بيت فاطمة
المجتمع يتجدد ويتطور.والمظهر العمراني للمدينة يتزايد.وتحافظ المدينة على الهدوء والطمأنينة.كل سكان ذلك الحي تقريبا رحلوا من بنائهم القصديري الى مساكنهم الجديدة بالحي الجديد.انتقلوا من تكدس جماعي عرضي الى تكدس جماعي شاقولي.وبقي المنزل الشامخ وحده متهاويا.كان هذا المسكن شاهدا على العهد الاستعماري القديم ،وفرضت عليه الحماية في عهد القيادة الجيدة.لكن اجله اليوم قد حل،وجاء قرار هدمه غدا قرارا مريبا. كان الامر مركزيا وينبغي تنفيذه دون مناقشة.جاء ذلك عن طريق القائد.كان قد اشار براسه فقط الى المقدم والشيخ بان يوصل الخبر الى صاحبة المنزل ليتم التنفيذ غدا.
كانت الغرفة التي اشتراها زوجها ضيقة للغاية.لم ترث عنه منزلا وانما براكة صغيرة لا تكفي لكل افراد الغرفة الا اذا استووا على ظهورهم او استلقوا جانبا. لم تنم فاطمة هذه الليلة.باتت تتقلب في جحرها الواسع.تسوي الغطاء على ابنائها ثم تنزعه عنهم لان درجة الحرارة ترتفع تدريجيا في البيت.كانت تنهض لترتب بعض الادوات المنزلية في البيت لعلها تحصل على فضاء يتسع لابنائها. انها اواني طبخ فارغة وطاولة خشبية قد تاكلت كل جوانبها وتنبعث منها روائح نتنة.طاولة ماتت فيها روائح الخضار واللحم.كان الفراغ يعم في البيت.لا شيء.نام الاطفال بجسد منهك.وولج اولادها جنة الحلم جائعين لان فراغ البيت كان يدور في فراغ الأفئدة.قاومت الليل طويلا وهي تنظر الى الجوع والعري والحزن الذين كانوا يتربصون باجساد اولادها النحاف.ولكنها استسلمت اخيرا الى النوم. فجاة ،سمعت احدا يدق على بابها .كانت دقاته رفسا وركلا وهو يصيح:
- فاطمة ،اخرجي.قامت السيدة فاطمة ودموعها تسبقها.وقفت بكل ما تحمله من جروح.مشت داخل البيت وهي تتمايل يمينا وشمالا تتخطى ابناءها.كانت تظن ان احدا جاءها بقطعة حليب او قطعة لحم سيفرح لها الابناء .كفكفت دمعها وكحلت عينها وبسطت شعرها الطويل الاسود لتذوب كليا في الظلام.فتحت الباب ومدت يدها في ادب وسلمت بصوت مبحوح.سمعتها تقول:
- انا ايضا من النساء الجميلات...ساتزين ان اردت بالمساحيق واورد وجنتي بالحناء والمراهم....لكن الرجل الذي كان يزورها على الدوام في اوقات معينة من الليل،كان يرد عليها بقسوة لا مثيل لها:
-انا اليوم جئتك لشيىء اخر يا فاطمة.اسمعيني جيدا.الغد هو فاتح يونيو،وقد تقرر الشروع في هدم منزلك العتيق.ويلزمك غدا الافراغ قبل مجيىء السلطات لذلك.هذا كل شيىء. فقالت له:
- كيف ايها الرجل المعاند؟كيف جئتني بلا اسم وتخبرني عن زمن لم اكن اتوقعه؟كم جبت بي اطراف هذا المعمور واليوم نامرني بالرحيل.وزاد في صبرها قائلا:
- يا امراة،ان ذلك صحيح، كم اهديتني من كنوز مجراتك،وكم اعطيتك من هدايا؟ولكن انه المخزن يا سيدتي،انه المخزن.ادخلي الان بيتك،فلا وجل عليك ولا مخافة على اولادك.رجعت فاطمة الى بيتها الضيق مرة ثانية واستلقت فوق فراشها.سوت الوسادة وقلبتها عدة مرات دون ان تنام.كانت تفكر في حياة اخرى ستعيشها بعد مشروع الهدم.في الغد،جاء كل الطاقم المخزني في جو من الهدوء مسلحا بكل الياته.وجاء القائد ورئيس الجماعة وكل المخازنية ورجال الدرك والامن والوقاية.وامام هذا الخطب المهول ،اجتمع كل اهل المدينة يحملون شعارات مدوية ضد رجال المخزن ورافة باسرة فاطمة.كانت تنظر الى شقوق المنزل وتتعهد يترميمه.فهي ليست الان على استعداد لاقتناء منزل جديد.امام لغط العمال والناس وزمجرة الاليات،وقفت بكل ما تحمل من جروح وهي تدرف الدموع على خديها ،ثم استوت على الارض تحت صراخ وعويل لا تستطيع الموسيقى ترديده.وبعد حين،اعطي الامر.فكنت اسمع اصوات العمال تتعالى:
-الاول:هيا لنخرج اثاث المنزل.
-الثاني:يبدو ان المنزل فارغ .هيا لنهجم على البيت من كل الجوانب.
-الثالث:اني رايت في بعض الافلام ان العمارات تهدم بالديناميت.
لم تعودوا تحشمون او توقرون احدا.اسمعوا ايها العمال،عندما تنتهون ارفعوا شعار:اللهم صلي وسلم على سيدنا محمد رسول الله.
-الشيخ :هيا اهجموا عليه كسربة الخيل في مواسم التبوريضة.عندما تهاوى البيت.كانت فاطمة تردد :انا لا ارغب في اي شيء،اين ابنائي؟ما مصير اولادي؟...كان الناس يصبرونها على فاجعتها بعد ان هدم بيتها وتفرق المخزن من حولها.
انعنيعة احمد