تجسد أن رواء الكتابة لدى محمد اكَويندي معرفة وثقافة وومضة من عوالم صوفية كتيمة . ومن هنا ذاك الإيحاء المشفوع بالتعيين ، أو التعيين الذي يومئ إلى ما هو خفي وغير متجل .
لا يمكن لقارئ " سرير الدهشة " إذا كان من قراء الأدب الجيد وعشاقه إلا أن يجد في المجموعة صدى لكاتب سيكون له موقعه المتميز في كتابة النص القصصي " الذكي " لأن القصة القصيرة لا تحتمل البلادة ، إذا ما واصل طريقة بحرص الفنان وعمق المفكر ومهارة قناص اللحظات العابرة والهاربة ، وتعهد نصوصه بالتنقيح والتطوير الدائم والمتواصل .
أتمنى أن أقرأ مجموعة أخرى لاحقة لمحمد اكَويندي أجد فيها التأكيد على أنني أحسنت الإصغاء إلى " أزيز " سرير الدهشة ، وأنني أنتظر منه " صرير" دهشة السرير .