الدارالبيضاء: سعيدة شريف | المغربية
كانت الفرق المسرحية الجامعية المغربية، هي الخاسر الأكبر في المهرجان الدولي للمسرح الجامعي بالدارالبيضاء، الذي أطفأ شمعته الواحدة والعشرين، إذ حصلت على أغلب جوائز المهرجان، فرق مسرحية جامعية أجنبية، أبانت عن مستوى فني عالي، وعن تقنيات مسرحية متميزة، لا قبيل للمسرح الجامعي المغربي بها
ولم يكن هناك أي وجه للمقارنة بينها وبين الفرق المسرحية الجامعية، القادمة من أميركا، والإكواتور، وفرنسا. فمستوى الفرق الجامعية المغربية كان ضعيفا جدا، وهو أمر عاد نجد تفسيره في غياب الدعم المادي، واللوجيستيكي، والتكويني لهذه الفرق المسرحية الجامعية، التي تظل أقرب إلى الهواية من الاحتراف، مادامت المحترفات التي تفتحها لها الكليات بالمغرب، لا تجد الدعم الكافي، ولا التأطير المناسب.
فمهرجان المسرح الجامعي بالدارالبيضاء، الذي يحمل اسم العاصمة الاقتصادية لم يحصل على دعم مجلس المدينة منذ ثماني سنوات، وهو ما يعني الاحتضار البطيء لأكبر مهرجان مسرحي جامعي على الصعيد الإفريقي، والعربي.
اختتمت مساء يوم الأربعاء الماضي بمسرح محمد السادس بالدارالبيضاء، فعاليات الدورة الواحدة والعشرين من المهرجان الدولي للمسرح الجامعي بالدارالبيضاء، الذي تنظمه كلية الآداب والعلوم الإنسانية بن امسيك، بتتويج مسرحية "كاسبار" لمسرح عين الماء من الإكواتور بالجائزة الكبرى للمهرجان، كما فازت مسرحية "موبي ديك" لفرقة جامعة كينساو من الولايات المتحدة الأميركية بجائزة لجنة التحكيم، وعادت جائزة السينوغرافيا لمسرحية "كاسبار"من الإكواتور، وجائزة أحسن إخراج لمسرحية "موليير" لفرقة جامعة بول فاليري بمنبوليي بفرنسا، وأحسن نص مسرحي لمسرحية "الصورة المعلقة" لفرقة كلية التربية للدراما التابعة لجامعة النيلين بالسودان.
وحصل على جائزة أحسن دور رجالي مناصفة كل من ربيع يوسف حسن محمد من السودان، وفيليب جوستمان من الولايات المتحدة الأميركية، ونالت جائزة أحسن دور نسائي مناصفة كل من مايكا إلينا لوبيز من الإكواتور، وإيفاري زوكا من التشيك.
ونظرا للمجهودات التي بذلها عدد من الشباب الجامعي المغربي، نوهت لجنة التحكيم، التي ترأسها الفنان المسرحي عبد الكريم برشيد، بالأدوار التي أداها الممثلون: خالد لعريسي من كلية الحقوق بمراكش في مسرحية "لفوق أو لتحت"، وأنور شمسي من كلية الآداب ابن امسيك في مسرحية "العالم بالمقلوب"، وسميرة هشيكا، من كلية الآداب عين الشق في مسرحية "بنات الحلايقي"، ومحمد حميمصة من كلية الآداب بوجدة في مسرحية "الحائط". وهي تنويهات اعتز بها الممثلون الشباب، الذين حز في أنفسهم ألا تتوج أي فرقة مسرحية جامعية مغربية بالجوائز الكبرى للمهرجان، وعزوا تخلف المسرح الجامعي المغربي عن نظيره الأجنبي، إلى غياب الدعم والتكوين اللازمين، وغياب البنيات التحتية، وقلة الإمكانيات، وغياب المحترفات المسرحية.
من جهته، صرح الكاتب المسرحي عبد الكريم برشيد، رئيس لجنة تحكيم الدورة الواحدة والعشرين من مهرجان المسرح الجامعي بالدارالبيضاء، لـ "المغربية" أنه لا وجه للمقارنة بين الأعمال المسرحية الأجنبية المعروضة في المهرجان، وبين الأعمال المغربية، التي أبانت عن ضعف شديد، وعن حاجة ماسة للتكوين. ولهذا وجب ، كما قال، فتح ورشات تكوينية لهؤلاء الشباب العاشق للمسرح، من أجل تطوير معارفهم في المجال المسرحي.
