نورة

أدار المفتاح في ثقب الباب يعالجه ببطء، و التعب يأخذ منه مأخذا. سمع طقطقة خفيفة، وانفرج الباب ليصدم وجهه بالهواء الساخن الذي يملأ الغرفة أثناء غيابه، دفع الباب بتثاقل، وضع محفظته فوق الطاولة بعناية رغم التعب، تسللت يده إلى مفتاح تشغيل الكهرباء تداعبه في ليونة، سرى النور في أرجاء الغرفة.

بوهن شديد أزال سترته و علقها على مشجب يستقر في الركن كخريطة جزيرة عذراء، واجه المرآة و يده تعالج ربطة عنقه، و ملامحه مرتسمة على المرآة مثل تقاسيم الصورة التي تحملها بطاقة تعريفه الوطنية، ابتسم لهذا الخاطر، و أية صورة ستحمل بطاقة تعريفه إن لم تحمل صورته؟ بدأت شفتاه في رسم ابتسامة متهكمة، رمى بربطة عنقه في عشوائية، و فتح أزرار قميصه العلوية، انطفأ النور، أسرعت أنامله تداعب مفتاح تشغيل الكهرباء، انقشع بغتة قبل أن تصل أنامله إلى المفتاح.

تذكر أن « نورة » قد أخبرته أنها بصدد كتابة قصة يدور موضوعها حول مفتاح تشغيل الكهرباء و تستمر قصتها مع كل إنارة أو ظلام، تخيل أن النور في الغرفة قد يرتب سلوكيات معينة، و قد يثير فيها شيئا من الهوس لفعل ما، و حتى الظلام قد يخفي وراءه ما يخفيه.

أزال قميصه، و أخذ يعالج حزام سرواله بيده اليمنى، في حين زحفت يده اليسرى لتخطف منديلا من الورق تجفف به بعض حبات العرق المترامية بعشوائية فوق صدره.

لماذا قفزت صورة « نورة » وحدها إلى مخيلته و ذاكرته المتورمة تحتضن أرشيفا متهالكا صدئ الرفوف، لعل خصائص معينة جعلتها تسطع و تخفت كما تفعل إشارة الصيدلية القريبة من شرفته.

شاركها يوما الطريق، كانت ترتدي قفازا يخفي نعومة يدها اليمنى، و نظرة التحدي تشخص بعينيها، تسير إلى جانبه في هدوء، و الحروف تنفلت بين شفتيها بثقة، حاول أن يعرف كيف تفكر، و هل كل النساء يشتركن في هم واحد، أم أن همومهن تختلف.

أزال سرواله، و وضعه على نفس المشجب الذي كان قد علق عليه سترته، ثم سحب فوطة كبيرة و لف بها نصف جسده الأسفل.

كانت أول امرأة يصادفها تعشق كرة القدم، و تهتم بفريق الرجاء البيضاوي، و تتصيد أخباره، و تطير أينما حل و ارتحل، كم تساءل في قرارة نفسه . أذلك سيؤثر على أنوثتها و ينقص من جاذبيتها؟ أم أن الكرة تدخل في تركيبة أنوثتها؟

وضع قدميه في نعل بلاستيكي و جرهما جرا نحو الدوش، وقف تحت المرشة، و حل عقد الفوطة في وسطه، فتح الماء لينزل ساخنا على جسده المكدود، أعاد إليه بعضا من هدوئه فأحس بنشوة وبتيار الراحة يسري في عروقه، انطفأ النور و انبلج مرة أخرى، لم يعرف أكان فاتحا عينيه أم مغمضا إياهما تحت شلال الماء الساخن، أم أن كل ذلك السطوع و الخفوت فقط في جمجمته المتصدعة؟ ربما سيستشف الجواب حينما تكمل « نورة » حبك خيوط قصتها التي بدأتها عند مفتاح تشغيل الكهرباء.

?