هيثم الريماوي شاعر مميز
عدد الرسائل : 20 تاريخ التسجيل : 30/10/2010
| موضوع: القصيدة التناغمية..(نظرة تأسيسية )..هيثم الريماوي السبت أكتوبر 30, 2010 9:24 pm | |
| القصيدة التناغمية..(نظرة تأسيسية )
يرى فيرديناند دي سوسير أن الكلمة بالمعنى الواسع لها "هي رمز لفظي يستغرق فترة زمنية ما و ذو أثر نفسي على المتلقي , يعبر عن مدلول ما مادي أو معنوي والعلاقة بين الدّال والمدلول هي خطّية اعتباطية ,كقولنا مثلاً المربع = ⊿ والكلام بوصفه نظاماً يعطي معناه ضمن العلاقات الإختلافية بين الكلمات (الرموز)و ضمن علاقة مركبة يختلف وقعها النفسي على المتلقي باختلاف هذه العلاقة مثلاً يختلف قولنا (سقط الإنسان إذاكذب ) عن قولنا (إذا سقط الإنسان كذب) وهذا قريب جداً مما قاله أدونيس و الذي هوالمحور المركزي-في رأيي- للموضوع ((المعنى هو فعالية العلاقات التي ينتجهاالكلام.يكون المعنى غنيا بقدر ما تكون هذه العلاقات غنية. وفي هذا الحيز ، يمكن القول إن " الشكل " هو المعنى .النقد ، في بعض وجوهه ، هو الكشف عن هذه الفعالية))...مع النظر أيضا إلى ما قاله عبد القاهر الجرجاني –كما لفت نظريأحدهم- : ((يُعلم أنه لا يستعار اللفظ مجرداً عن المعنى ولكن يستعار المعنى ثم اللفظ يكون تابعا للمعنى)) يمكن لنا القول ما يلي: بافتراض غض النظر عن المشاريع الثقافية واهتمامات كل من تقدم ذكره ,و بافتراض أن ما تقدم كان صحيحا- يمكننا استنتاج ما يلي :
*أن التأثير النفسي الواقع على المتلقي بسبب العلاقات المركبة للكلام واستغراقها الزمني في القول هو الذي يحدد ابتداءً ما هو شعر مما هو ليس منه , وهذا ما يدفع المتلقي للقول بأن ألفية أبن مالك (الفذّة ) ليست من الشعر في شيء وإن جاءت على بحر الرجز, وعليه يكون تطور القصيدة من الشكل العمودي و حتى قصيدة نثر هو محاولة لاستحداث المعاني من خلال علاقات مركبة جديدة للكلام وبالتالي تطوير التأئر النفسي عند المتلقي . أي أن جدلية (الشكل / المعنى ) هي الباعث لهذا التطور. 1- إن البيئة البسيطة التي عاشها العربي القديم لا من حيث التطورالفكري وإنما من حيث تعقيدات الحياة اليومية واعتزازه بفصاحة اللغة حدّ القداسة بوصفها لغة القرآن الكريم ولأسباب حياتية أخرى كثيرة أوردها أدونيس في دراسته (الثابت والمتحول) جعلت الخطاب الشعري يستند أساسا على المعجم اللفظي الهائل للغة العربية في علاقاتها الخطية المباشرة من الدال إلى المدلول و ضمن سياق ذو نظام تركيبي ثابت تقريبا وصفه الخليل ببحور الشعر , فاعتبار القصيدة قوية أوضعيفة كان مرهونا بمدى حسن اختيار ألفاظها ومدى انسجامه مع الوزن والقافية وجاءت هنالك مصطلحات نقدية تتلاءم مع ذلك ( الزحاف ,العلة, التصريع و, الوصل ,الخروج...الخ). وبالرغم من وجود تجارب فذّة للكتابة بشكل مغاير إلا أن الأركان الأساسية لتمييز الخطاب الشعري عن غيره كانت أقوى من أن تكسر حيث كانت هذه الأركان مرتبطة بشكل كبير جدا بالبيئة النفسية والحياتية للعربي في ذلك الوقت , من أهم هذه التجارب هي كتابات المتصوفة كالطواسين للحلاج , الإمتاع والمؤانسة لأبي حيان التوحيدي , حكمة الإشراق للشيخ المقتول السهروردي ,-على سبيل المثال لاالحصر- وغيرها الكثير. 