الشاعرة التشيكوسلوفاكية «كارولينا هيرمانكوفا

نعيد نشر هذا الحوار الممتع الذي أجراه الصديق عبد الحق بن رحمون مع الشاعرة التشيكوسلوفاكية



[الشاعرة التشيكوسلوفاكية «كارولينا هيرمانكوفا»



أخرج إلى الشارع والقصيدة معلقة على ملابسي...



حاورها: عبد الحق بن رحمون، تطوان - المغرب]

خلال الدورة السادسة لعيد الكتاب ( دورة بابل) نيسان ( أبريل) 2003، نظم اتحاد كتاب المغرب ، فرع تطوان، وبدعم من وزارة الثقافة المغربية ، لقاءات مع عدد من الكتاب والشعراء المغاربة، وذلك على مدى أسبوع، حيث عرف برنامج الاحتفال بعيد الكتاب تقديم وتوقيع اصدارات الكتاب المغاربة بالمؤسسات التعليمية، كما شهد هذا الأسبوع تنظيم معرض تشكيلي، وقراءات شعرية ، بفضاءات متنوعة ، استضافتها المكتبة العامة للمحفوظات، والمعهد العالي للفنون الجميلة، ( الزمان) التقت بالشاعرة التشكيوسلوفاكيا " كارولينا هيرمانكوفا . في بداية هذا اللقاء، كنت قد تعمدت تغييب تلك الأسئلة الجاهزة ، بقدر ما كنت أحاول أن أرسم

