- علي مفتاح كتب:
اننا اليوم امام قصيدة تأملية ،مركبة و عميقة ،و لعل عمقها التأملي يؤكده الفعل الأول الذي ارتأت الأنا الشاعرة ان تستهل به القصيدة " نفكر " ،فالانا في علاقتها بفعل التفكير حاضرة بقوة ،و ربما ان هذا الحضور القوي املته طبيعة النهج التأملي الذي بنيت القصيدة على أساسه ،فالأنا المفكرة و المتأملة ستنسلخ من أناها ،بغية التفكير في طبيعتها ...في سلوكها في نظرتها لأناها و هي داخل أناها و خارجها ،فالخروج من الانا ،او خروج النفس من النفس ،و كأنها بذلك تتفرج على نفسها في لحظاتها المختلفة ،و لعل البيت الاول هو رسم توضيحي لظروف هذا التفكير في علاقته بالنفس المفكرة " نفكر ـ يمكن تفكر ـ في " ، و التفكير هنا مرتبط بلحظة زمنية بعينها "منين الليل يروح " ،و جاءت الانا و هي منسلخة عن اناها ،كي تقرأ ملامحها ،او لنقل ان اناها الخارجة جاءت " و جيت ـ انا انت ـ بنت ليك " كي تقرأ و تستقرئ ملامح و سلوك هذه النفس الداخلية ،فالقراءة الاولى هي قراءة ضبابية غير واضحة المعالم "بنت لك ـ ف مراية لغمام " في صورة "تبروري طايح ـ على وجه الخد " ،و نظرا الظروف القاتمة المحيطة بعملية الوصول الى هذه النفس ، فان الانا الشاعرة و هي منسلخة عن اناها ،ستحاول و هي في طريقها الى نفسها ان تضيء المكان ، حتى تنجلي الغيمة و تظهر هذه النفس في صورها و مواقفها المتعددة " شعلت طريقي ليك ـ قرطاس الشمع " كما ان انفعالها الداخلي ،سيحولها الى شتاء تصب "صبيت شتا " الشيء الذي سيؤدي الى غرقها في الكأس "غرقت ف الكاس " ،و هنا يتضح جليا ان هذه الانا الخارجة من نفسها او المنسلخة عنها ،لن تكتفي بعملية الخروج فقط ،بل ستذهب بعيدة عنها من اجل الاقتراب اليها اكثر ،و لعل الهروب البعيد عن هذه النفس ،معبر عنه اولا ب "غرقت ف الكاس " و الذي يعني ضمنيا الهروب الى النسيان ،نسيان هذه النفس في لحظاتها الانفعالية ، و التي تخلق ذلك الصراع الداخلي بين ما يمكن ان نسميه برقيب النفس ،و هيامها .فالهروب هنا هو من اجل الاقتراب اكثر من هذه النفس "بيت نقرب حداي" ،لكن هذه النفس سيجرفها واد احزانها ،و التي بتعددها ستتفرق الى شعاب متعددة "تفرق حزني شعاب " .و هنا نجد انفسنا امام صورة شعرية في غاية الجمال و العمق التركيبي " درت راسي ضاية ملح ـ مسوسة جاتني ـ حياتي بلا بي " فرغم تحول هذه النفس الى " ضاية " من الملح ، فان هذه النفس في تذوقها لطعم الحياة التي تحياها ،اكتشفت انها بلا طعم او ذوق دون تلك النفس التي تثوق الانا لمعانقتها .انها نفس تائهة ،هائمة على نفسها وسط الدروب التي قد توصلها اليها ،الى حد "تهرس الجهد ـ وليت له عكاز "،فهذه الانا و ما تكبدته من معاناة في البحث عن نفسها ،ستخور قواها "تهرس الجهد " كي تصبح هي نفسها أي النفس "عكاز " سندا لذاتها ،كي تواصل المسير نحو معانقة نفسها .ستصيح بكل قواها "عيطت علي " لكن "ما شفتني منين " ستعبر الحي و الدروب ،علها تهتدي لمسكنها ،تقرع الباب ،و لا مجيب ،انه باب النفس التائهة و الباحثة على نفسها ،لكن نفسها المنفعلة الباحثة عن نفسها الساكنة "المتوازنة " ستبقي تعيش الاقصاء " ما حليت علي " ،سيعمر انتظارها طويلا " تسنيتني شوية " لكن " ما بنت لي " ،انظروا معي الى عمق هذه الصور في تركيباتها المتشعبة و المتداخلة فيما بينها .و مع طول الانتظار ،و خيبة الامل من عدم وصول النفس الى نفسها "غلبني النعاس " ،و النتيجة الحتمية لحالة التيه هذه ، ستؤدي بهذه النفس المنكسرة و هي تبحث عن نفسها الى ان "توسدت عتبة القلب " ، و استعمالها لكلمة "عتبة" مربوطة "بالقلب" توحي بان كل الانكسارات النفسية هي مرتبطة اساسا بالقلب كعضو سلبي ،بامكانه ان يرمي بصاحبه |نفسه في حالة هي اشبه بضياع داخلي للنفس .
