فرح مغتصب
في ظل قيود اجتماعية قسرية، أرغم الرداد على الزواج من ابنة خالته شامة ، النحيلة التي لم تسعفها نحافتها للتربع على قلوب شباب الدوار .
لم يتوان في قبول طلب أمه فهو مشهود له ببره اتجاهها . سيسمع هذا الخبر قبلي وبحري وفي الشعاب والحقول، حتى مشارف زاوية سيدي إسماعيل.
هل هي رغبة الخلافة ؟ أم ضمان لتلك الدريهمات البائسة ، التي يلقيها في يدي أمه ليلا ؟ أم أنها الأعراف ، التي تجعل منه وماله عبدا لها ؟
ازداد كدحه في طلب الرزق مادام يعلم انه مقبل على الاحتفال بليلة العمر ، فالعرس حدث مقدس في مخيلة ذويه . لقد تجند الكل بحماس بالغ ، منهم من يملأ الجرار بالماء ، ومنهم من يكسر الحطب .بنيت الخيمة الكبيرة المرصعة في ألوانها الخضراء و الحمراء، التي توحي بالأفراح عادة.
بدأت شمس الغروب تنور قبة الولي سيدي مبارك بحمرتها الفاترة . فتنعكس كحناء في قدم امرأة طافحة بالشهوة، مستعدة للقاء بعلها في هذه الوحشة القاتمة.
استرسلت سيول الوافدين على البيت. فقام الجميع بالواجب، لينتشوا من رحيق النجوى. فيذوب الغناء وسط الإنشاد، محدثا سيمفونية التوحد والتعايش المثيرين.
تخطو أمه بخطواتها الرشيقة، جامعة تلابيب قفطانها ، كتلك النملة الصيفية المبتهجة بعملها أثناء الحر الرهيب . لتخرج لاستقبال العروس ، المنقولة في عربة يجرها حصان ادهم ، وقد لف بالنعناع حول لجامه . وتختلط زغاريد أهل العريس ، بغناء أهل العروس اللواتي يحفزن السائق على الإسراع:
الكرويله واسيري هاه
الكرويله واسيري هاه
عودها يجذب
وملاها يعجب
لعبي يا لالة دوارك هادا
دوار الزين عمرو ما يتعادى
خرجوياولاد الدوار
خرجو شوفو النوار
ينزع السائق عمامته، ليلقي بها على الأرض من فرط النشوة. ويصيح بأعلى صوته : " دكوه ادكالة دكوه "
تعود أمه فتحث النساء على الإسراع، لإعداد الطعام في البيت الفاحم، الذي يتصاعد دخانه في الفضاء راسما لوحاته البديعة. ومشيرة بيدها إلى الأخريات بالجلوس. وتروح أحيانا إلى الخيمة، لتصفق على إيقاع الغناء وتلج البيت الأخضر للظفر بلحظة روحانية تذكرها بالآخرة ، خاصة بعدما يشرع الفقيه سي إبراهيم ولد السايب في ترديد أمداحه :
الحجاج إلا مشيتو
بالزربة ميلو علي
توضاو في بير زمزم
وصليو في بورقية
لتكسوها حرقة داخلية، فتدمع عيناها من فرط التقصير في حقها الإيماني. لكنها سرعان ما تستبشر بعدما تشرع حليمة بنت عبد الكبير في الغناء بصوتها العذب ممطرة ابنها بالثناء :
خلي الرداد وخيو ليحافظو جدو
يتوحد الجميع في هذه الليلة المباركة. فأولموا، وغنوا، وسكروا، وصلوا، وتذكروا .
أما الرداد، قد جلس نشوان في طقوس ملابسه البيضاء. منصاعا للحظة الترقب سيفض بكارة شامة، ليثبت فحولته. لقد خاب أمله إنها فاقدة لعذريتها. فانسل ليهيم في الأمصار مودعا تلك القيود إلى الأبد.
أما العرس مازال مزمجرا بغنائه و أمداحه. منتشيا لوعة الفرح المغتصب .