محمد داني شاعر وناقد
عدد الرسائل : 72 تاريخ التسجيل : 07/06/2010
| موضوع: اعترافات امرأة الخميس مايو 12, 2011 11:57 am | |
| اعترافات امرأة ?: غي دو مونباسان صديقي...لقد طلبت مني أن أحكي لك ذكرياتي الأكثر صخبا في حياتي... إنني عجوز طاعنة في السن.. بلا أبوين.. أو أولاد.. إنني أجد نفسي حرة... في الاعتراف لك... عدني بأنك لن تكشف عن اسمي قط... لقد كنت محبوبة.. أنت تعرف ذلك... كثيرا ما أحببت نفسي... كنت قوية.. وجميلة... ويمكنني القول اليوم بأنه لم يبق أي شيء من ذلك...الحب كان بالنسبة لي حياة الروح... كالهواء والحياة للجسد... أفضل الموت على أن أحيا بدون حنان، وبدون تفكير متعلق بي... النساء يزعمن أنهن لا يحببن إلا مرة واحدة بكل ما أوتي قلبهن من قوة...أحيانا يحدث لي أن أعز وبقوة، الشيء الذي يجعلني أفكر أنه يستحيل علي وضع حد لتقلباتي العاطفية وتنقلاتها.. لكنها تخبو ، وتنطفئ دائما بطريقة طبيعية، مثل نار ينقصها الحطب...سأحكي لك اليوم عن أولى مغامراتي، والتي أنا فيها بريئة، ولكنها تحدد مسؤولية الآخرين...الانتقام المهول لهذا الصيدلي الرهيب(بيك)، ذكرني بالمأساة المهولة التي حضرتها رغما عني...كنت متزوجة منذ سنة برجل غني.. الكونت هيرفي دو كير... من منطقة بروطانيا.. من أصل عريق ... لا أحبه بطبيعة الحال... الحب الحقيقي، يحتاج - على ما أظن على الأقل – الحرية والحاجز... وفي نفس الوقت، الحب المفروض، المعاقب عليه قانونيا،يبارك من طرف القس... فهل هو حب؟... القبلة المشروعة لا تساوي أبدا قبلة مسروقة...زوجي كان طويل القامة... أنيقا... وحقيقة كان سيدا عظيم الطلعة.. ولكن ينقصه الذكاء... يتكلم بصراحة .. يرسل آراء قاطعة كالسكاكين الحادة... نحس بأن ذهنه مليء بالأفكار المصنوعة.. موضوعة في داخله من طرف والده ووالدته.. اللذان أخذاها عن أسلافهما... لا يتردد أبدا ... يعطي في كل شيء رأيا فوريا... وأعمى... وبدون ارتباك، وبدون فهم،لا يعرف أنه توجد طرق أخرى للنظر... نحس بأن هذه الرأس مغلقة.. لا تدور فيها الأفكار...من مثل الأفكار التي تجدد ن وتظهر روحا مثل الهواء الذي يمر من منزل فتحت كل أبوابه، ونوافذه.القصر الذي نسكنه ، كان يوجد في وسط بلدة قاحلة... كانت بناية كبيرة... وحزينة... تحيط بها الأشجار من كل الجهات... كانت الطحالب تجعلنا نتخيلها لحى المسنين البيضاء...الحديقة ، غابة حقيقية... يحيط بها خندق عميق، يطلق عليه : قفزة الذئب... في أقصاه ، جانب الأرض البور...مرجتان كبيرتان، مليئتان بالقصب، والنباتات المائية العائمة... وبين المرجتين، على الضفة، ينبوع يربط بينهما... شيد زوجي كوخا صغيرا.. يطلق منه النار على البط الوحشي...