لكن الخاتمة ،او الخلاص النهائي من كابوس هذه النفس و هي منقسمة اولا و باحثة عن نفسها ،ستستيقظ صباحا " الصباح فقت " لتجد نفسها "مغطية بي " .و هي نهاية ذكية ،حيث عرفت هذه الانا الشاعرة كيف تسافر بنا عبر القصيدة|الحلم ،برؤية ذكية ،يتذاخل فيها الحلم بالواقع ،أي النفس الحالمة ،و المقسمة على نفسها حسب المعطى التصوري للحلم نفسه ،و الواقعي هو الكابح لجماح هذه النفس الحالمة .
الزجال المتألق سي ابو الفوارس
قصيدة ممتعة حد التعب ،و متعبة حد المتعة ،شكرا للمتعة ،و اما التعب فانه الطريق الوحيد المؤدي للمتعة ،متعة القراءة و متعة الحلم برفقة انزياحاتك الاسرة
اخي ابو الفوارس ،اتمنى و التمني رجاء المستضعفين ،ان تقبل قراءتي المتواضعة .
مودتي اخي ابو الفوارس .
أستاذي البهي حد الروعة علي مفتاح:
قبل المرور إلى شكري و إمتناني الكبيرين لك على هذا التحليل الأدبي الفلسفي لقصيدة...الذات المجلية...
أود أن أقول:
إنك فعلا....سيرجي بوبكا الزجل....كما وصفك أستاذي الآخر حميدة بلبالي.
تقفز بزانة العبارة فوق حاجز المجاز بخفة ذاك الفتى الطائر.
فأن تخصص وقتا ثمينا من وقتك لهذه القصيدة الزجلية يدل على أنك قاريء نهم و ذكي و متذوقا من الصنف...اللوكس...وناقد بارع ينحث بإزميل يراع التفكير و التفكر لزجالين و القراء الكرام تحف نقدية غاية في الجمال تفوق النص المنقود و هذا راجع إلى قدرتك الذهنية و الثقافية الثاقبة التي...(تا تفلي بها) كل كلمة و جملة في القصيدة التي تكون أنت أستاذي الفاضل بصدد إشتغالك عليها.
......................................................................................................................................
قد يكون ردي هذا نابع من تأثري بمغناطيسية مرورك الرائع و الجذاب بمضارب قصيدتي و الحفاوة التي حفلت بها من طرف شخصكم الكريم.
لكن!..ثق أستاذي علي مفتاح أن هذا الرد جاء من عمق وجداني عقلي لا مراء فيه و لا تملق.
....
أعود قائلا إن قراءتك النقدية التي واكبة القصيدة من ألفها إلى ياءها كنت بحاجة ماسة لها و كنت في بحث دائم عنها منذ أنتهاجي لهذا الأسلوب من الكتابة الزجلية الحديثة.
كي أدرك هل أنا أيضا و غيري من الشعراء المغمورين بمقدورهم خلق فجوة أخرى في حائط...الكتبة...من أجل التسلل إلى داخل أقسام مدرسة جديدة تساير التطور الفكري و الإنساني لا أن تبقى كتابة تحاكي أسلوبا قديما تم إستهلاكه.
......................................................................................................................................
خين قراءتي لهذه الإيقونة النقدية لي...الذات المجلية...الباحثة عن أناها العليا في سفرها إلى أناها السفلى و العكس بالعكس....(العقل القلب و القلب العقل).
جعلتني أقف مشدوها أمام مرآة الذات و أمام قامة نقدية من الطراز الرفيع
حيث أنك أستاذي الكريم عرفت من أين....تأكل كتف القصيدة....لدرجة أني أعدت قراءتك أكثر من مرة و عند كل مرة أكتشف أنك...
عصرتي عصير
كلمات عقل
دخلاني
....
جلاوني أنا
ف خلا لبياض.
.....................................................................................................................................
وها أنت(تتشوف بلي راني تندخل و نخرج ف الهضرة حيت وليت مقيوس) بسحر إنطباعك النقدي البناء و الرصين و المتمعن في خفايا البوح المكتوب.
........................................................................................................................................
إذا كان يقال...أن الشعر لا الفلسفة هو الإبن الحقيقي للأندهاش.....ها أنت ثتبت بتشريحك لذات مكتوية بحروف غموض التجلي.
أن الزجل أيضا صار يقاسم الشعر و الفلسفة صراعهما الثنائي على إنتماءهما الإبني للإندهاش.
.......................................................................................................................................
أخيرا تقول لي أخي( و ليس بأخير إن شاء المولى تعالى) بأنك تتمنى و التمني رجاء المستضعفين أن أقبل قراءتك المتواضعة لقصيدتي.
كيف لا أقبل و أنا أعكس التمني و الرجاء بأن تقبل مني كل الشكر و التقدير على كل حرف سطرته كمساهمة منك في إبراز نقط و أفكار و رؤى لم تكن في حسباني حتى أنا...كاتب النص إبان إنكبابي على كتابته
هنا أطرح السؤال من منا يكتب الآخر؟
........................................................................................................................................
كما أني أعكس مرة أخرى التمني و أتمنى منك و التمنى رجاء المستضعفين كما قلت أن تبقى متابعا لكل خطوة اخطوها في درب الكتابة المتعرج و المتعب حد المتعة و الدهشة.
.......................................................................................................................................
أخي مفتاح هاك مني شكري الكثير على تحملك مشقة حمل صخرة حروفي السيزيفية و الصعود بها إلى جبل المعنى.
أرفع لك القبعة عربون معزة و أخوة و ودي.