قراءة في دوان – حدائق زارا – للشاعر رشيد الخديري
للرؤيا بعد خامس
- الأفق غيمتان
- بعصى موسى
- أشد الليل وأطيع
- طباقا يستبيق خطاي
- أي حجر يرشق السحاب
- حجر عاشق ، سيقان
- من ذهب أجساد
- قرابين
- هذا وقت الرؤيا
طباق من حجر عنوان هذه القصيدة ، لمسة ذكية حيث يطرح مسألة الطباق ، وهي رؤية التجانس المضاد في مختلف الرؤيا ، لأن الطباق هو التضاد في اللغة وقد يكون طبقا عن طبق وكذالك هي الطبقات لتكون طبق الأصل وبنفس القساوة ، من حجر مجرورة بحرف الجر في " للرؤيا بعد خامس "
وهي ميتافيزيقا التي تفلسف فيها فلاسفة الإغريق دون ذكر الأول والثاني في غيمتان حيث يقول " الأفق غيمتان " دون ذكر واصل بحرف جر أو عطف وهو انقطاع بين الرؤيا لبعد خامس ورؤيا . ملموسة لهذا البعد المحسوس الملموس وهو يشق الليل بعصى موسى... لست أدري ما الذي أتى بعصى موسى في هذا المنوال وهو ارتباك على مستوى التوضيب المفرداتي دون أي خيط يلمم هذا التمزق خصوصا ما بين .
- أشق الليل وأطيع
- طباقا يستبيق خطاي
- أي حجر يرشق السحاب....
- هذا التباعد دون إلتحام جعل القصيدة رشقات تخدش الحس الشعري قبل أن يرشق السحاب في قوله
- أي حجر يرشق السحاب .
ولتفادي تلك الأسطوانات على وجه جديد في قصيدة بعنوان " أقل من الجنون " الصفحة 9 .
حاول اللعب على حرارة الشمس لكن لم يخلول من ملء طباق . الذي يمنعه أن يفتح ذراعه للشمس لأن الملء يملأ ثقوب الطباق .
- أما فتح ذراعيه اعتبره اشمئزاز لغوي لأن الفتح يكون للذراعين معا وليس لذراع واحد .
وكذلك هذا كتاب التكوين من القصيدة لا أجد له علاقة – بين هذا كتاب التلوين وبين أفتح ذراعي للشمس وهو يقول :
- ملء طباق
- افتح ذراعي للشمس
- هذا كتاب التكوين
وقد تلاعب شاعرنا باللفظ و المفردات دون أن يتمكن من ربط مفرداتها .
وهو يقول :
- طفل هراقليطس
- يفقأ عين المحافظ
- ويسيح في حاناة أثينة .
- يشرب نخب الذين صلبوا
- على مرمى قوس
- أو ما يشبه وثرا
- أعياه نفير الرياح
- تلاعب باللفظة والمفردة فأجاد التوضيب هنا رغم عم ربطها بما جاء في الجزء الأول من مطلع القصيدة .
- وقد أعجبتني فيه حدائق زارا – وهو عنوان قصيدته الصفحة 21 حيث استعمل الحرف تلوى الحرف
- قاف
- سين
- صاد
- فيم تفكر يا زارا
- تناص قرآني حرفي استعمله ليتساءل في تفكر زارا غير أنه تزحزح عن السرد الذي كان يمكنه أن ينحوا نحوا آخر بذكره .
- هنا الشمس ترسل غاراتها .
- هناك خلف سياج الحديقة .
- تتمدد أو فيليا .
- فإذا كان المراد بالغارة هدف القصد من القصيدة فتناقض تام بين هنا وهناك – إذ أن الخروج عن هنا لتكون هناك الغارة ، يبعد تماما عن مقصد الإرسال لأن الغارة تأتي من – هناك إلى هنا وليس من هنا إلى هناك .
- إذن فهو تباعد في الرؤيا وتناقض في المقصد .
