تعتبر الحداثة تجربة رائدة أواسط القرن العشرين، في خضم الصراع السياسي بضياع فلسطين وتوغل الصهيونية مما جعل الآداب يتحرر بحثا عن بدائل تعبيرية أخرى
للتواصل بوجود القصيدة الحرة.وبعدها قصيدة النثر حتى استرجع الشعر العمودي أنفاسه، ليزاوج ما بين الأصالة والمعاصرة في الأسلوب وحداثة الموضوع عند بداية القرن الواحد والعشرين، لما تركته حرب الخليج وقصف غزة ومناورات إسرائيلية خصوصا، الاهانة التي تلقاها العرب من الغرب بإعدام صدام حسين صبيحة عيد الأضحى حيث جعل هذا، البعض يرفض الثقافة الغربية والرجوع إلى الحس العربي الذي يكمن بعضه في القصيدة العمودية: والنص المقترح لهذا الاستقراء ينتهي إلى هذا الأخير إسنادا إلى مؤشرات أساسية
كالسرد البنيوي: والنسيج الكلمى في القصيدة العمودية التي هي من بنات أفكار الشاعرة المقتدرة أمينة حسيم(أم فراس)وهي إحدى رائدات القصيدة العمودية وتجديد مضامينها، وطريقة استعمال مصطلحاتها علاوة على الدلالة الهادفة المثقلة بالرموز والإيحاء المتألم إلى حد الرقي بالصورة على مستوى الإيقاع عبر ممر الضرورة المنهجية بتجسيد معاناة مأساوية، عاشتها العرب بفلسطين والعراق: وفي لوعة هذا الخراب ترغب الشاعرة في الانتصار والتخلص من الهزيمة رغم الاستفهام الظاهر على النص إذ تقول في البيتين الأخيرين من القصيدة 33و34
أيان يا عرب يحمي ظهركم ومتى.......... تشتد شوكتكم والهام تنتصب
عودوا لوحدتكم فالعود ناصركم............. لولا تخاذلكم والله ما غلبوا
والقاسم المشتركة بين أمينة حسيم والمصطلحات المستعملة هي التيمة التي ينتهي إليها
اللفظ الساخن الحار من القلب وما يترجم معاناة صاحبة النص، وهي حروف تتركب من
عنصرين:
عنصر الاكتئاب والإحساس بالظلم والشعور بالحزن نحو الألفاظ التالية:
-دامعة –مكتئب –دامية –يلتهب –تبكي –تنتحب –ثكلى –الحزن –الكرب –حمرة الدم -
المنزوف –اغتصبوا –ذلة –الحزن والكمد –فيض المآقي
وعنصر الحماسة والدعوة إلى التحرر نحو:
-أفق- واجمع شتاتا- قم من رمادك – استجمع قواك – استأصلوا شوكة البغضاء – عودوا
لوحدتكم -
ومن بين العنصرين مصطلح الحزن واستطراد التجاوب الذهني، والأمثلة الاستقرائية،
على غرار الصحو والثورة على الطاغية والخروج من الرماد، وهي رؤى مطبوعة
بالحزن وبصيص من الأمل المشروط بالنهضة والانضمام بلحمة عربية موحدة إذ تقول
في البيت العاشر:
أنتم وأنت وهم ضموا أياديكم ............واستأصلوا شوكة البغضاء واجتنبوا
وإن لم تلتزم القصيدة الحديثة بالقواعد الإعرابية الصارمة وهي تتخلص من التفعيلة
العروضية والقافية، فالقصيدة العمودية ملزمة بقواعدها اللغوية والعروضية إلا أنها
غيرت مفاهيم الصورة البلاغية حسب متطلبات العصر وهي خصوصية تتميز بها على
مستوى الإبداع كتمنطق الخيال وتخييل الواقع إلا إذا ألزم الواقع ذاته دون التخييل فعندها
يستعمل الوتر الحساس اعتمادا على الغموض الذي هو ستر الحقيقة بالكناية والاستعارة
في البيتين الثامن والتاسع.
إني أرى اليم يبدو عاتيا وأرى .......... عند العواصف موج البحر يضطرب
والرمل يهتز عنفا حين تحصده.......... أرياح هاجرة والصحو ينقلب
وعندها تستنتج خريطة الجرس عبرالحرف ونسيج الكلمة على البحر البسيط في تعدد
الإيحاءات، ووحدة المفهوم الفلسفي والمبنى الروحي للقصيدة، وهي تتجلى في
المظاهر التشكيلية ضمن خلفية المضمون حول:
- تأسيس: نظرة جديدة اتجاه مفهوم الرؤى الفلسفية، بدل الاستقراء العادي للموضوع.
- توظيف: المجاز باستعمال الاستعارة والكناية حيث يكمن الغموض الفصيح.
- التشكيل: الصوري البياني والإيحاء الرمزي.
- الانزياح: الخطابي لتصحيح مفهوم التلقي كالمغالطة في الكلام.
- وبناء عليه عنونت الشاعرة قصيدتها (كيف الرد يا عرب) فهو استفهام ثوري، متعدد
الشروحات، إذ يمكنه أن يكون حول الجواب على أسئلة أو ردا بالسلاح، إلا إن النداء و
المنادى ثابت غير متحول ليمتد بريقه مطلع القصيدة.
عيناك دامعة والقلب مكتئب........... والنفس دامية والصدر يلتهب
ازدواجية المبتدأ بالإضافة التي تفيد ملكية المخاطب لتكون دالة على الألم والحزن ب
(دامعة والقلب يكتئب: انتقالا من الصدر إلى العجز من آخر البيت "يلتهب" وتبقى العين
بداية الصدر حرف يخرج من الحنجرة تأكيدا وإشارة على أن القصيدة من الأعماق
لتنطلق إلى ما بعدها من الكلمات الدالة على الحزن والاحتراق
والكلمات الأربعة نحو: عيناك- القلب- النفس- الصدر-
معادلة توافقية نحو الإشارة التي تدل على أن
العين/ بصر...... و....... القلب/ بصيرة
النفس/ حياة...... و........ الصدر/ احتواء
وهي تقول في البيت الثاني:
تقوى الحناجر في المندبات وكم .............. في كل نازلة تبكي وتنتحب
يتضمن البيت قوة الحناجر والبكاء والنحيب، إذ المحور الرئيسي "هو نازلة " التي
تتضمن الثورية المعنوية كنازلة الغضب أو الصاعقة.
والثورية المادية نحو: نازلة الطائرة أو قنبلة أو رصاصة وما شابه ذلك.
الرابط بين البيتين هو البكاء نحو: "عيناك دامعة " في البيت الأول و " تبكي" في البيت
الثاني مقابل "والقلب مكتئب " في الصدر الأول و "النفس دامية والصدر يلتهب" في
العجز من البيت الأول مقابل "تقوى الحناجر في المندبات" في الصدر الأول من البيت
الثاني. و "تنتحب" في العجز من البيت الثاني.
وعليه جعلت الشاعرة من التداخل بين البيت الأول والثاني، نسيج المصطلح الدلالي
كتجسيد الصورة داخل النص لتستدركهما بنية الندبة، دون أن تخرج عن العنوان في
البيت الثالث وهي انطلاقة إلى مدخل القصيدة، نحو:
ويحي و ويح زماني يا بني زمني............. ما تنفع العبرات و اللوم و العتب
وعبر هذا الاستقراء نستنبط الحكمة من النص، "أن لا حق يؤخذ بلا معاناة والقوة في
الاتحاد"
والرمل يهتز عنفا حين تحصده .......... أرياح هاجرة والصحو ينقلب
حميد بركي