كان لنا – فضلا على ذلك- خدمنا العاديين... حارس قاس ، وفظ.. مخلص لزوجي حتى الموت... وخادمة.. تقريبا صديقة.. متعلقة بي كثيرا... كنت أحضرتها من إسبانيا منذ خمس سنوات... كانت طفلة متخلى عنها... لقد ظنوا أنها غجرية بسبب لونها الأسود... وعينيها الغامقتين.. وشعرها الكث الأجعد.. الإبري دائما جهة الجبين... كان سنها آنذاك ست عشرة سنة.. لكنها تظهر كأنها في العشرين...الخريف بدأ... كان القنص كثيرا...مرة عندنا، ومرة عند جيراننا... وقد لاحظت شابا... إنه البارون (دو س....)، حيث أصبحت زياراته للقصر دائمة ، ومتكررة... ثم توقف عن القدوم..لم أعد أفكر فيه، لكنني لاحظت أن زوجي غير مواقفه نحوي...يبدو صامتا.. مشغولا.. لا يتقبلني أبدا.. ورغم أنه لا يدخل إلى غرفتي إلا لماما... فقد قررت الابتعاد عن غرفته حتى أعيش وحيدة بعض الوقت.. كنت أسمع كثيرا، في الليل صوت خطوات سريعة، تقترب حتى باب غرفتي.. ثم تبتعد بعد دقائق...وبما أن نافذتي كانت بالطابق الأرضي، كنت أعتقد كثيرا، أنني –أيضا- أسمع تجوالا في الظلام حول القصر... قلت ذلك لزوجي، الذي نظر إلي بنظرات ثابتة لثوان.. ثم رد قائلا:- لا شيء...إنه الحارس..غير أنه ذات مساء، بما أننا أنهينا تناول عشائنا.. "هيرفي" الذي ظهر قويا، منشرحا، تغمره بهجة مقنعة... سألني:- هل يعجبك قضاء ثلاث ساعات في مخبأ لقتل ثعلب، كان يأتي كل مساء، ليأكل دجاجاتي؟...فوجئت... ترددت... لكن بما انه يقدرني وبإصرار غريب، انتهيت بالرد عليه:- لكن بالطبع يا صديقي...يجب أن أقول لك بأنني أصطاد مثل الرجل: الذئب، والخنزير البري... فكان من الطبيعي أن يقترح علي هذا الكمين...لكن زوجي فجأة انتابه قلق غريب.. وطوال الأمسية.. كان يتحرك.. يقف.. ثم يجلس بقوة...وفي العاشرة، قال لي فجأة:- هل أنت مستعدة؟...قمت، وبما أنه أحضر لي هو نفسه بندقيتي، سألته:- هل أحشوها بالرصاص أو بالخراطيش؟...بقي مندهشا، ثم قال:- آه... بالخراطيش فقط.. هذا يكفي ... بالتأكيد...ثم بعد ثوان، أضاف بنبرة غريبة:- يمكنك أن تبتدعي أن لك برودا نفسيا، وانضباطا فريدا...بدأت أضحك...- أنا؟...لماذا إذن؟... هدوء أعصاب، ودم بارد لقتل ثعلب؟...في ماذا تفكر يا صديقي؟...ها نحن ذهبنا بدون ضجة...عبر الحديقة.. كل من في المنزل نائم.. البدر في تمامه... صبغ بصفرة البنايات القديمة... المظلمة... والتي كانت أسقفها الأردوازية تلمع...لم يكن أي صوت يعكر صفو صمت هذه الليلة المضيئة... والحزينة... الهادئة، والبطيئة... والتي تظهر كأنها ميتة... ولا هبة نسيم... ولا نقيق ضفادع...ولا أنين بوم...كان حزن وغم ثقيلان يخيمان على الكل...عندما كنا تحت أشجار الحديقة... أخذتني انتعاشة، ورائحة الأوراق المتساقطة.. لم يقل زوجي شيئا.. ولكن كان يسمع ن ويراقب .. يظهر أنه يشتم في الظلام.. تتملكه من رأسه إلى أخمص قدميه رغبة القنص ، والاصطياد...سنصل قريبا ضفة المرجتين...خصلاتها النباتية ثابتة.. لا هواء يحركها... أو يداعبها... ولكن حركات دقيقة جدا تسري في الماء... أحيانا نقطة تتحرك على السطح ومن هناك تنطلق حلقات وتموجات خفيفة... تشبه تجاعيد نورانية... والتي تكبر بدون نهاية...