رسما تفصيليا لهذه الشابة الجميلة الشقراء ، التي كانت تحب الشعر والرسم والغناء بكل معاني الكلمة البلاغية التي يمكنني أن أصفها بها، حيث كانت بكل حال قصيدة شعر،أو ملاك نزل من السماء لتقول الشعرالمنزل من اللوح المحفوظ ، "كارولينا"... هي وحي القصيدة التي نتخيلها تمشي على أقدام، لذلك حاولت أن أستثمر هذا اللقاء في حوار حميمي ، ولما أقول فتاة جاءت إلى المغرب لتقول لنا كيف تعيش الشعر؟ ، وكيف تلقي قصائدها بالعالم ، إضافة إلى طريقة نشرها وإلقائها للقصائد المختلفة تماما عما ألفناه ، وأعترف لما أقول أنني أعجبت بهذه الشاعرة ، وخاصة وأن لها أسلوب متميز في كتابة الشعروتقديمه للمتلقي ،وهو أسلوب يختلف عن وسائل إلقائنا للقصيدة أمام الجمهور بالمغرب، وكذلك بالعالم العربي طريقة إلقاء القصيدة ربما لاتخلو من فضاءات جاهزة ، ومنها شرط توفرالمنبر، حتى أضحى إلقاء الشعر مثل الخطب ببرلمان الأمة، وهذه العملية استلكت و كانت في زمان معين، في لحظة تاريخية من الخطابة والقصيدة الحولية، وربما استهلكت بتقديم هذه الصيغ أمام الجمهور، وأؤكد أن مثل هذه الوسائل في إيصال صوت الشاعر أصبح الجمهور المتتبع لها يصاب بالقرف، لذلك ظهرت تجارب شعرية تتمثل في مسرحة الشعر من طرف بعض الفرق المسرحية بالمغرب ، التي يسهر على إخراجها وتجسيدها على الركح فنانون شباب من خريجي المعهد العالي للتنشيط الثقافي والمسرحي ، مثل دواوين أحمد لمسيح ، وأحمد المجاطي ...الخ .
الشاعرة " كارولينا " في تقديمها لنفسها ورأيها الصريح في المغرب قالت : "أنامن مواليد 07/07/1977 من براغ ، بالجمهورية التشيكوسلوفاكيا، أدرس وأقيم حاليا بأمستردام ، في معهد الفنون الأكاديمية ...وعائلتي تقيم بتشيكوسلوفاكيا ، والآن أنا سعيدة بتواجدي في المغرب ، لأنني أحس أنني أنتمي إلى المغرب أكثر من أوروبا ،لأن الطبيعة الانسانية في المغرب تتميز بطبيعة روحانية، فالحياة في أوروبا مادية تماما، ولذلك أجد نفسي هنا أكثر في المغرب، ولذلك أنا سعيدة بتواجدي معكم في المغرب ."
والسؤال الأول الذي وجهناه للشاعرة "كارولينا هيرمانكوفا": ماهي التيمة والموضوع اللذين تشتغل عليهما في كتابة القصيدة ؟ فقالت :" ثلاث تيمات ، هم : الله ...الضوء...الحب.../ إنها نفس الأشياء ، وبطرق مختلفة تدور حول تجربتي في علاقتي مع الله ومسلسل التحول الذي جربته ... و "كارولينا" وهي تتحدث بشكل وجيز عن تجربتها استطردت قائلة : ابتدأت كتابة الشعر، ذلك ليس بالوقت الطويل. وقد حدث أنني لما كنت أغني منذ الصغر ظننت أن الغناء شيء مفتوح ... وعندما أكون في علاقتي مع الانفتاح مع العالم تأتي القصائد إليه. وأظن أنني لا أكتب القصيدة، أنا أتأمل في القصيدة فالوحي الشعري يأتي مفتوحا مع الحالة التي أعيشها، وتعكس الحالة النفسية التي أعيشها في تلك اللحظة .
... وأين تنشر "كارولينا" قصائدها ، هل في دوريات أو في المجلات الثقافية ؟ قالت : " أنا أعتمد على قراءة القصائد في الشارع ، وفي بعض الأحيان أكتب القصائد على لباسي ،وأخرج إلى الشارع والقصيدة معلقة على ملابسي، كما أكتب في محطات الحافلات وفي الجدران ، كما أقوم بقراءة قصائدي في الشارع ليسمعها بشكل مباشر الناس و الأطفال .
إذن علاقتي بالشعر هي علاقة مباشرة بالشارع ...ليس لدي كتب لكن لدي قصائد عديدة . فأنا أحاول أن لا تكون علاقتي بالقصيدة مكتوبة ، أريد أن تكون قصيدتي بتعبير فني آخر.
وللاشارة فالشاعرة " كارولينا هيرمانكوفا " قدمت لي قصائدها المترجمة إلى العربية ، ونحن نجلس بمقهى الربيع بتطوان وذكرت لي بأن مترجمها من أصل سوداني مقيم في مدريد ،إسمه عنتر، ترجمها من اللغة الانجليزية إلى اللغة العربية. وأشارت في سياق الحديث معها عن آخر مرة زارت الشاعرة فيها المغرب التي كانت قبل ستة أشهر، وذلك في إطار اتفاقية توأمة أقيمت مابين أكاديمية أمستردام، والمعهد العالي للفنون الجميلة بتطوان، وفي هذا الاطار أقيم مشروع ثقافي .الشاعرة " كارولينا" شاركت في هذا المشروع بعمل شعري وفني أطلقت عليه إسم: (القندورة المعلقة)، والقندورة في المفهوم المغربي هو لباس تقليدي ترتديه النساء بالمغرب ، حيث عملت "كارولينا" على تعليقها في أحد أهم الشوارع الرئيسية بتطوان، وبالضبط بشارع محمد الخامس ... و عليها قصائد من إبداعها.
وتؤكد " كارولينا " بأن أهمية هذه المعلقات أن الناس يتقربون من الشعر عبر شيئ يلبسونه يوميا .
وفي توظيفها للرسم و التشكيل أكدت قائلة : "أظن أن لدي إمكانية عبر يدي وصوتي ، وأهدف من ذلك كي أعطي تشكيلات للحب وللحياة التي أحسها،و بعض الاشخاص يسمون هذا فنا بينما أنا أسميه علاقة إنسانية ."
لم أدر بأن الشاعر "كارولينا هيرمانكوفا " بأن لها قرص مدمج ( CD ) مسجلة عليها أغانيها ، وطبعا كلماتها هي من قصائدها ، وتصاحبها موسيقى على القيثارة والباص ، استمعنا معا إلى ألبوم أغانيها في حفل عشاء أقمناه بمطعم أندلسي يقدم وجبات جيدة ، حيث تابعنا حوارنا في جو أقرب إلى الرمانسية ، حيث تضيء شموع في شمعدان على الطاولة التي جلسنا بها ، وفتحنا مواضيع مختلفة أهمها أنها تنوي إقامة حفل موسيقي بالمغرب خلال فصل الصيف القادم ، وتبحث عن بعض الجهات المسؤولة على الثقافة لتنسق معها ، لكي تحضر فرقتها الموسيقية إلى المغرب بدون عراقيل إدارية روتينية ، وعلى ذكر العراقيل كانت "كارولينا" شبه محبطة وهي تتحدث عن التحقيقات البوليسية التي لاطائل منها ، تلك التي وجدتها في تطوان ، لما استدعتها الشرطة إلى مقرها تستفسرها عن معرضها الغريب الذي أقامته، حيث لم تستسغه السلطات المغربية بالرغم من أنها حصلت على ترخيص بالموافقة موقع من عند السلطات المذكورة ، إذ سبق في هذا الاطار لفرع اتحاد كتاب المغرب أن تقدم بملتمس إلى السلطات المحلية يطلب فيه ترخيصا لاستعمال بعض الأماكن الواقعة في شارع محمد الخامس – قبالة : الخزانة العامة للمحفوظات ، ساحة الجلاء ،والمشور السعيد - لعرض بعض المنشآت الفنية ( القنطورة) ، حيث لا تتجاوز مدة العرض نصف ساعة ،وذلك ابتداء من 23 نيسان ( أبريل ) 2003 إلى غاية 26 من نفس الشهر...!!!
و"كاررولينا" في عشقها للشعر تعتبر نفسها مقرونة بزواج أبدي مع الكون ، جاء هذا الجواب لما سألها الصديق الفنان "محمد الخزوم" ونحن في زيارة إلى محترفه .
وبخصوص الأمسية الشعرية التي أقيمت بالمعهد العالي للفنون الجميلة والتي شارك فيها نخبة من الشعراء والشاعرات المغاربة ساهمت كارولينا في هذه الأمسية وقد حولت إليها الأنظار ، أولا في اختيارها لملابسها البيضاء الأنيقة كأنها في عرس ، ثم أن تنورتها كتبت عليها قصيدة من إبداعها بالعربية .
وفيما يلي قصائدها التي ألقتها مغناة وقد خصت بها ( الزمان ) :



