| المشرد | |
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
محمد الطيب
عدد الرسائل : 344 تاريخ التسجيل : 06/01/2011
| موضوع: المشرد الإثنين يناير 10, 2011 10:01 pm | |
|
المشرد
[center]تزوجت أمي بعد رحيل والدي بشهور أعيش اليوم مع زوجها وأربع إخوة منها . أشعر بنظراته الشزراء تلتهم راحتي ، وتغتال سعادتي واستقراري . وأتضايق من التهجم الثاوي بناصية محياه صباح مساء . أخطأت يوما في حق الصغيرة من إخوتي ونحن نستعد لتناول وجبة العشاء . فنهض غاضبا مندفعا ، وأخذ بتلابيبي وطوح بي بعيدا ، ثم ألقى بي بضاعة مجزاة خارج البيت . لم تنبس أمي ببنت شفة . ودعتني بدموع العاجز عن النفع ، الفاقد للقدرة على الاعتراض . همت على وجهي بدون خطة ولا هدف . حافي القدمين ، تسترني بذلة نوم متهالكة . أربط الأزقة ببعضها . أتفرس أوجه الناس بالشوارع والمقاهي والدكاكين . كلهم - لا محالة - أشباه زوج أمي ، غلاظ ، قساة ، معتدون ... الساعة تخطو ببطء ... نحو متم الهزيع الأول . الليل يبتلع حركة الناس ، ويقطع ضجيج الباعة في الأسواق ، أقفرت الشوارع والدروب من المارة إلا قليلا . الحركة تحتضر وأنس الأمكنة يكاد يندثر . بقيت وحيدا ، وجها لوجه مع لسعات البرد اللافح والجوع المبرح . ولما هد التعب أوصالي ، آويت إلى ركن مهجور لأستريح . فأخذت فرائصي تصطك وأطرافي ترتجف . لم أقو على تحمل ما أنا فيه . غادرت مخبئي ، أسير على غير هدى . ساقتني خطواتي دون شعور نحو بيتنا . ومن يدري لعل أحدهم هناك يصاب بلسعة ضمير فيحاول البحث عني . البيوت محكمة الإغلاق وكل الأجسام الآن تتلبد في أغطيتها خوفا من عض أنياب البرد الضارية . إلا المشرد قسرا المطرود من بيت والده فعليه أن يتحمل. سمعت أثر ضجيج قادما من آخر الزقاق ، لمحت نورا خافتا يتسرب من فرن خباز الحي ابا رحو - كما يطلق عليه سكان الحي - صاحب الفرن ، يصب الماء على النار ويستعد للالتحاق ببيته . اقتربت واستغفلته ، وتسللت إلى أعماق الفرن . اتخذت من رماده الدافئ غطاء ومن بقايا الخشب المحترق متكأ . أخذتني غفوة عذبة وكاني أرقد بأبهى الأسرة وألتف بأفخر الأغطية . بعد مدة ، وصل إلى سمعي أزيز المفتاح الحديدي الضخم ثم قعقعة الباب الخارجي . ابا رحو ... وصل . لعل موعد الفجر قد اقترب . فمن عادته إعداد الفرن باكرا ، لتلبية حاجات وطلبات الحي من الخبز. أخذ يزود فرنه بالخشب ، ويتمتم ويردد كلمات لا أفهمها . تساءلت عن كيفية الفرار دون أن يشعر ؟ وإن رآني ، فما الذي أبرر به تواجدي هنا ؟ وهل سيصدق أني قضيت الليل أتقلب على جمر تنوره ، وأستحم بلهيب دموعي ؟ أراقب حركاته من مدخنة التنور . رأيته يراكم المزيد من الخشب والورق . ثم تناول قنينة بنزين ليصبه على الخشب قبل إضرام النار , لم يبق لي متسع للتفكير ولا للانتظار . وأنى لغصني الأخضر الممتد وسط الحطب المعد للاشتعال ألا تلتهم النار عوده وتجفف دماءه ؟ اندفعت بقوة ، بدون تريث ، عبر فوهة المدخنة ، وقعت أمام العجوز كالصخرة المنحدرة من عل . انتفض الرجل مذهولا . لم يصدق ما رأى . شبح صبي مكسو بالسواد والرماد . أيقن أنه من جنس العفاريت التي تزخر الروايات الشعبية بعجائبها ومغامراتها وقصصها . أبكمته الصدمة . ولما مثلت أمامه واقفا ، أخذ يحاول ترديد آيات وأدعية بصوت مضطرب . قل ... قل ... قل ... ولم يتمكن من إتمامها ، فساعدته بقراءة إحدى المعوذتين . فصاح ...