ولد التراب
الزجال الشاب عبد الحق بوشفر يخرج من صمته ليمنحنا متنا زجليا بلذة الطين.التراب أو الطين هو من العناصر الأربعة المكونة للكوسموس.
لكن في هذا المتن لا يعطيه الزجال هذا البعد. لقد منحَه رمزا قد يريد منه حنان ودفء الأمومة...
جاءت لغة الزجال عبد الحق مكثفة أعطى فيها للفظة التراب دلالة غنية داخل إيقاع تكررت فيه الكلمة 9 مرات، وإذا أضفنا إليها : حبات الرمل ( 1 )، والغيس ( 2) . يصبح المجموع هو : 12 مرة.
يقابل التراب في المتن عنصر ثاني هو الماء. جاءت لفضة البحر متكررة مرتين ، الخمرة مرة واحدة ، البئر كذلك مرة واحدة، في حين تكررت لفضة الغيس مرتين إذا اعتبرنا " الغيس " كيماويا مادة تتكون من الماء والتراب ليصير بذلك المجموع هو : 6. ما يجعل الماء يحتل 50 في المائة فقط في كيمياء المتن عكس المعادلة الطبيعية المعروفة في تكوين الكوسموس.
في غياب العنصرين الأخرين الريح والنار نستخلص أن عبد الحق ترابي بامتياز . حيث سيرجح الزجال عنصر التراب على العناصر الأخرى ليجعل منه فضاءه الذاتي مشبعا بذلك أناه . والغاية من ذلك هو يريد أن يتبع ذاته المدفونة في التراب ولو أنه غير متأكد من أنه سيجدها. يقول الزجال عبد الحق :
نتبع ذاتي المدفونه
بين حبات الرمل ...../
يمكن نلقاني ...
قلت بأن الذات الترابية عند الزجال عبد الحق هي من تحتل المساحة الأكبر في المتن، سيجعلها تختلط بالماء بمجرد قبلة ليمنح لنا كيمياء كما سبق الذكر لتكون النتيجة : الغيس. يقول الزجال في متنه :
نبوسني غيس
هل هي كيمياء لولادة جديدة ؟ حيث الزجال يسعى لترميم جناحيه للتحليق ربما للخروج من التراب ومعانقة فضاء أرحب. يقول عبد الحق :
نرمم جناحي
نمرر الجبيره بالتراب ...
من التراب ...
فالتراب
نقلب علي
يمكن نلقاني ...
يمكن نزهر .....
الزجال يتوق لحياة أكثر اتساع وانفتاح وازدهار، وهذه الحياة لا يسميها ولا يحددها لأنه لم يجد بعد ذاته ما جعله في آخر المتن يطلب المساعدة من الأخر : نحن أو المجتمع . يقول الزجال :
ها العار
أجو نقلبوا علي
باش نقطع اياسي
واش نلقني ؟.
ينهي الزجال عبد الحق متنه الزجلي بسؤال كبير ، هو سؤال كل مبدع ومفكر سواء كان شاعرا أَوْ ساردا أو فيلسوفا :
واش نلقاني ؟.
بالنسبة لي يمثل هذا المتن الذي بين يدي والذي أعدت قراءته مرات منعطفا جديدا في الكتابة الإبداعية للزجال عبد الحق بوشفر ، سيسجل بذلك الزجال تحولا مهما في مساره الزجلي بعد خروجه من القصيدة المحدودة الرؤية لينفتح على عالم زجلي ذي آفاق واسعة. متن يحضر فيه حس لغوي راقي جعل اللفظة تتفتح في تربة خصبة آلا وهي تربة الأفكار والرؤية ليعيد بذلك الزجال لذاته كلمتها ...زجلها ويجعلها تعبر عن مكامنها الدفينة وطموحاتها الفنية المكبوتة برؤية جديدة.
هنيئا للزجال عبد الحق بوشفر "ولد التراب " بهذه اللوحة الطينية الجميلة .
أشد على يدك في انتظار لوحات أخرى قد تؤكد للقارئ هذا المنعطف الذي اخترت الخوض فيه....
إدريس أمغار مسناوي
تيفلت : 12/ 11 / 2010 م