سقوط بغـــــــــــل
مسكين هذاالبغل، هزل حتى برزت عظامه، انسل شعره متداعيا للسقوط، غارت عيناه في راسه كانهما
جحر ابن آوى…. أو مخبأ ًحمير جدا ً.
كان بالجيلالي متعلقا بكيداره معتصما به، هذا الكيدار الذي عرف بالصبر والجلد ، وسط مجموع كيادر المدينة السبعة والسبعين،
لعلمك أيها القارئ/السامع الكريم فقد خضعت أنعام مدينتنا لإحصاءات منتظمة، شملت الحمير أولا –حاشاكم- ثم
بعدها البغال ثم الكيادر وهكذا….
با الجيلالي: باسلامة عليك اولدي
السارد: نسيت تحكي لي ما اجرى نهار الجمعة:
بدا ابا الجيلالي يحكي، ناب عنه الراوي في الحكي قال: -دخل من الباب الامامي، رائحة العطر تفوح منه، تعطر بعطر لا شرقي ولا غربي، أغدق عليه جلبابا شفافا ابيض ناصع اللون
تظهر من تحته فوقية عباءة ابيض من بياض الجلباب، يظهر الكحل في عينيه الضيقتين متجاوزا نظارتيه، قص شارب لحيته، تحزم بحزام بني
رفع عكازه صعد المنبر على عادة الأئمة والتابعين: حمل مكروفون من نوع ياتوزوني ناتاشاوي يياكيكي الياباني، بدا بتحية المصلين، ثم انطلق في خطبته مستهلا بديباجة أثارت انتباه الحاضرين، قال فيها - السلام عليكم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الاكرمين محمد ص، أما بعد أيها المؤمنون موضوع خطبتنا لهذا اليوم المبارك لن يكون تحليلا ولا وعدا ولا وعيدا سيكون أدعية نوجهها إن شاء الله تعالى لمن ائتمن و خان الأمانة في بلدنا الحبيب سترفعون أكفكم للعلي القدير ليستجيب الله دعاءنا في هذا اليوم المبارك، في الدنيا قبل الآخرة لنتشفى فيهم وليقتص الله منهم قصصا قصصا .
أضاف الراوي: برهة دخلت جماعة من الرجال، شداد غلاظ، أعناقهم وأردافهم مكتنزة هؤلاء بادية عليهم علامات الرفاه جلسوا في الصفوف الأمامية.
رشف الامام جرعة ماء من الكأس المنزل على المنبر كإشارة على أن الموضوع ليس ككل المواضيع…
واصل الخطبة قائلا:
ًًاللهم يارب أنت تعلم ضعفنا، ووهن قوتنا تجاه قوتك يارب، اللهم يا رب يا خافي الألطاف نجنا مما نخاف، وابعد عنا بلاء الدنيا وعقوباتها، نجنا من مكارة أهلها وبلائهم ومكرهم، يارب صبرت على عذابك وعذاب خلقك فكيف نصبر على فراقك يارب صبرت على حر ناري فكيف اسكن في النار ورجائي عفوك…اللهم يارب من غشنا ليس منا اللهم يارب ارينا فيهم العذاب في دنياك قبل اخرتك، بح صوته، سكت قليلا، بلل ريقه بجرعة ماء سرت في حلقه ثم واصل
أما بعد أيها المؤمنون فقد قال الرسول العظيم من غشنا فليس منا
وقال أيضا لعنة الله على الراشي والمرتشي والرائش ومن سار بينهما ثم استمر فانتهى الى الاتي: نفعني الله واياكم بالذكر الحكيم، و بما جاء به نبينا الأمين محمد ص عليه وسلم تسليما.
أضاف الراوي:
برهة سمع صوت دوي مفزع من جهة الباب الخلفي للمسجد حيث يجلس جيش من سائلي الصدقات و المساكين واليتامى وأبناء السبيل في زمن العولمة وحقوق الإنسان والاتفاقيات الاقتصادية والسياسية.
استدارت أعناق المتتبعين لخطبة الإمام الذي قال: اللهم يا مخفي الألطاف نجنا مما نخاف
أما الوفد الرسمي فلم يدر وجهه ولم يكترث للموضوع.