2- ومع تعقد الحياة اليومية والبيئة الحياتية بشكل عام كان لابد من تطور الخطاب الشعري لمواكبة هذا التعقيد والبحث عن فسحة في المستوى المُركّب للكلام لتعبير متطور في الخطاب الشعري يواكب تعقد البيئة اليومية , فجاءت قصيدة التفعيلة بمثابة الحجر الذي تم رميه في المياه الراكدة فتحركت بعده كلالأشياء. وكانت قصيدة النثر هي الاستطراد الطبيعي لهذا التطور من حيث تفعيل العلاقةالكلامية على المستوى المركب حتى أقصى حدودها ,و كانت المحاولات الجادة لتطوير هذهالعلاقات في الخطاب الشعري هي الأساس لظهور قصيدة النثر , وما القول عن التأثّربأعمال بودلير , رامبو وغيرهم إلا هو –في رأيي- تحقيق لمقولة أن التالي(( يبدأ من آخر سطح وطئته الأقدام )) . وإنما البذور الحقيقية لظهور قصيدة النثر كانت في التطور الطبيعي للخطاب الشعر العربي وليست خارجة عنه . 3- إن من حق المنظرين لقصيدة النثر كجنس أدبي متفرد إعطاء صفات وشروط محددة تميز قصيدة النثر مما ليسمنها كوحدة الموضوع , وضرورة التكثيف وغيره ,ولكن أليس في محاولة إطلاق التحرر نحو المعنى حتى أقصاه ضمن الشروط الواجب توافرها في قصيدة النثر هو تقييد للخطابالشعري بشكل أو آخر ؟ فيكون صحيح تماماً عندما نقول أن قصيدة النثر بتفردها لاتقبل الموسيقى الخارجية العالية أو الالتزام بالقافية و لكنه من جهة أخرى سيلزم الشاعر بتغيير وتبديل الخطاب الشعري إذا أحسّ أنّ قصيدته النثرية فيها شيء من الموسيقى الخارجية أو نوع من الالتزام بقافية , تماما كما يلزم كاتب القصيدة العامودية أن يغير أو يبدل الخطاب الشعري إذا أحسّ بكسر في الوزن أو عدم ملائمة القافية.مع الاحترام الكبير للنظرة التشريحية للخطاب الشعري والتي تستند أساساً على ضرورة تقسيمه و إفراد أدوات صناعة كل قسم,مع القول بتوازي هذه الأدوات دونتقاطعها.
إن تطور الخطاب الشعري كان طبيعيا من تتابع الشكل للتوافق مع المعنى , من الخارج الممثل( بالوزن/الموسيقى الخارجية / القافية/ المفردات الواضحة وعلاقاتها الخطية الطافية على السطح…..) إلى الداخل الممثل (بالموسيقى الداخلية / الترميز / الكثافة / الكلام بعلاقاته الغائرة المركبة التي تفضي إلى سعة المعنى …..) وحتى تكتمل دورة تطور الخطاب الشعري –على المستوى النظري على الأقل- يجب أن تكتمل جديلة (الشكل / المعنى ) حتى آخرها فنصل ارتقاءً إلى الخطاب الشعري المكتمل الصفات الملتزم فقط بانسجام ثنائية ( المبنى/المعنى) , ويكون بذلك تصنيف العمودي , التفعيلة, المنثور,النثر ….هو مجرد ضرورة مرحلية ليس إلا فالأصل أن الخطاب الشعري هو واحد ويحتمل كل ما تقدم .
و طالما أن الأثر النفسي الواقع على المتلقي يخبره أن ما قرأه أو سمعه شعرا, فيكون ما قيل أو كتب هو مُندرج تحت الخطاب الشعري , ويكون ملتزم بكل ما تقدم في إطار الانسجام , وتكون ذات القصيدة راقصة ساخرة حيناً , هادئة كثيفة حيناً , صارخة غاضبة حيناً , موزونة حيناً منثورةً حيناً …وكل ذلك مرهون بضرورة انسجام القول مع المُراد منه , لا مع شروط مسبقة واجبة الإتباع هنا و واجبةالتخلي عنها هناك . إن الخطاب الشعري : هو انسجام الشكل والمعنى حدّ التماثل.....