وهو يرتجف أتقرأ القرآن أيضا ؟ ألست من الذين يحترقون بالقراءة والتعوذ ؟ إن كنت مؤمنا ، فعهد الله بيني وبينك . اخرج من هنا أعوذ بالله منك أستحلفك بالعزيز لديك ألا تؤذيني ولا تمسسني . إني أب أطفال صغار ... إني ... تركته يتوسل ويستنجد ، تناولت رداءه المثبت على الجدار لأستر به جسدي . وانصرفت مهرولا... أعدو عبر طرق شاقة وطويلة للبحث عن مأوى جديد . نوارسي تحكي بنشيجها الشجي مأساتي مع من حل محل أبي ، اغتصب القلوب والنفوس قبل الأموال والذخائر. لايستطيع المستضعفون تغيير عادات الأمواج الهائجة. على جنبات أحد المسالك ، سمعت صوتا من أعماق فؤادي يتكسر صداه هونا على شط لساني ، فأخذت أقول : أن يرمى بطفل بريئ ليلا خارج بيته الذي تركه به والده ، ويضطر للانخراط في مسالك خطيرة مجهولة متشعبة ، فذلك يعني أن الإنسانية تنكرت في لبوس الخداع ، والأخلاق قفلت عائدة إلى برزخها بلا وداع ، والأرض فقدت توازنها وانقلبت دورة الزمان ، وأشرقت الشمس من مغربها . ........ هيهات ... هيهات
فكيف يطمعون أن يكون الغصن سامقا مستقيما ، وقد كسرو عوده في فتوته وكيف ينتظرون أن تكون الخميلة مورقة مخضرة ، وقد حطموا ساقها في ريعانه ؟ وكيف يتوقعون أن تكون الشجرة طيبة مثمرة ، وقد اقتلعوا جذورها قبل اكتمال نموها ، وبتروا شرايين تزويدها بالحنان وفضائل القيم ؟ تلك ... أحلام تبث الشجون وترسلها نحو الشمال ، ومواجع تتلقفها وتردها كسيرة نحو الجنوب وحيتان الغدر بينهما تغدو خماصا وتروح بطانا من لحم البشر . ... كل الصقور تغط في أعشاشها ، والصغار تحتمي بأحضان أمهاتها . فيانوارس اشهدي ، ويادموعي كفكفي وياخمائل دوني : إن الأم تخلت عن فلذتها وهي تجهش ببكاء عميق . [/center] | |
|
| |
أسماء محمد إدارة عامة
عدد الرسائل : 2070 تاريخ التسجيل : 23/01/2008
| موضوع: رد: المشرد الإثنين يناير 10, 2011 10:48 pm | |
| نص بنفس طويل ممتع
مرحبا بك وبأول نص لك في الجامعة نحن سعداء بك | |
|
| |
ربيع عامر الغيواني أديب مميز
عدد الرسائل : 1461 تاريخ التسجيل : 27/12/2007
| موضوع: رد: المشرد الإثنين يناير 10, 2011 11:34 pm | |
| مرحبا بك في أول قصة مؤثرة لك
ننتظر جديدك | |
|
| |
محمد الطيب
عدد الرسائل : 344 تاريخ التسجيل : 06/01/2011
| موضوع: رد: المشرد الثلاثاء يناير 11, 2011 12:00 am | |
| أسماء محمد
مشكورة على الحفاوة والثناء
مقدرة على القراءة والتقييم
لك تحيتي | |
|
| |
محمد الطيب
عدد الرسائل : 344 تاريخ التسجيل : 06/01/2011
| موضوع: رد: المشرد الثلاثاء يناير 11, 2011 12:02 am | |
| ربيع عامر الغيواني
سعيد بتواجدي بينكم
مقدر لمكانة المنتدى
وتوجهاته وخدماته
أرغب في الاستفادة
من مواضيعه المميزة
لكم تحيتي | |
|
| |
حياة بلقيس شاعرة مشرفة شاركت في ديوان "نوافذ عاشقة" والأضمومة القصصية "حتى يزول الصداع"
عدد الرسائل : 553 العمر : 41 تاريخ التسجيل : 05/12/2009
| موضوع: رد الثلاثاء يناير 11, 2011 1:52 pm | |
| أسلوبك جميل ومشوق أخي محمد الطيب
قصتك أشبه ما تكون بفصل رواية طويلة. ممتع سردك. موفق. | |
|
| |
محمد الطيب
عدد الرسائل : 344 تاريخ التسجيل : 06/01/2011
