هي وهو لوحدهما وقد خلت الدار من عمار.نظر إليها مليا كأنما يبحث عن نفسه في وجهها الشاحب, وقال مسائلا:
< أ تتزوجينني إذا ما عادت عجلة الزمن إلى الوراء ..!>
فيما كانت تحاول فك رموز وطلاسم كلامه,انثالت أمام عينيها ذكريات وأحلام وردية,وقالت مبتسمة:
< طبعا حبيبي ..!>
أحست بسهام سامة تخترق نتوءات صدرها العاري,وتوقظ ما اختبأ بين حنايا الروح من أوجاع وهواجس . فبذرة الحب لم تعد تلك الشجرة الظليلة التي تقيهما لفح حر الهاجرة ولا تلك الحاضنة التي تدثرهما بلحاف جذوع الدفء في ضمة الجسد للجسد عند قر الصقيع.
تشوكت الشجرة,وجدا نفسيهما كلما أزالا عنها شوكة نبتت لها أخرى من جديد,تعجلا قطف ثمارها فتعرضا لجروح وندوب من أغصانها الشائكة,بدت غيرمثمرة فتبدت لهما سوءات كانت عنهما مستورة . تستيقظ الغرائز المكبوتة وتتحرك الأنا الدفينة فيتركانها عرضة للإهمال والضياع.
تقاسما كل تلك الاحاسيس الحاضرة الغائبة بمسوح المداراة حتى تلك اللحظة التي تمزقت فيها عباءة المواراة.فكانت إيذانا لاعادة النظر في حنين الايام الخوالي وشوقها, وجفاء الحاضر وضنينه.حدثها دوما قلبها بدنو تلك الساعة ,فالأجواء تشي بحدوثها ,حتى أثاث البيت وجدرانه تكاد تنطق بها.
شتان بين اليوم والبارحة.بالأمس,كان يهدي لها مع كل وردة حمراء حكاية جميلة. اليوم,تهاوت الوردة من يده وتناثرت بتلاتها نزفا.ليس لجف الكلام على الشفاه ولا لعوز حكاية.فينبوع حكاياته لم ينضب , لكن لم تعد له نبضات صادقة. .
وضع كأس الشاي وغادر, لاتدري راضيا هو أم مغاضبا,تسمرت في مكانها كما لو أن حبالا متينةتشدها إلى الأرض شدا.وحيدة في غرفتها,جلست تمتص عصارة الحزن والاسى,بينما هي تحاور أطياف القلق والهواجس تناسلت أشباح الافكار والمخاوف من بعضها مع توالي الدقائق والسويعات.استلقت على السرير على ظهرها علها تستطيع تبديد ركام الغبن الذي يجتو على قلبها المنكسر,تجول بعينيها الغائرتين بين زوايا الغرفة, يستقر بصرها على مزهرية, انثلت منها اقحوانة واحدة ثم شرعت في نتف لسيناتها الواحدة تلو الأخرى مستقسمة مدندنة "يعود لا يعود".تتوالي النتفات فتزداد دقات قلبها.تتنبه الى عدد اللسينات المتبقية فتلقي بالزهرة بعيدا, ندت منها تنهيدة عميقة ثم تجهش بالبكاء.تحس بارتخاء ثم تستسلم أخيرا للنوم على إيقاع دبدبات حشرجات مكتومة تنبعث من صدر مكلوم.تنام وفي خلدها تدور رحى حرب ضروس في عالمها المسكون بهواجس الغد وما بعده.قبل أن ينبلج صبحها من دواخله,تفتح عينيها عليه وتجده أمامها يتوسط ملكين يتنازعان,واحد يتأبط علبة قرطاس وقلم وأخر ينتظر الايعاز وبيده ممحاة.
من كتاب ولد عصيان