وأضاف برشيد أن المهرجان شهد تنوعا في العروض، وتباينا كبيرا في المستويات، كما عرف غنى في تعدد الرؤى وفي حضور الآداب العالمية من خلال المسرح، فالفرقة المسرحية الأميركية تعاملت مع رواية "موبيديك"، وفرقة وجدة تعاملت مع شتاينبيك. وبشكل عام، كما قال، كانت هناك اجتهادات على كل المستويات، وكما حضرت لأول مرة فرقة جامعية من السودان، التي توجت بجائزة أحسن نص مسرحي عن مسرحية "الصورة المعلقة" لفرقة كلية التربية للدراما التابعة لجامعة النيلين.
وبخصوص التكريم، الذي حظي به في هذه الدورة الأخيرة من مهرجان المسرح الجامعي بالدارالبيضاء، ذكر برشيد أنه تكريم يعتز به، وأنه "فعل كريم من كرماء يقدرون العمل المسرحي". وأشار إلى أنه ارتبط بهذا المهرجان، منذ دوراته الأولى، وشارك في لجان تحكيمه، إلى جانب فنانين عرب وأجانب، مازالوا يذكرون هذا المهرجان، ويذكرونه به في كل مرة يلتقي فيها بهم خارج أو داخل المغرب. وقال" المهرجان معلمة ثقافية في الدارالبيضاء، يجب الحفاظ عليها، وعلى الساهرين على شؤون الدارالبيضاء دعمه، لأنه تظاهرة ثقافية تستحق كل التنويه، فمنه تخرج العديد من المسرحيين المغاربة، الذين أسسوا اليوم تجاربهم الاحترافية، وإليه يرجع الفضل في إشاعة المسرح بين الجمهور".
من جهتها، أطلقت اللجنة المنظمة للمهرجان صرخة استغاثة، لأنه لا يعقل أن يستمر المهرجان بـ "الرغيب، والطليب"، فهو تظاهرة ثقافية، رسخت الممارسة المسرحية بالدارالبيضاء، وتحتاج اليوم قبل أي وقت مضى إلى الدعم، وإلى فتح المركبات الثقافية في وجهه، وإلى تمكينها من أحدث التجهيزات التقنية، خاصة أن المهرجان يستضيف فرقا عالمية، توظف أحدث التقنيات، التي يصعب على منظمي المهرجان توفيرها لهم، لأنها مكلفة للغاية.
وأشارت اللجنة أن المهرجان بحاجة إلى دعم مادي، ولوجيستيكي، وتكويني، حتى ينهض بالمهمة المنوطة به، لأنه في ظل الشروط الحالية يظل مستقبل المهرجان مهددا، كما هو شأن المهرجانات الجامعية المسرحية الأخرى، الرهينة بالجامعة المغربية، التي تعرف ظروفا صعبة، بسبب المخطط الاستعجالي لإصلاح التعليم.
وفي ظل هذا النقص، والعوز المادي، يظل ربما الحل في إحداث مؤسسة لتكوين المتخصصين في الفن، وهو المشروع الذي تشتغل عليه كلية الآداب بن امسيك منذ سنوات، والذي ستنطلق حلقاته الأولى في الموسم الجامعي 2010- 2011، إذ سيوفر تكوينات في المسرح، والموسيقى، والفنون التشكيلية، والمجال السمعي البصري.
ولاستكمال التصور، والاستفادة من التجارب السابقة في هذا المجال، تجري كلية الآداب بن امسيك اتصالات بالجامعات، التي لها التوجه نفسه بالخارج، ومنها مركز فرينوا، وجامعة ليو بفرنسا، وجامعة هيل دوفايل بألمانيا، كما جرى تعيين لجنة تقنية وعلمية للإشراف على هذا المشروع الواعد.
لكن الرهان الأساسي يظل هو ضمان استقلالية هذه المؤسسة، التي يسعى إليها من هم وراء هذا المشروع، وعلى رأسهم عميد كلية الآداب بن امسيك عبد المجيد قدوري، لأنه دون ذلك ستظل تلك المؤسسة رهينة بالتحولات، التي تشهدها الجامعة المغربية.
للإشارة، فالدورة الواحدة والعشرون من المهرجان الدولي للمسرح الجامعي، التي نظمت تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، تميزت بمشاركة مجموعات مسرحية تمثل جامعات من السودان، وتونس، والتشيك، وبولونيا، والإكواتور، والولايات المتحدة الأميركية، وفرنسا، إلى جانب مجموعة من الفرق المسرحية تنتمي لجامعات: وجدة، ومراكش، وطنجة، والدارالبيضاء، وفرقة مسرحية من السمارة.
وتضمن برنامج الدورة تنظيم محترفات في مجالات "الاتصال والارتجال"، و"حركة الجسد على الخشبة"، و"المسرح والأسطورة"، و"تقنية التركيز والتنفس عبر الحركة "، نشطها خبراء من المغرب، وليبيا، وهولندا، والولايات المتحدة الأميركية، إضافة إلى ورشات في التكوين المسرحي، أطرها عدد من المتخصصين في المجال المسرحي من المغرب، وإفريقيا، وأوروبا.