الإشراف العام
عدد الرسائل : 873 تاريخ التسجيل : 11/04/2007
| موضوع: ابعثوا بنصوصكم القصصية الإثنين أكتوبر 25, 2010 3:36 pm | |
| | |
|
محمد الطيب
عدد الرسائل : 344 تاريخ التسجيل : 06/01/2011
| موضوع: رد: ابعثوا بنصوصكم القصصية السبت يناير 08, 2011 2:46 am | |
|
[size=29]المشرد
تركني والدي رضيعا مدللا ملفوفا وسط المهد بأردية من حرير .
تزوجت أمي بعد رحيله بشهور .
أعيش اليوم مع زوجها وأربع إخوة منها .
أشعر بنظراته الشزراء
تلتهم راحتي ، وتغتال سعادتي واستقراري .
وأتضايق من التهجم الثاوي بناصية محياه
صباح مساء .
أخطأت يوما في حق الصغيرة من إخوتي ونحن نستعد لتناول وجبة العشاء .
فنهض غاضبا مندفعا ، وأخذ بتلابيبي وطوح بي بعيدا ،
ثم ألقى بي بضاعة مجزاة خارج البيت .
لم تنبس أمي ببنت شفة .
ودعتني بدموع العاجز عن النفع ، الفاقد للقدرة على الاعتراض .
همت على وجهي بدون خطة ولا هدف . حافي القدمين ، تسترني بذلة نوم متهالكة .
أربط الأزقة ببعضها . أتفرس أوجه الناس بالشوارع والمقاهي والدكاكين .
كلهم - لا محالة - أشباه زوج أمي ،
غلاظ ، قساة ، معتدون ...
الساعة تخطو ببطء ...
نحو متم الهزيع الأول .
الليل يبتلع حركة الناس ، ويقطع ضجيج الباعة في الأسواق ،
أقفرت الشوارع والدروب من المارة إلا قليلا .
الحركة تحتضر
وأنس الأمكنة يكاد يندثر .
بقيت وحيدا ، وجها لوجه مع لسعات البرد اللافح والجوع المبرح .
ولما هد التعب أوصالي ،
آويت إلى ركن مهجور لأستريح .
فأخذت فرائصي تصطك وأطرافي ترتجف .
لم أقو على تحمل ما أنا فيه .
غادرت مخبئي ، أسير على غير هدى .
ساقتني خطواتي دون شعور نحو بيتنا .
ومن يدري لعل أحدهم هناك يصاب بلسعة ضمير فيحاول البحث عني .
البيوت محكمة الإغلاق وكل الأجسام الآن تتلبد في أغطيتها خوفا من عض
أنياب البرد الضارية .
إلا المشرد قسرا المطرود من بيت والده
فعليه أن يتحمل.
سمعت أثر ضجيج قادما من آخر الزقاق ،
لمحت نورا خافتا يتسرب من فرن خباز الحي .
ابا رحو - كما يطلق عليه سكان الحي - صاحب الفرن ،
يصب الماء على النار
ويستعد للالتحاق ببيته .
اقتربت واستغفلته ، وتسللت إلى أعماق الفرن .
اتخذت من رماده الدافئ غطاء
ومن بقايا الخشب المحترق متكأ .
أخذتني غفوة عذبة
وكاني أرقد بأبهى الأسرة وألتف بأفخر الأغطية .
بعد مدة ،
وصل إلى سمعي أزيز المفتاح الحديدي الضخم ثم قعقعة الباب الخارجي .
ابا رحو ... وصل .
لعل موعد الفجر قد اقترب .
فمن عادته إعداد الفرن باكرا ، لتلبية حاجات وطلبات
الحي من الخبز.
أخذ يزود فرنه بالخشب ، ويتمتم ويردد كلمات لا أفهمها .
تساءلت عن كيفية الفرار دون أن يشعر ؟
وإن رآني ، فما الذي أبرر به تواجدي هنا ؟
وهل سيصدق أني قضيت الليل أتقلب على جمر تنوره ،
وأستحم بلهيب دموعي ؟
أراقب حركاته من مدخنة التنور .
رأيته يراكم المزيد من الخشب والورق .
ثم تناول قنينة بنزين ليصبه على الخشب قبل إضرام النار .
لم يبق لي متسع للتفكير ولا للانتظار .
وأنى لغصني الأخضر الممتد وسط الحطب المعد للاشتعال
ألا تلتهم النار عوده وتجفف دماءه ؟
اندفعت بقوة ، بدون تريث ، عبر فوهة المدخنة ،
وقعت أمام العجوز كالصخرة المنحدرة من عل .
انتفض الرجل مذهولا .
لم يصدق ما رأى .
شبح صبي مكسو بالسواد والرماد .
أيقن أنه من جنس العفاريت
التي تزخر الروايات الشعبية بعجائبها ومغامراتها وقصصها .
أبكمته الصدمة .
ولما مثلت أمامه واقفا ،
أخذ يحاول ترديد آيات وأدعية بصوت مضطرب .
قل ... قل ... قل ...
ولم يتمكن من إتمامها ، فساعدته بقراءة إحدى المعوذتين .
فصاح ...وهو يرتجف
أتقرأ القرآن أيضا ؟
ألست من الذين يحترقون بالقراءة والتعوذ ؟
إن كنت مؤمنا ،
فعهد الله بيني وبينك .
اخرج من هنا
أعوذ بالله منك
أستحلفك بالعزيز لديك
ألا تؤذيني ولا تمسسني .
إني أب أطفال صغار ...
إني ...
تركته يتوسل ويستنجد ،
وتناولت رداءه المثبت على الجدار لأستر به جسدي .
وانصرفت مهرولا...
أعدو عبر طرق شاقة وطويلة للبحث عن مأوى جديد .
نوارسي تحكي بنشيجها الشجي مأساتي
مع من حل محل أبي ،
اغتصب القلوب والنفوس قبل الأموال والذخائر.
لايستطيع المستضعفون تغيير عادات الأمواج الهائجة.
على جنبات أحد المسالك ، سمعت صوتا من أعماق فؤادي يتكسر صداه
هونا على شط لساني ،
فأخذت أقول :
أن يرمى بطفل بريئ ليلا خارج بيته الذي تركه به والده ،
ويضطر للانخراط في مسالك
خطيرة
مجهولة
متشعبة ،
فذلك يعني أن الإنسانية تنكرت في لبوس الخداع ،
والأخلاق قفلت عائدة إلى برزخها بلا وداع ،
والأرض فقدت توازنها وانقلبت دورة الزمان ،
فأشرقت الشمس من مغربها .
........
هيهات ... هيهات ...
فكيف يطمعون أن يكون الغصن سامقا مستقيما ،
وقد كسرو عوده في فتوته ؟
وكيف ينتظرون أن تكون الخميلة مورقة مخضرة ،
وقد حطموا ساقها في ريعانه ؟
وكيف يتوقعون أن تكون الشجرة طيبة مثمرة ،
وقد اقتلعوا جذورها قبل اكتمال نموها ،
وبتروا شرايين تزويدها بالحنان وفضائل القيم ؟
تلك ...
أحلام تبث الشجون وترسلها نحو الشمال ،
ومواجع تتلقفها وتردها كسيرة نحو الجنوب
وحيتان الغدر بينهما تغدو خماصا وتروح بطانا من لحم البشر .
...
كل الصقور تغط في أعشاشها ،
والصغار تحتمي بأحضان أمهاتها .
فيانوارس اشهدي ،
ويادموعي كفكفي
وياخمائل دوني :
إن الأم تخلت عن فلذتها وهي تجهش ببكاء عميق . [/size] | |
|