عندما وصلنا الكوخ الذي سنختبئ فيه.. جعلني زوجي أمر أنا الأولى.. ثم أعد ببطء بندقيته.. وكانت طرطقة البطاريات القوية،تولد في فعلا غريبا... أحس زوجي بارتجافي فسألني:- هل بمحض الصدفة يكفيك هذا الامتحان؟...إذن عودي...رددت بقوة..- أبدا.. لم آت لأعود من حيث أتيت.. أنت مضحك وغريب هذه الليلة؟...همس:- كما تريدين...وبقينا ساكنين...وبعد نصف ساعة تقريبا، وبما أن لا شيء يعكر سكون هذه الليلة الخريفية، قلت بصوت خافت:- هل أنتما واثقين من انه سيمر من هنا؟..." هيرفي" هزته زلزلة، لأنني عضضته...وضع فمه على أذني:- أنا متأكد من ذلك.. هل تسمعين؟..وخيم الصمت...أظنني أنني بدأت أغفو، عندما أمسك زوجي ذراعي.. ووصلني صوته الذي تغير صفيره:- هل ترينه... هناك.. تحت الأشجار؟...نظرت الوجهة... لم أميز شيئا... وببطء أسند بندقيته.. مثبتا عينيه علي... استعددت أنا أيضا لإطلاق النار... الجسد منحن كأنه هارب من شيء ما...تملكني رعب كبير، حتى أنني أطلقت صرخة قوية...ولكن قبل أن ألتفت ، مر من أمام عيني شهاب خاطف، وذوي أذهلني...وأفزعني...فرأيت الرجل يتدحرج أرضا كأنه ذئب تلقى رصاصة...أطلقت صيحات حادة.. مفزوعة..انتابتني لحظات جنون..وإذا بيد غاضبة، يد " هرفي" ، تمسك بحنجرتي..وأسقطني أرضا... ثم حملني بين ذراعيه القويتين.. يعدو حاملا إياي في الهواء...نحو الجسد المدد فوق العشب.. ورمى بي فوقه بقوة..كأنه يريد أن يكسر رأسي...أحسست بشرود..إنه يريد قتلي..وقد كان قبل ذلك قد رفع قدمه فوق جبيني...وإذا به هو أيضا يرفع إلى أعلى.. ويلقى أيضا، دون أن أفهم ماذا يجري لدي أيضا...انتصبت واقفة فجأة.. ورأيت " باكيتا" جاثمة فوقه، والتي تلتصق به كقطة غاضبة... نافثة شعرها... والهة.. منكمشة.. تقتلع خادمتي لحيته... وشنبه، وجلد وجهه...ثم ، كأنها تملكتها فجأة فكرة أخرى.. وقفت ، وارتمت فوق الجثة ، وضمتها بكل ذراعيها، وقبلتها بين عينيها.. وعلى فمها.. فاتحة شفتيها الميتتين، باحثة فيهما عن رعشة، ونفس.. ولمسات عشاق عميقة...وقف زوجي، وهو ينظر المشهد الذي أمامه...فهم الأمر.. وخر أمام قدمي:- آه... معذرة يا حبيبتي... لقد شككت فيك... وقد قتلت عشيق هذه الفتاة..إنه حارسي الذي يخونني...أنا..كنت انظر إلى القبلات الغريبة لهذا الميت، وهذه الحية..ودمعاتها ن ونحيبها...وحرقة حبها المفقود...ومن هذه اللحظة..فهمت أنني لن أكون مخلصة لزوجي...نص نشر في (جيل بلاس Gil Blas) ليوم 28 يونيه 1882 تحت توقيع: دو موفرينيوز De Maufrigneuse | |
|
مصطفى رضوان مشرف ..عضو حركة الحواس الخمس الأدبية
عدد الرسائل : 948 تاريخ التسجيل : 22/05/2008
| موضوع: رد: اعترافات امرأة الخميس مايو 12, 2011 11:38 pm | |
| شكرا لك أخي محمد
لقد استمتعت معك بقراءة هذا النص الجميل تحياتي | |
|