- كما أبعدني تماما بوصايا الشمس – ص 25 –
حيث مطلع قصيدته
- قيد كناية
- احتمي بصلاة العشب
- كي يصرعني الألم
- وتصرعني شمس الغاب
- و أنا من أنا
- من ذكاء المرأة هذا جسدي
- ممر للمشاة
- هذه يدى منذورة للبحر
- لم تلمسني عجول سومر
- ولا هزني غناء شحرورة
الوصية مع قيد كناية والاحتماء بصلاة العشب تناقض بين كناية العاقل الملزم باللفض وبين الاحتماء بصلاة العشب إنه لغير العاقل والاعتماد عليه غلل في الرغية و كبو في الاشتهاء وهو تصرعه شمس الغياب خلف هذا التساؤل " وأنا من أنا " دون ربط يربط بين الفواصل المتقطعة والممزقة سببه الذين تدلوا على القصيدة من نافدة التراجم المترجمة من اللغات الأجنبية والمشي على منوالها دن مراعاة أن القصيدة المترجمة لم تؤدى كما هي .
- فالتراجم قد أنجبت جسدا بلا روح . ومما سبق كله نخلص إلى القول بأن هذه المجموعة الشعرية تلفها فرقة الالتقاء اللفضي ورغم الانسياب السردي يغلب عليها عدم الربط بينها وليس سهل قراءاتها أو ولوج خبايا الحرف وفهم ما وراء السطور إذا لم يكن القارئ محتكا بصاحب النص عارفا بلغته الخاصة .
- فالتجربة التي بين أيدينا يعلوها نوع من الاضطراب والغموض المتجليان في الهوة بين بعض العناوين الرئيسة لكل قصيدة والموضوع أعني الرسالة من القصيدة ، وإذا تأملنا المعجم العام لهذا العمل " حدائق زارا " نجد ألفاضه مستقات من حقول دلالية متنوعة مليئة بالرموز المكثفة الإحياء .
- منها ما يحيل على عالم : اللفضة فيه تنفلت من المعنى المعجمي لتنقر باب التداعي للموروث الثقافي في ذاكرة المتلقي .
- عصى موسى – هراقليس – إملشيل – رماد طاليس – لوح الوصايا – قرابين .....- وما إلى ذالك من المفردات التي توارثتها الأذهان .
فإذا كان الرمز كلمة مشحونة بقوة إيحائية تتيح التفكير في شيء آخر لا يقوله النص ، وإذا كان الرمز هو اللغة التي تبدأ حين تنتهي لغة القصيدة والتي تتكون في وعي القارئ بعد قراءته للقصيدة فما الأشياء الأخرى التي لا يقولها النص ، وتقولها الكلمات .
- عصى موسى – الموت – العشب الألواح – قرابين ...؟ الشيء الذي يربك المعنى العام للقصيدة ونختم تجوالنا في دروب و مغاور الكلمات آملين أن نكون قد وضعنا أيدينا على بعض مفاتيح القصيدة وقربنا إلى المتلقي بعض ما يكتنفها من غموض بقول ليوسف الخال أورده الشاعر الناقد – المجاطي – في أطروحته " أزمة الحداثة في الشعر العربي الحديث " حيث يقول " يصطدم الشاعر في عملية الخلق الشعري بتحديين اثنين :
الأول : حدود اللغة قواعدها وأصولها التي لايمكن تجاهلها إذا شاء أن يكون عمله ذا معنا لقراء هذه اللغة وذا وجود في ثراثها الأدبي .
والثاني أساليب التعبير الشعري المثوارت والمتبع في التراث الأدبي وهي أساليب راسخة في الأذهان وفي الذوق العام بحيث يؤدي الخروج عليها بغير أناة ومهارة وفهم إلى إفراغ القصيدة من حضورها وذلك بانقطاعها عن الآخر – المتقي – إذ ما نفع القصيدة إذا عدمت حاجة الشاعر الجوهرية إلى التواصل مع الآخر .
عبد الحكيم الزراري