كنا نسمع منذ الصغر عن الحكمة العربية التي تلخص معاني الانفة والاستعلاء عن الدنايا وعن الخوض في جزئيات الاموروالانشغال برد الردومتابعة التفاهات المنبعثة من جراء حسد الحاسدين او شماتة الشامتين. تعلمنا جيدا ان نقول/ القافلة تسير والكلاب تنبح/ هذه المقولة التي لخصت لزمن مضى طريقة العربي القديمة في التعامل مع مشكلات الامور ومع التلاسن. لقد كانت امتنا العربية والاسلامية امة عاملة، تقتحم الاهوال وتقهر الصعاب.كل ذلك بلحمة واحدة وموحدة ،وبنظام وانتظام بديعين ،تماما كالقافلة المحملة بكل الامتعة المتنوعة..والمشكلة من كل الاجناس والاقوام...لكن هناك غاية واحدة توحدها، وهدف سامي تسعى اليه ..والحادي يضبط ايقاع سير القافلة حتى لايبقى متخلف عن المسيرة. يضبط هذا الايقاع بحداء شجي يطرب له السامع فيخفف عنه عناء السفر ومشقته...وتستمر المسيرة البديعة، فيها الفقير والغني والمراة والرجل والشاب والطفل ..والشيخ المكتهل والمراة العجوز..لافرق بين هذا وذاك..يواسي اعضاء القافلة بعضهم البعض ويرافون بحال بعضهم البعض..يتضامنون ويتكثلون حتى ان الصعاليك من قطاع الطرق وغيرهم لاتسول لهم انفسهم اعتراض هذه القوافل المتضامنة والقوية ..فلا يضيرها نباح الكلاب على قارعة الطريق..مادام الامر مجرد نباح..ومادامت القافلة تسير فهي لاوقت لديها للرد على هذا النباح ،لانه قد يعطلها عن المسير ،وقد يؤخرها عن الهدف المنشود والسعي المطلوب..اذن فلتسر القافلة ولتنبح الكلاب ... هكذا كان حال امتنا لردح من الزمن سادت به العالم وقادته الى المعاتي الساميات ،فقد كانت تصوغ حكمها من وافع تعيشه..وتستخلص منه الدروس .
لكن فجاة تبدل كل شيء..وغدت حكمنا العربية الاصيلة لامكان لها في واقعنا..لكن لها مكانة في تسامرنا او في ركن جريدة/حكمة اليوم/او في مسابقات ثقافية رعناء ،يقدمها فتى مدلل او فتاة مغناج على الطريقة الباريسية...الصورة ايها السادة القراء هي عبارة عن كلاب تسير وقافلة تنبح...كلاب اسرائيل الضالة تعيث في الارض فسادا وافسادا بمعية امريكا ،لكنها تسيرلتسيطر على المنطقة العربية ..تبني اقتصادا قويا ..تقوم بتطهير عرقي منقطع النظير..تسفك الدماء..تقتل على مراى ومسمع من العالم اجمع..تبني القواعد العسكرية بدويلاتنا المسماة مجازا عربية..تسيطر على مجلس الامن وتلعب به ذات اليمين وذات الشمال..تشد على خناقنابواسطة الديون والمعاهدات التي لاتلتزم بها و نسميها نحن مجحفة لكننا نوقع عليها صاغرين مهزومين اذلاء.. تتحالف معنا ضدنا..كي تقتل فينا روح الوحدة، روح القافلة المتضامنة وحدة القافلة كانت.
تغزونا بافلام العهر والدعارة والالحاد والتفاهة والسفاهة والفهاهة، لنصبح بعد ذلك أمة الاحلام نتقن الكلام والخطب الرنانة ... والتلاسن لكننا لانحسن فن العمل وادبياته ومساربه وطرقه ،حتى حق فينا قول الشاعر :
زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا .....................أبشر بطول السلامة يا مربع
وحق فينا قول احمد مطر :
عادة عند حكام العرب اصبحت قاعدة
كلهم يشتم أمريكا
وأمريكا اذا ما نهضوا للشتم
تبقى قاعدة
فإذا ما جلسوا تنهض امريكا لتبني قاعدة.
إذن كلاب هذا العصر الهائجة المسعورة اصبحت تخطط اصبحت منظمة في هيئات ومنتديات ودول وتكثلات عظمى .. وتسير بخطى تابثة وسريعة الى المستقبل المنفتحة ابوابه على مصراعيها لهم ،لا تأبه هذه الكلاب بكلامنا، ولا بأشعارنا ولا خطبنا، ولا حتى بشتمنا وسبابنا.
نحن القافلة المغلوبة على امرها، نحن القافلة المحطمة التي استبد بها الجوع والفقر والتهميش والامية والانسلاخ من كل مقوماتها الحضارية والثقافية .. ومع كل الاسف نحن من بعنا انفسنا في سوق الكساد فكانت النتيجة هواننا على الناس وقلة الحيلة، فعوض ان نصفف الشعت ونرفوا الفتات ونجمع الشتات، ونلملم الجراح ونضمد الكلوم، ونرص الصفوف.. ونرجع الى اسباب عزتنا والى اصولنا كي نستدرك مافات .. لنبحث ونكد ونجهتد ،وما النموذج الياباني والصيني والهندي والكوري الشمالي عنا ببعيد، كي نتعلم الدرس ونعمل في صمت ...
بدل ذلك كله اصبحنا سادة النباح، وامراء العويل، وملوك النواح ... واصبحنا نخاطب الاخر بسحر البيان في زمن لاخطاب الا خطاب القوة الاقتصادية ،ولاسحرالا سحر الصناعة الخفيفة واالثقيلة والحصيلة بالارقام الصماء التي لا تخضع لاية اديولوجيا مسبقة ..
نحتاج الى قافية غير القافية والى سجع رنان بدل سجع الكهان ووزن غير الوزن.
قال العربي قديما: "أوسعتهم شتما وراحوا بالابل" اما نحن فقد ساعدناهم على سلب خيراتنا وسبي نسائنا بل عرينا لهم عوراتنا في سوق النخاسة العربية
ملحوظة:
"رجاء للجرائد والمجلات والمنتديات الالكترونية التي تضع حكمة اليوم على صفحاتها ان تغير حكمة العرب القديمة : "القافلة نسير والكلاب تنبح" الى واقع حكمة العرب الجديدة "القاقلة تنبح والكلاب تسير"
رشيد ايلال
نشرت له هذه المقالة باسبوعية الانتفاضة من اجل الحداثة المغربية عدد 59.