إن هذه النظرة بالذات ما جعلتني أحمل قصائدي على ظهري حين تم مصادرتها من أقسام العمودي ,التفعيلة , والنثر بدعوى عدم اتفاقها مع أي من هذه الأقسام , في العديد من المنتديات ,مما دعاني بإلحاح للتفكير بهكذا مشروع , والذي تم النقاش حوله بشكل مطول مع الأخ الشاعر زياد هديب وإنتاج عدّة نصوص نعتقد أنها واعية وتخدم الموضوع وتم مناقشة المشروع أيضا مطولا مع الأخ الشاعر الكبير محمود النجار, والذي أوضح توافق النظرة عند الجميع ,وقام الأخ الشاعر محمود النجار مشكوراً كثيراً , بتبني المشروع وإفراد قسم خاص به ضمن تجمع شعراء بلا حدود , ضمن جهود كبيرة أخرى لإثراء الموضوع. فكانت ولادة القصيدة التناغمية ضمن أصوات ودراسات أخرى تتحدث عن ذات الموضوع وتنظّر له .
الفكرة بشكل مبدئي تستند على أن الأشكال الإبداعية يمكن أن تتوازى وتتقاطع ولا يمكن لها أن تلغي بعضها بعضاً إن كانت إبداعات حقاً , فهذا الطرح أساساً يقوم على فكرة انسجام الصورة الشعرية مع شكلها الموضوعة فيه , وبهذا تكون ذات القصيدة تحتمل أي شكل طالما ابتعدت عن التنشيز بين الصورة والقالب الذي وضعت به , وبين أشكال الصور المتلاحقة في ذات القصيدة , لا يعني ذلك تعاقب الموزن والنثور ضمن شكل محدد مسبقاً , وإنما أسناد بنية القصيدة إلى الإيقاع كنواة أساسية تحكم الشكل , فإذا كان الأيقاع متولياً متتابعاً متكرراً , كان الشكل أقرب إلى الموزون ومتوافق معه , وإذا كان غير ذلك كان أقرب إلى المنثور ومتوافق معه , أن هذه النظرة ستؤدي بالضرورة ألى تركيبية المعنى من حيث عمقه وانفتاحه على التأويل أو بساطتها وبقائها طافية على السطح..إن الفرق بين الدخول إلى حضرة الشعر من باب التناغمية أو من الأبواب الأخرى كالفرق بين النحت والبناء, كلما كان النحّات مبدعاً فاهماً أصول النحت يرتقي ويتمايز نتاجه , والبناء مهما اختلفت صيغه الإبداعية يبقى محددا بصيغه العلمية وما الصيغ الإبداعية إلا لمسات طفيفة الظهور ,,فأدعي هنا و أنا مطمئن أن عبقرية المتنبي مثلا كانت سوف تتجلى بشكل أكبر بكثير لو كان له أن يتخطى الحد الزماني ويتخلص من قيود الموزون
بهذا تكون التناغمية على المستوى الدلالي والقرائني تمثل و تدّعي- من حيث الإمكان- توافق بعض أو كل أشكال الشعر ضمن الجملة الشعرية الواحدة والجمل الشعرية ضمن القصيدة الواحدة باعتبار أن كل أشكال الشعر تتفق في أنّها موقعة , وبافتراض أن التوقيع هو أحد أهم العناصر الدّالة على الشعر , سيكون شعراً-ابتداءً- كل نص موقع مع الأخذ بعين الاعتبار العلاقة الكلامية المركبة من حيث المعنى ,وما الموزون الخليلي وغيره , والتفعيلي ,والشعر النثري, سوى حالات إيقاعية أحادية خاصة للشعر, تتأتى بأحاديتها –بحسب ما أدعي- عبر الاستدعاء الواعي غالباً , و من الطبيعي أن العقل التأويلي الراصد والنقاد أن يكون أحادي النظرة عندالنظر لهذه الحالات الخاصة والتعبير عنها وذلك ليس بالضرورة إنقاصاً من قيمة تلك الحالات الشعرية ذات القامات العالية أو إنقاصاً للنقد المبني عليها وإنما الاتجاه الواحد المبني على الشكل المحدد مسبقا والتركيب المعنوي المتوافق معه سيبرز بالضرورة المنطقية إشكالية ,أن لا تتعايش التناغمية بخصوصيتها التركيبية مع هذه النظرة الراصدة والناقدة الأحادية .
