الحصــــــــــــــــــــار قصة قصيرةقال لي ذو الوجه المحفور: - أدخل ، السيد في انتظارك فغمغمت شاكرا ثم دخلت لأجد المكتب تقريبا كما تخيلته وأنا في الطريق : غرفة واسعة في صدرها مكتبة حافلة ، نوافذ واسعة ذات ستائر شفافة ، أمام المكتبة طاولة فخمة عليها كتب وأقلام وركام من الرسائل والإضبارات ، بينما تربع هو على كرسي مطاطي مذهب ، تعلو وجهه المكتنز صلعة لامعة:
- اجلس.. مرحبا بك ! قال رافعا بصره عن كتاب كان يقرأ فيه هاشا بيده اليمنى في حين أمسك باليسرى سيجارة ضخمة.عقبت وأنا أغالب مزيجا من الخوف والارتباك :- شكرا سيدي.نفث الدخان بنشوة ثم قال :- في الحقيقة ، مكالمتك كانت ممتعة ، ذكرتني بأيام زمان وجعلتني أغرق في رحم الذكريات البلورية ، وأنسى ولو لفترة التجاعيد والبياض الزاحف .بادرت بحماس :- ولكن أستاذ ، الشيب ليس مقياسا الشيخوخة ، ثم إن من يقترب من عوالمكم يحس بأنكم في عز الشباب.قال :- أنت على حق ، وهذه من أسرار الإبداع ، رغم أن الإبداع ليس في آخر تحليل إلا عالما من ورق نفرغ فيه آلامنا وآمالنا ، ونحاول أن نزحزح صخور الصمت .هززت رأسي موافقا ثم علقت :- وهذا هو الايجابي في الإبداع يا سيدي ! قال مبتسما وقد احمرت عضلات وجهه :- على أية حال ، هذه مجرد دردشة قد تتاح لنا فرصة تعميقها مستقبلا، قل لي : هل أحضرت المجموعة؟- " نعم أستاذ" وناولته الإضبارة:" هاتفا :- أنتم أول من يطلع على هذا العمل ، وملاحظاتكم ضرورية بالنسبة لكاتب مبتدئ.رقص على وجهه فجأة فرح غريب فهتف :- أنا أشجع المواهب الشابة وكلنا مررنا بنفس المرحلة ، عد بعد أسبوع. سيكون كل شيء جاهزا.* * *
عدت بعد أسبوع فقال لي :" عد في الأسبوع التالي.في الأسبوع الثاني قال:
" المشاغل كثيرة ، عد في الأسبوع الثالث ". لما عدت قال لي ذو الوجه المحفور :
- " الأستاذ مسافر إلى فرنسا لحضور مؤتمرأدبي ! مرت أسابيع فشهور ، وعبر التيليفون أو باب الشقة الموصدة أصبح يأتيني الرد قاسيا وباردا :- آسف ، الأستاذ غير موجود.* * *
سمعت أنه أصدر مجموعة جديدة ، فتلقفتها بشغف ، أثارني العنوان : " الزمن المنفلت " فشرعت أقلب الصفحات بيد مرتجفة وذهن مشتت ، قلبت صفحة الفهرس، فانهالت علي العناوين كحمم البركان :" عودة السندباد" " أحزان في جبل قاف" لحم بالمجان "" مقتل القمر""زمن الوأد"....
- مستحيل .. ! صرخت بعنف ، وعندما فتحت عيني ، وجدتني محاصرا بالبياض ، أهذي وأتكلم عن الحلم والنكسة وصخور الصمت والوأد والدموع ... عزالدين مرجان - البيضاء 1994