العيش في رقص حافل



I

إن الحب الذي أملك تجاهكم
لهو كالشمس الساطعة
قد تؤلم العينين عند النظر
لكن تنساب في القلب دافئة
فننسى الاحساس بالألم
لا عذر لي في السطوع عليكم
إنما هبة الحياة أهديكم
ستقبلونها فقط
عندما تتركون
رئاتكم متفتحة
بهذه الطريقة وحدها
يمكنكم ان تقبلوني...


II

عندما تضيء النيران
ظلال الأشجار العتيقة
نلتزم نحن الصمت
قابعين تحت الأجنحة
فجأة تتغير أعيننا
نفس اللون
نفس الشكل
الذي للعطاء
هل هي النار ؟
هل هو الصمت ؟
هل يهم ماذا ؟

III

هل سأفعل هذا
أم سأفعل ذاك
هل من مكان ما
أينما أجد الراحة
هل هناك شروق
وأنا هنا لا أراه
لأني أحيا في خوف
عندما نكف عن التساؤل
ونبدأ بالتفاعل
والعيش كمن في رقص حافل
ستصبح الحياة حياة
الآن ، هنا ، في كل مكان ، إلى الأبد ...

IV


أتمنى المطر
للشجرة كي تنمو
أتمنى الزهرة
للنحل
أتمنى الشهد لكم
أبنائي... أحبائي
أتمنى أن تتمنوا معي
تمنوا معي
سنشرق كالشمس
تمنوا معي
بكل ما أوتيتم من حب ...

V

انفجرت يوما
انحدرت كل الألوان
الأشجار تتراقص
على ذبذبات الضوء
ما أبسط ما تمنح الطبيعة
حبي للكل

VII

متقافزة فوق الأريكة
سابحة في حوض الحمام
طبقات من الاعلانات الملصقة
قد غطاها الزمن
هامسة بالسر
عاليا..فعاليا
حتى لا يبقى سر
عندما يغمرني
يلمسني رأسا الفيض
لن يعروني خوف
ليس لدي ما أخفيه
وكل شيء عندي
أمنحه ليضيع...
حب من ذبذبات
ذبذبات من حب
ومن تم أستيقظ
صباح في ظلام
فقد أطبق الليل عيوني
سابحة في ظلال
منسوجة من ضباب
يبكيني الدمع
ما الذي أفتقده ؟...

VI

واقفة فوق المياه لبرهة
دوائر في تحرك دائم
تعبر نحو الأبد
شكل وراء الآخر آتية
من حيث سنذهب جميعا
يوما ما
ربما هذه الليلة
أنا جلست في عجلة



موقع ميدوزا للاديب الشامل محمد أسليم