أعتقد أن المشروع التناغمي هو ثورة للشعر على المستوى المفهومي والتأصيلي للوصول إلى ما يمكن أن نسميه دراما الإيقاع وبالتالي تحرير المعنى من القيد الأحادي, والذي يمكن له أنيتأتى (أي دراما الأيقاع) من الاستدعاءات الواعية و/أو التوافقات المتأتية من ذات النص شرط الإبداع الناضج ,وهذا يستدعي بالضرورة ثورة بالتوازي على المستوى التأويلي والنقدي , فأنا أعترف هنا أن المشروع التناغمي يُخرج إلى السطح إشكالية للجدل كبيرة ومهمة وهي تركيبية النص الشعري والذي يحتاج إلى تأويل, رصد , ونقد على المستوى التركيبي وعلى المستوى البنائي , ما يمكن أن نسميه ما بعد التفكيكية /التشريحية والتي يجب أن يُنظّّر على مستويين ,على المستوى البنيوي للإيقاع الخاص وعلى المستوى التركيبي للإيقاعات الخاصة من جهة ومدى توافقاتها وتناغماتها من جهةٍ أخرى .
إن رقصة الانتقال من إيقاع إلى آخر دون التنشيز تشبه إلى حدٍ بعيد ظاهرة الرنين وهي إمكانية انتقال الموجات من جسم إلى آخر عند توافقات معينة بين هذين الجسمين , وتنسجم أكثر مع دراما الطبيعة –مثلا- خرير الماء ينسجم مع حفيف الأشجار وزقزقة العصافير.
أعتقد أن طريقة انتقال شعور ما للمتلقي عند سماع السيمفوني 40 لموزرت –مثلاً-, هو ذاته يحققه إلقاء قصيدة تناغمية ناضجة بطريقة فاهمة ,حتى عند سماعها من قِبل غير الناطقين بذات اللغة , فلا أدعي ولا أُنظّر لكمالية ما في النص التناغمي مشروطة بضرورة وجود كلالأشكال الشعرية , ووجود ترتيبات محددة وبالتالي منطقيا سيكون هنالك نقص ما عند غياب أحد هذه الشروط ,, وإنما أدعي أن القصيدة التناغمية هي موسيقى الكلام ناهيك عن تحرر المعنى ..ينقصها نشاز ثنائية الشكل/المعنى و/أو نشاز التركيبةالإيقاعية.
أعتقد أن مشروع النص التناغمي يطرح بامتياز جدلية ثنائية الكلاسيكي / الحديث في بناء النص الشعري من حيث انه لا يدعي الثورة على الأشكال الشعرية القائمة , وإنما يدعي الثورة على الحدود بين هذه الأشكال ضمن محاولة أبداعية لتطريز بنى شعرية مركبة.
لابدّ لي في هذا المقام تقديم الشكر الكبير للأخ الشاعر زياد هديب الذي كان له دور تأسيسي في هذا الموضوع , والأخ الشاعر محمدو النجار لجهده الكبير في تبني الموضوع و إفراد قسم خاص به في تجمع شعراء بلا حدود ...وأيضا الشكر موصول للأخوة أكاديمية القصيدة لإتاحة هذه الفرصة لي للتحدث هنا ...