استرسل الإمام في الخطبة فقال: - أما الجزء الثاني من خطبتنا أيها المؤمنون
هو دعاء ندعي به على من اكل ولو مليما من مال المسلمين ومال شعبنا :
ارفعوا أيديكم إلى السماء ياعباد الله’
فرفع الناس اكفهم هاجدين متخشعين قال الامام: اللهم اجعل كيدهم في نحرهم 3
اللهم نكد على من اختلس أو سرق أو اخذ ولو مليما من ميزانية الدولة- الناس يرددون آمين
اللهم أرنا عقابك فيهم وفي ذريتهم في الدنيا قبل الآخرة،
اللهم يارب من سرق ريالا واحدا من ميزانية جماعة أو بلدية أو صندوق مالية اسرق منه حسناته و ابعثه مع الأشرار أسفل درك في النار يارب يارب يا ريب
آمين
اللهم من سرق ريالا واحدا من أموال الدولة اسرق منه حسناته، وألم به كل أمراض الدنيا من سرطان آمين من سل آمين من جدري وأوبئة كلاب آمين يارب العالمين اللهم يارب أشعل فيهم وفي ذريتهم نارا في الدنيا قبل الآخرة اللهم ابليهم بعذاب الدنيا وامراضها من سل وسيدا وداء كلي وسرطان وسكر وامراض الكبد أخطرها آمين
اللهم يارب ابلهم بالمصائب شرها وكبيرها نريد يا رب ان نقتص منهم في الدنيا قبل الاخره اللهم شرد ذريتهم، اعادها ثلاث مرات
تململت طرابيش الوفد الرسمي يمينا ويسارا نظر بعضهم الى بعض وكانهم يستنكرون خطبة الامام كل العيون متجهة نحوهم كانت كالسهام تصيبهم في الاعماق فجأة تصاعد صوت من جهة الباب الخلفي تبعته اصوات النساء المصليات عويل وصراخ، ما هذا الرعب الذي استحوذ على الباب الناس استداروا الى الوراء
لم يستعذب الامام امر هذا الصوت لكنه رفع صوته اكثر لاثارة انتباه الناس فقال: اللهم يا خافي الألطاف نجنا مما نخاف اللهم يا خافي الالطاف نجنا مما نخاف
ياربنا يامن عليك معولنا يا من ايك شكونا احوالنا يارب يارب من اراد بالبلد سوءا فرده اليه، ومن كاده فكده، ومن عاداه فعاده ياربنا وابعده منزلة منك ياربنا ياربنا ياربنا.
يارب قلل عثرتي واغفر زلتي
اتوسل بربوبيتك ما سلف من حلمك ورافتك.
يارب
اللهم اللهم اشوهم في نار من نيران الدنيا كما تشوى الخرفان والاكباش التي يتناولون في كل الوجبات
والتي يحرم منها بقية خلقك الجياع الفقراء اللهم ارنا فيهم باسك وعظمة عقابك الدنيوي، اللهم دنس مقامهم بين شعوب الارض مشارقها ومغاربها. اللهم من سرق درهما واحدا فاسرق منه سمعه بما لا تنفع معه الات الاستماع . اللهم من سرق ريالا من صندوق جماعة او بلدية فاسرق منه بصره وابصاره وبصيرته وخساه فيه.
رن هاتف محمول، طادالب الامام من الحاضرين اطفاء الهواتف المحمولة، بعيد ذلك انقطع التيار الكهربائي.
اصر الامام علىمواصلة الخطبة دون مكبر فكانت النهاية اشد تشهيرا وشتيمة في حق الخونة الذين يسرقون من ميزانيات البلديات والجماعات والجهات …….
تكرر الصوت الاتي من الخارج لكن الحاضرين لم يكترثوا به هاته المرة
كانت الادعية صرصرا وكان اللصوص والخونة في البلاد قرقرا كانت الخطبة تذاع مباشرة على شاشة الاذاعة والتيلفزيون، انتهت الخطبة تلتها الصلاة ثم هرع الناس الى الخارج ليستكشفو ما وقع، ليتعرفوا على الصوت خارج المسجد نزل الامام من اعلى المنبر فوجئ بشخصين من البوليس السري ملتفان حوله، طلبا منه مصاحبتهما دون اثارة أي مشكل وعرفاه بنفسيهما ثم قاداه الى مخفر الشرطة من اجل التحقيق.
تم التحقيق مع عدد من الحاضرين الذين رفعوا الاكف.
تمت محاكمتهم لانهم رددوا امين لانهم شاركو في الجريمة بل اكدوها وشهدو عليها، اما المقدمون والشيوخ والمخبرون فقد اكدوا في التحقيق انهم كانوا يقولون امين منمن الحنجرة فما فوق لانهم ايضا معنيون بالدعاء لان اغلبهم مرتشون، كما اضافوا انهم كانو يريدون ايقاع عدد من الحاضرين.
تم توقيف المسؤول عن القسم الصحافي لكونه لم يوقف البث الارضي التلفزي حين تاكد من ان الخطبة تمس اهل السلطة وكل المسؤولين المرتشين.
السارد:
ماكلتي لياش ابا الجيلالي على الصوت اللي جا من خارج المسجد ديال اش
با الجيلالي: هاديك اولدي فاركونيت ديال البوليس كان الموتر ديالها خاسر واشحال او هو خاسر وكايدير داك الصوت، حتي ليصانص ديالها كيطلبو من المواطنين ايديروه ليها بحال لابيلانص ديال الصبيطار.
لم يندهش السارد لما سمع بل اعتبره امرا طبيعيا في عوالم السيطرة والبحث عن السلطة.
لكن المثير في كل هذا هو لماذا تذكر با الجيلالي ما حدث يوم الجمعة، وهو يحكي مرض بغله كيداره.
لك ايها المستمع الكريم ان تتساءل بدورك عن خيوط هذا النسيج لربا تصل الى ما ينفعك وينفع البلاد والعباد.
في صباح يوم الجمعة الثاني جاء ابن با الجيلالي الاصغر وهو تاسع ابنائه، جاء بنبأ سقوط البغل عفوا الكيدار،
لم يتقبل با الجيلالي الخبر، اهتزت اركانه، ارتفع وجيب قلبه، سالت دموعه ويا ليتها تنفع في شيء.
محمد البلبال بوغنيم