كهل ترملت أمه وهو في المهد.فجعلت حياتها وقفا عليه وعلى مستقبله.حافظت على متجرأبيه الهالك حتى كبر فسلمته إياه.كانت له في نفس الوقت الأم والمعلمة.ربته أحسن تربية,علمته أصول التجارة وإدارة المال والاعمال, فنفذت الوصية بأمانة واخلاص .عرفانا لها بالجميل عزف عن الزواج وأدار ظهره للنساء والحياة العاطفية.لم يسبق أن شد إنتباهه جمال فتاة ولاحركت مشاعره الخاملة إمراة حسناء.لكن هذه المرة شيئا ما استفاق بداخله من سبات عميق .خفق قلبه بشدة,علت محياه حمرة,وأحس بحرارة في أذنيه وبرودة في يديه.كان ذلك لما التقى بجارته الجديدة أول مرة عند باب العمارة.تسمرفي مكانه ينظر إليها تتهادى في مشيتها وتتمايل كبطة وديعة,مسح جغرافية جسدها بعناية ,ومن حيث لا يدري اقتفى خطواتها وهي تصعد سلم العمارة درجا درجا.
كح ! بصبص ! .حاول عبثا لفت إنتباهها ,لا جدوى!.دخلت الشقة واوصدت الباب خلفها غيرآبهة به.لحظتئد,استعاد رشده ولم يدر حينها كيف انجدب إليها كما ينجدب الذكر للأنثى في البراري في موسم التزاوج.عاد أدراجه إلى البيت .دخل حجرته وأغلقها عليه باحكام.لم يتوقع نفسه يوما ما في مثل هكذا موقف محرج,ولم يجد مبررا لسلوكه الطائش واللامسؤول.بينما هو يجدال نفسه اللوامة وقع بصره على مرآة.نظر إليها بامعان كانه يتفقد حاله لأول مرة في حياته.بدت له تجاعيد تعلو تقاسيم وجهه ,شعرتخضب بالشيب , وجسم مترهل .زفر زفرة عميقة مشوبة بالحسرة والأسى على ما فاته من زهرة الشباب.تبدت له حياته كئيبة راكدة كماء المستنقع وتكشف له إنسان بداخله تواق للحياة الناعمة. شعربغبن شديد وفراغ عاطفي قاتل يقوض أنفاسه . تولدت لديه قناعة أن هناك أشياءا أخرى في الوجود أحق أن تحيا وتعاش.فجأة سمع أمه تناديه مسائلة:
¨ لماذا عدت ؟ لم لا لم تفتح المتجر؟ ¨
فرد عليها مجيبا :
¨ لا شيء أمي .عدت لآخذ بعض الاغراض ¨
فكرمليا في الامر واتخذ قرارا حاسما غيرمجرى حياته.أخذ له اجازة مفتوحة وبدا له الاعتناء بنفسه ومظهره أكثر.اقتنى له ملابس جديدة وبدلة رياضية كاملة وقارورات عطر من النوع الممتاز.لاحظت الأم التغييرالمفاجئ الذي طرأ على سلوك ابنها.سرها الامروفرحت له كثيرا.اغتنمتها فرصة لتعرض عليه من جديد الزواج بابنة عمته التي طالما حدثته عنها وعن جمالها وحذاقتها.أما هو فكان له رايا آخرا.لم يبد يوما إعجابه بها.كان كلما زارعمته وجدها غير مهتمة بزينتها ,دائما مشعتة الشعرمنغمسة في أعباء المنزل بتفان وإخلاص.إن كان في الكون فتاة يحبها فهي تلك الجارة ¨ البطة ¨.لقد أحبها فعلا من النظرة الاولى وصارمتعلقا بها أكثر.إنه يريدها زوجة له ويتطلع إلى حياة سعيدة معها. كثيرة هي المرات التي تمترس عند باب العمارة ينتظرها لكنه لم يصادفها مرة ثانية بعد.غابت فطال غيابها .فأمسى كئيبا عليلا. لقد ملكت عقله ووجدانه.في بحرهواها هائما كل يوم وليلة.
ذات مساء,بينما هو يتجول في المدينة.اذا بانشوذته في تبرج وزينة على قارعة الطريق يكلمها هذا وتكلم ذاك وضحكات وقهقهات مع كل من هب ودب.ظل يرقبها وقلبه يتمزق إربا إربا.تتوقف سيارة,تصعدها ثم تختفتي عن الأنظار.وقف مشدوها لا يلوي على شيء .كاد قلبه ينفطر كمدا ,يتاوه في صمت,بداخله بركان من الغضب يكاد ينفجريلعن الحب وسيرة الحب .أحب كمراهق ,كره كمراهق.حب أحادي الجانب. سرعان ما تبددت غيومه وسرعان ما انهارت قصورأحلامه الوهمية.راجع شريط تطورات الأحداث .حكم عقله , دفن حبه, ضحك من نفسه وقال:
¨ إنها أوهام وأحلام مراهقة .¨
تذكر نصيحة أمه الغالية.فتراءت له ربة البيت المعتكفة.تهلل وجهه واستبشر خيرا.