ثلال نصوص مثال على القصيدة التناغمية 1
بياض
حين يزهر النشيدُ في خضم البعيد ندرك أن للخيل احتقان الدماملِ في عيونٍ الدمع العزيز كالسّكر تقطّر من قصبٍ لعريشِ الزاويةِ الأقصى في غربة من رحلوا أو عادوا للأرضِ المثقلةِ بهمّ الخضرة وعلى الأرضِ المثقلةِ بضجّةِ أقدامٍ, ترقصُ في الملهاة الكبرى ترثي الحياة بالحياة ننتعل الصمت في درب الرجوعِ, والوقار بما يليق بأسطورة البداية و جبّة (الحلاجِ) أو نشوةٍ ربما لنقوش العمارة , بأندلس القديمة ودمعةٍ تخذلنا في اللحظةِ الأخيرة.
على عصا (سليمانَ), بنملها الأبيض يدقًّ عكّازُ الزمان,خطوةً خطوة يسوقنا أطفالاً , بدقاته الرتيبة , هجرةً هجرة ووحدي –كما الأطفالُ- حافياً على وقعِ عكّازٍ متكأً , أسير متبصراً بما يكفي ليخذلني النهارُ والسحابُ والفلاسفة ,الأشقّاء ,التكنولوجيا الحديثة , وامرؤ القيس المؤتلف, أبيضٌ أنا على صفحة القصيدة يخبئني التواضع الخجولُ ولا تسعفني شجاعة الفراشة, كي أموتَ على السراجِ كي أدعي النشازَ أو زندقة (العطار) عن (منط الطير) وأسرابِ الحمامِ ووحدي –كما الأطفالُ- حافياً أنأى وأدنو أغوصُ في العميقِ و أعلو لأخبر الريحَ عن تفاصيلِ وجهي وأحطم مرآتي الأخيرة , في صورة الأشياءِ, ركام طيني يجفّ الآن وأسلخ عنه روحي بشوكة الصبّار ربما أغفو على قطنِ أحلامٍ صغيرة ربما أقفزُ كيفما أشاء عن الصحراء و جداريات( رامبو) وأقولَُ (لدرويش): لقد مات الحصانُ ((في العيون العسلية )) ومن كثرة البكاءِ فلا تقترب أكثر ((من دمائنا الأولى )) أو من خيط عكازي ولا تدّعي معي أكثر سطوةَ النغم: ((من أنا لأخيب ظنّ العدم)) من أنا لأقول : نعم تعجبني القصيدة وأنا البياض فيها وفي الليلِ حين يغشاني والبياضُ كمالُ الألوانِ وسيدها الوحيد أضجُّ فيَّ كي أراني ممدداً هناك ,ببلاغةِ الصمت في الإطارِ والصمتُ كمالُ الخطوطِ في لوحةِ المكانِ وسيدها والوحيد ووحدي أنا –كما الأطفالُ- حافياً, أراني أتقدمُ إلى الوراءِ فأتقن الغناءَ على نغمِ الأمامِ والأمامُ عكّاز خطوْي وسيدي الوحيدُ على خيط البياض
هيثم الريماوي
2
شرفتان
حطام هذا الكون , ركامٌ من الفوضى.... وشرفتانْ شرفتانْ تنسجان الثوب أبيض , كحيرة الثلج كيف غطّى وجه نيسانْ! كفوضى النهرْ , حين تنساه الضفتانْ شرفتانْ تنسلّان لعري المكان , وتكسرانْ كل الدوائرَ فيندلق الزمانْ شرفتانْ كوداعة الطبيعةِ عن جانبيَّ , ((بينهما برزخٌ لا بيغيان)) كفوضى الحقيقة من يديَّ , و جنون الخيالاتِ (( مدهامّتان)) شرفتانْ نرجسٌ يداعب توترَ الماء كي يعرجَ إلى السياجِ أو سورِ الحديقة وريقتانِ تصحوان, وريقتانِ تغفوان تعزفان لحن قيثارةٍ,, على خريرِ الماء حين يضحك الماء ترقصان وحين يبكي ترقصان سيّان....على حواف الماءِ طحالبٌ أو ورود غبارُ العطرِ على الماء , والشتاءِ , والنساء هل لماء ِ الوردِ خريرٌ كماء الماء؟! كجلّنارٍ واحدة على حبتيّ رمان....شرفتان