| موضوع: رد: المشرد الثلاثاء يناير 11, 2011 3:05 pm | |
| الشاعرة المفوهة
حياة بلقيس
ممتن لاهتمامك وتتبعك
مقدر لقراءتك وارتساماتك
لك تحيتي | |
|
| |
زائر زائر
| موضوع: رد: المشرد السبت يناير 15, 2011 4:34 pm | |
| السلام عليك أخي محمد
انها قضية اجتماعية و انسانية تلك التي رسمت بآهات المستضعفين و المشردين في هذه الدنيا وما أكثرهم..نحتت و بدماء القلوب لوحة عل بعض الاباء و الامهات يهتدون ،لأن لأولادهم عليهم حقا ..كما لهم على الأولاد حقا..لغة ترصد دقائق المكان و أسلوب يسقي بالندى ضفاف الوجدان.. استمتعت بما قرأت هنا ..تقديري |
|
| |
محمد الطيب
عدد الرسائل : 344 تاريخ التسجيل : 06/01/2011
| موضوع: رد: المشرد السبت يناير 15, 2011 10:44 pm | |
| الفاضل حد عمر
ممتن لاهتمامك وتتبعك
مقدر لقراءتك وارتساماتك
لك تحيتي | |
|
| |
مهدية أماني قاصة ...مشرفة
عدد الرسائل : 858 العمر : 68 Localisation : قلعة السراغنة تاريخ التسجيل : 23/03/2010
| موضوع: رد: المشرد الثلاثاء يناير 25, 2011 3:06 pm | |
| [quote="محمد الطيب"]
[size=29] المشرد
تزوجت أمي بعد رحيل والدي بشهور أعيش اليوم مع زوجها وأربع إخوة منها . أشعر بنظراته الشزراء تلتهم راحتي ، وتغتال سعادتي واستقراري . وأتضايق من التهجم الثاوي بناصية محياه صباح مساء . أخطأت يوما في حق الصغيرة من إخوتي ونحن نستعد لتناول وجبة العشاء . فنهض غاضبا مندفعا ، وأخذ بتلابيبي وطوح بي بعيدا ، ثم ألقى بي بضاعة مجزاة خارج البيت . لم تنبس أمي ببنت شفة . ودعتني بدموع العاجز عن النفع ، الفاقد للقدرة على الاعتراض . همت على وجهي بدون خطة ولا هدف . حافي القدمين ، تسترني بذلة نوم متهالكة . أربط الأزقة ببعضها . أتفرس أوجه الناس بالشوارع والمقاهي والدكاكين . كلهم - لا محالة - أشباه زوج أمي ، غلاظ ، قساة ، معتدون ... الساعة تخطو ببطء ... نحو متم الهزيع الأول . الليل يبتلع حركة الناس ، ويقطع ضجيج الباعة في الأسواق ، أقفرت الشوارع والدروب من المارة إلا قليلا . الحركة تحتضر وأنس الأمكنة يكاد يندثر . بقيت وحيدا ، وجها لوجه مع لسعات البرد اللافح والجوع المبرح . ولما هد التعب أوصالي ، آويت إلى ركن مهجور لأستريح . فأخذت فرائصي تصطك وأطرافي ترتجف . لم أقو على تحمل ما أنا فيه . غادرت مخبئي ، أسير على غير هدى . ساقتني خطواتي دون شعور نحو بيتنا . ومن يدري لعل أحدهم هناك يصاب بلسعة ضمير فيحاول البحث عني . البيوت محكمة الإغلاق وكل الأجسام الآن تتلبد في أغطيتها خوفا من عض أنياب البرد الضارية . إلا المشرد قسرا المطرود من بيت والده فعليه أن يتحمل. سمعت أثر ضجيج قادما من آخر الزقاق ، لمحت نورا خافتا يتسرب من فرن خباز الحي ابا رحو - كما يطلق عليه سكان الحي - صاحب الفرن ، يصب الماء على النار ويستعد للالتحاق ببيته . اقتربت واستغفلته ، وتسللت إلى أعماق الفرن . اتخذت من رماده الدافئ غطاء ومن بقايا الخشب المحترق متكأ . أخذتني غفوة عذبة وكاني أرقد بأبهى الأسرة وألتف بأفخر الأغطية . بعد مدة ، وصل إلى سمعي أزيز المفتاح الحديدي الضخم ثم قعقعة الباب الخارجي . ابا رحو ... وصل . لعل موعد الفجر قد اقترب . فمن عادته إعداد الفرن باكرا ، لتلبية حاجات وطلبات الحي من الخبز. أخذ يزود فرنه بالخشب ، ويتمتم ويردد كلمات لا أفهمها . تساءلت عن كيفية الفرار دون أن يشعر ؟ وإن رآني ، فما الذي أبرر به تواجدي هنا ؟ وهل سيصدق أني قضيت الليل أتقلب على جمر تنوره ، وأستحم بلهيب دموعي ؟ أراقب حركاته من مدخنة التنور . رأيته يراكم المزيد من الخشب والورق . ثم تناول قنينة بنزين ليصبه على الخشب قبل إضرام النار , لم يبق لي متسع للتفكير ولا للانتظار . وأنى لغصني الأخضر الممتد وسط الحطب المعد للاشتعال ألا تلتهم النار عوده وتجفف دماءه ؟ اندفعت بقوة ، بدون تريث ، عبر فوهة المدخنة ، وقعت أمام العجوز كالصخرة المنحدرة من عل . انتفض الرجل مذهولا . لم يصدق ما رأى . شبح صبي مكسو بالسواد والرماد . أيقن أنه من جنس العفاريت التي تزخر الروايات الشعبية بعجائبها ومغامراتها وقصصها . أبكمته الصدمة . ولما مثلت أمامه واقفا ، أخذ يحاول ترديد آيات وأدعية بصوت مضطرب . قل ... قل ... قل ... ولم يتمكن من إتمامها ، فساعدته بقراءة إحدى المعوذتين . فصاح ...وهو يرتجف أتقرأ القرآن أيضا ؟ ألست من الذين يحترقون بالقراءة والتعوذ ؟ إن كنت مؤمنا ، فعهد الله بيني وبينك . اخرج من هنا أعوذ بالله منك أستحلفك بالعزيز لديك ألا تؤذيني ولا تمسسني . إني أب أطفال صغار ... إني ... تركته يتوسل ويستنجد ، تناولت رداءه المثبت على الجدار لأستر به جسدي . وانصرفت مهرولا... أعدو عبر طرق شاقة وطويلة للبحث عن مأوى جديد . نوارسي تحكي بنشيجها الشجي مأساتي مع من حل محل أبي ، اغتصب القلوب والنفوس قبل الأموال والذخائر. لايستطيع المستضعفون تغيير عادات الأمواج الهائجة. على جنبات أحد المسالك ، سمعت صوتا من أعماق فؤادي يتكسر صداه هونا على شط لساني ، فأخذت أقول : أن يرمى بطفل بريئ ليلا خارج بيته الذي تركه به والده ، ويضطر للانخراط في مسالك خطيرة مجهولة متشعبة ، فذلك يعني أن الإنسانية تنكرت في لبوس الخداع ، والأخلاق قفلت عائدة إلى برزخها بلا وداع ، والأرض فقدت توازنها وانقلبت دورة الزمان ، وأشرقت الشمس من مغربها . ........ هيهات ... هيهات
فكيف يطمعون أن يكون الغصن سامقا مستقيما ، وقد كسرو عوده في فتوته وكيف ينتظرون أن تكون الخميلة مورقة مخضرة ، وقد حطموا ساقها في ريعانه ؟ وكيف يتوقعون أن تكون الشجرة طيبة مثمرة ، وقد اقتلعوا جذورها قبل اكتمال نموها ، وبتروا شرايين تزويدها بالحنان وفضائل القيم ؟ تلك ... أحلام تبث الشجون وترسلها نحو الشمال ، ومواجع تتلقفها وتردها كسيرة نحو الجنوب وحيتان الغدر بينهما تغدو خماصا وتروح بطانا من لحم البشر . ... كل الصقور تغط في أعشاشها ، والصغار تحتمي بأحضان أمهاتها . فيانوارس اشهدي ، ويادموعي كفكفي وياخمائل دوني : إن الأم تخلت عن فلذتها وهي تجهش ببكاء عميق .
السلام عليك اخي ورحمة الله ماذا يسعني ان اقول الا انك الهبت قلبي حزنا وافضت عيني دمعا ومسست كل وتر في كياني بهذا القص النابض بالظلم والحرمان .. كان من الافضل الا يكون بصغية المتكلم لكن بما انه جاء بها .. فهلا تكرمت واكملت مشوار الشريد في تتابع للحكي تحياتي اختك اماني
| |
|
| |
محمد الطيب
عدد الرسائل : 344 تاريخ التسجيل : 06/01/2011
| موضوع: رد: المشرد الثلاثاء يناير 25, 2011 11:00 pm | |
| الفاضلة أماني
سعيد بمرورك وقراءتك
مبجل لمشاركتك وملاحظتك
تقبلي تحيتي | |
|
| |
| المشرد | |
|