بسم الله الرحمن الرحيم
حتى لا نبسط الأمور
للدكتورة:صباح بلحيمر
يواجه المسلمون مشاكل و صعوبات كثيرة كغيرهم من أبناء شعوب هذه الدنيا , فيلتمسون حلولا تلو حلول تخرجهم من هذه المشاكل أو تخفف منها, فيجدون أفكارا مطروحة تزعم بأنها تفي بالغرض , ومنها العودة إلى دينهم و الالتزام بأحكامه لأن كل ضيق يمرون به في أنفسهم أو في دنياهم إنما مرده إلى الابتعاد عن دين الله, و التصالح معه كفيل بجعل الدنيا تأتي منقادة إليهم, مستشهدين بقوله سبحانه ( ولو أن أهل القرى آمنوا و اتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء و الأرض و لكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون) سورة الأعراف آية 95 وخطر الذين يعرضون الدين بهذا التبسيط, لا يقل خطرا عن الذين كانوا يضعون أحاديث كذبا على الرسول الله صلى الله عليه و سلم,تبالغ في وصف النار و في و صف الجنة ترقيقا للقلوب, لتخشى يوم العقاب.
هم يلتقون في الإساءة إلى حقيقة الدين الناصعة, الكفيل بمنهجه و أسلوبه في اجتذاب القلوب و العقول, لا يحتاج إلى تبسيط أو مبالغة في الوصول إلى أعماق النفوس و تحريك الأفراد, و العبرة بالنتائج.
إن طريقة الإسلام في عرض نفسه على البشر هي غير هذه الطريقة,لأن الدين ينبغي أن يتبع لأنه دين أي شيء يعتقده الإنسان ويدين به على أساس أنه الحق الذي يطلبه,لا لأنه سينتفع من ورائه إلا بقدر ما ينتظرمن الحق أن يكون مثمرا لصاحبه و للناس.
فالذي يؤمن بهذا الحق,يؤدي واجبا يمليه عليه إخلاصه في طلب الحقيقة, و إخلاصه في استعمال قدراته النفسية و العقلية, و سوف يؤدي هذا الإخلاص في طلب الحقيقة و إقامة الحق لمنافع كثيرة سلوكية و نفسية ... لكن الدنيا ستبقى هي الدنيا, لن تتحول إلى نعيم خال من المشاكل و الصعوبات ,ولن يضع عنها الحق سبحانه خصائص الابتلاء لهذا الإنسان ,ولن يرفع الله سبحانه عن الإنسان حكم الإنسان الذي يخطئ و يصيب, و لن تتحول الخصائص الإنسان السلبية إلى طاقة إلهية.
فالدنيا ابتلاء للمؤمن تستثير طاقته بتحديات البشر و تحديات الكون, فيتباين في مواقفه إزاء المثيرات و التحديات قال سبحانه(ونبلوكم بالشر و الخير فتنة و إلينا ترجعون) سورة الأنبياء آية 35.
وقال سبحانه أيضا (وقطعناهم في الأرض أمما منهم الصالحون و منهم دون ذلك و بلوناهم بالحسنات و السيئات لعلهم يرجعون)سورة الأعراف آية168
و الله عز و جل لن يعطل سننه الاجتماعية و الكونية من أجل المؤمنين لمجرد أنهم مؤمنون, فقد قال سبحانه في قول قاطع و صريح بأنهم لن يدوم عليهم النصر لمجرد إيمانهم (ولو يشاء الله لا نتصر منهم و لكن ليبلوبعضهم ببعض ) سورة محمد آية 5.
و قال أيضا ( إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله و تلك الأيام نداولها بين الناس) سورة آل عمران آية 140.
]فالدين ليس عصا سحرية تحل المشكلات,إ نما هو بيان و حكمة تعرضان على العقل ليتفهمهما و يعمل بهما , فيحتاج إذن إلى إعمال العقول و كدها في طلب المعرفة بحقيقته, و حقائق الفطرة و النفوس و المجتمعات ,و قوانين الكون المادي , لأن النصوص الشرعية محدودة في مصدرية الكتاب و السنة, تواجه وقائع متجددة أو عقولا مختلفة, و تركت مساحة للاجتهاد في المسكوت عنه, إلى جانب الاجتهاد في فهم ما تناولته الأحكام في تطبيقها, و العبرة في مواكبة الأفراد و الجماعات لهذا السعي الجميل الذي يساير ركب الحضارة الإنسانية و يواصلها, وفي السعي لطلب الحقيقة.[/font]
و هذا يعني بدل الجهد و التوسع في فهم الدين و تطبيقه على الدنيا, و معرفة بالأصول الجليلة التي توجه إلى العلم بالكون و العمل فيه, وإلى استثمار الثروات و الموارد فيه, و تنمية الضمير و الفكر و الطاقة الإنسانية بالإيمان بالله عز و جل.
فهذه الطاقة تتضاعف بفضل الإيمان و تحقق نتائج باهرة,بفضل متابعة العمل و الإيمان الصادق دون تخلف أحدهما,فإن كانت طاقة المؤمن تتزايد على العمل بحكم إيمانه, فإنه إن توانى أو تكاسل أو تواكل لن يحابيه الله, لأن نواميس الله في الكون لا تحابي أحدا, قال عز من قائل (ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا) سورة النساء آية 122.[/
وقد تتخلف البركات المادية في الحياة الدنيا بالنسبة للمؤمنين, و لكن تظل بركات اسكينة النفسية و الطمأنينة و جزاء الآخرة الذي هو خير و أدوم,قال سبحانه (ولنبلوكم بشيء من الخوف و الجوع و نقص من الأموال و الأنفس و الثمرات و بشر الصابرين)سورة البقرة آية 154.و انطلاقا من هذا يمكن القول بأن الإيمان وحده لا يمكن أن يحل المشكلات.