شرفتان حبيبتانْ جميلتانْ...تتفقانْ ضدانِ..... تآلفا في قلبي كأنّ ريتا ومريم صارتا حبيبتين تنفثان سحرهما عليّ..... , وتنفثان تمزقاني حباً , كإله الخمرِ , وتتركانْ كل الأشلاء حطاماً فوق الحصانْ ويسألُ : إلى أين نذهب يا صديقي ؟ قلت : لا أدري من يقطف الأزهارَ وهي الدليلُ؟! من علم الإنسانْ كل هذا النسيان , وهو الدليلُ؟! إلى أين – إذن- نذهب يا صديقي , بكى الحصانْ قلت : طريقنا الجهات الست , يا حصانْ أفعى (جلجامش ) أو مجرةٌ في صولجانْ حرب البسوسِ أو حكمة لقمانْ قطار العصر السريع , أو عفريتٌ بأمرٍ من سليمانْ لافرق , على تخوم المكانْ لافرق حين تُكوّرُ الأشياء , تَكوُّري عليّ: عاشقاً على الطريقِ وشرفتانْ
هيثم الريماوي
تبدأُ الحكاية
عابراً في نشيدي, أنبيائي كلاُ منهمُ (صفاً, كأنه البنيانُ المرصوص) يبحثُ بين لهاثِ الناسِ عن عزاءٍ ربما يعودُ ثانيةً من سحرِ النصوص ويُعلي شرائعَ الطبائعِ , وحكمةَ المسنين يأخذنا منّا عنِ الرصيفِ ويعيدُ البكاءَ فينا , كما كانَ حزينْ ربما يولدُ الوقتُ والناسُ يعودُ من جديدٍ , وسواسٌ وخنّاسُ ليلعبَ دورَالبطولةِ في ممرِّ العابرينْ:- كان يذبحناونُعتقنا كان يُلهمنا بينَ شكٍ ويقينْ ولكنّا على الغفلةِ منّا يأسرنا الفرحُ الفارهُ , كلما حككنا صدأ السنينْ صدأً تنفثهُ الساعاتُ والثقاتُ والفتاتُ تعذبنا أيضاً , ما تنفثهُ الكلماتُ جاهدين عن الحقيقة في صرخةِالرضيعِ من شكوى الحنين حاجتنا للجنسِ البطيء, و حاجتنا للموتِ السريع. جاهدين عن معنىً للحقيقةِ وهي أصغرُ منفوهةِ المسدس وأعلى من سماء الحالمين تربّعَ الأنبياءُ في ظلِّ النخيلْ من جاهزيةِالفكاهةِ والتعاسةِ والفراسة: (ماذا لوسُئلتِ الموؤدةُ , لماذا قُتلت)؟ أرملةٌ قُتلَ زوجها قبل هنيهةٍ , ماذا قد بدّلت؟ هجرةٌ بعدهجرةٍ بعدَ هجرةٍ ,عمَّ قد أسفرت؟ و جراحُ شعبنا – نحنُ الأنبياء- قد عُلِّقت صحائفَ للنخيلِ ,أما غيَّرت؟ عليٌ ماتَ من حزنهِ الدامي وأميّةُ انتصرت عليٌ ماتَ وأميّةُ انتصرت ويعلي الأنبياءُ إدامَ الزيتِ والخلِّ , فنسقطُ في الفراغ في الهباءِ الكونيِّ , وفي الهباء نسجِّي بأرواحنا المهدَ, بيضاءَ في العراء من حزنِ أطفالنا علينا , ومن غضبِ أنبياء. يا جبلَ(الطورِ) تقدم قليلاُ في دمائنا الأولى تقدم قليلاُ لنعلمَ جيداًكيف (تتصدعُ الجبالُ من خشيةِ الله) خذنا حجراًمنكَ فيكَ خذنا قليلا لتصقلنا وطأةُ الكلماتِ والريحُ و الذكريات لننصت خاشعينَ, لحوارِ الألوهةِ معَ الخليلْ وحسرةِ الصديقِ, على ما فاتهُ مُتفلتاً منهُ, وما هو آتُْ مذ نسينا جراحَ الأمسِ , بعدَ غدٍ قد فاتْ وطوته السنون. فيأخذنا زيتُ السِراجِ بينَ النخيلِ والهديلِ, نحوَ الجنون ونقرأُ منْ سحرِ الدهشةِ ((وإنْ عدتمْ عدنا)) فكنّا, كأمرهِ بينَ الكافِ والنونِ عائدينَ مذكنّا, لو تأخرّالأنبياءُ قبلَ الرحيلْ عائدين لو أنّا لا نُعلِّقٌُ أوزارنا على ظهورنا من ضلالةِ العالمينْ عائدينْ ولكنّا, لانحملُ منَ الهديةِ والأغاني ما يكفي اعتذاراً لأطفالنا في المهدِ وقمةِ النخيلْ عائدينَ كما شئنا وشاءَ الرحيلُ حين شاء سراً وكشفاً بحسب وصايا الأنبياء نسرق الأفراحَ سِراً كعتْمِ الأرجوان يضحكُ من دهشةِ السؤالِ أنْ يُشارِ بالبنان ونعلنُ الحزنَ جهرةً من فداحةِالمقال ((ليس المسكينُ , من تردهُ اللقمةُ أو اللقمتان)) أو كما قال كنّا أطفالاُ مثلما كنتم وأحلاما ًصغاراً تستدرجُ الخطى, كنتم مثلما كنّا وجهُ الحبيبة أبيضٌ مُنمّشُ قمحيٌ ربما , وضفيرتان ينثرنا سحرُالبيان كالياسمين, والأشواكِ عنوةً في الجنان: تحبوانِ,تركضانِ,تلعبانْ تترجلانِ, تتقاتلانْ ((لا أنتم عابدونُ ما أعبدْ, ولا أنا عابدٌ ما عبدتمْ)) فتنفصلانِ وتقْتلانْ كمثلِ (هابيلَ), نعيد الفضاءِ بينَ أيدينا والزمانْ تحزنانِ, تبكيانِ, وأيضاً تفرحانْ مثلنا ومثلكمْ تماماً يُذيبنا سحرُ البيان: الإنسان أخو الإنسان شرّقَ أو غرّبَ , يثنيهِ الهديلُ كعودِ الخيزران يُذيبنا سحرُالبيان, مثلنا ومثلكم ْتماماً ((فبأيِّ آلاءِ ربكما تكذبانْ))؟ (بأيِّ آلاءِ ربكما تكذبانْ) ؟ يفرقنا النخيلُ , ويجمعنا الهديلْ صديقانِ ربما أو عدوانْ لا فرقَ ,أن كانَ لا إلهانْ يقسمان القمحَ والشعيرَ بين الأعداءِ , ويختصمان لا إلهان , يعتذرانِ للاهوت و الألوهة من تناسقِ النصوصِ , وفوضى الطبيعة: لا فرقَ بين المدينةِ والقبيلة لو تركنا خيلنا بلا سُرُجٍ , ترعى كيفما اتفق لو تركنا ضباعنا تأكلُ من خّشاشِ الأرضِ تقتلُ وتذبحُ كيفما كانت وحوشاً في البراري ,تحترفُ العيْشَ أُسطورةً في الأغاني – أقتل كي تعيش فيصيرُ الموتُ واهباً للحيواتِ و الأماني هدنةَ القاتلِ والقتيلِِ على البقايا: عجوزاً في البيتِ الدافئ يتلو الأهازيج بعدَ هدْأةٍ , كي يبدأ الحكاية يستنهض العَبَراتِ من فمهِ الهزيلِ آيةُ بعدَ آيةٍ بعدَ آية يُخرجُ الأنبياءَ كلاُ منهمُ (صفاً, كأنه البنيانُ المرصوص) من فروٍمِعطَفهِ الصوفي , وسطورِ الحكاية فيتلون صلاة َالمِعراجِ من القدسِ منذُ البدايةِ والبداية لكلِّ نبيٍّ منهمُ,,على جلدِ الأرضِ رواية روايةً تلوَالرواية يُجلسُ الأحفادَ حولهُ , وبعدَ هُنيهةٍ ...تبدأُالحكاية.
هيثم الريماوي
هيثم الريماوي
| |
|