حديث الصمت
بسمة خافتة
جفون مثقلة
بصمات قلم
دموع
تعلو
بحر
عينين جامدتين
رأس ناكس
يهفو
لسعف نخيل
في هذه الصحراء..
في هذا الصمت المدقع
الا
من دقات
ساعة حائط
تحكي
عن جنون المساء
الساعة
تدق
وتدق..
الساعة
تشير )5 )
الى كل ما في الحجرة
بالصمت
الا انا
الساعة
توشك
على الاحتضار)
تك ..
تاك..
تك..
تاك..
الساعة
أجهضت
من وحل
في الامصار
طوى
التثاؤب
شفاهي
كأجنحة
قمرية متسولة
ولم أجد بدا
من أن أعانق
لظى الصمت
مرة أخرى
وأبدأ
السفر من جديد
الى صبح بعيد ..]
بسمة خافتة
هكذا افتتح شاعرنا محمد مقتدير قصيدته حديث الصمت .وعلى ذكر هذا الشاعر المتفرد .لن تفوتني الفرصة قبل الدخول في القبض على تجليات القصيدة .حتى أسلط ولو قليلا من الضوء على نفسية .وحياة هذا الشاعر الجميل .للسادة محبيه ومتتبعي أعماله الشعرية .وللذين لم يسبق أن تعرفوا عليه .وعلى منجزاته الابداعية .
انه الأديب ..والشاعر العصامي الذي كون نفسه بنفسه .بعد مغادرته للتعليم .وهو لم يتجاوز قسم البكالوريا شعبة اللغة الفرنسية
من مواليد مدينة الدار البيضاء "الغول" كما وصفها في احدى قصائده
متزوج وأب لطفلين
تعرفت عليه وبالصدفة باحدى الشركات الوطنية .اذ كنا قد عملنا بها بعض الشهور .
شخصيته متزنة ..ملتزم بمبادئه .وبحبه لبلده
له من المخطوطات الشيء الكثير .لم يكتب لبعضها الطبع والنشر .وذلك لعراقيل مادية يعاني من تبعاتها أغلب المبدعين المغاربة .
بسمة خافتة
هو مفتتح القصيدة الانسان .القصيدة العنوان .عنوان وجدان الشاعر .الذي يختزل وطنه الأم في الذات .وهو عبارة عن أكوام من الآهات التي تجتر شاعرنا في محطة الانتظار .انتظار وطن الحلم .الحلم المستحيل .المتحقق فقط في حلم الخيال .حلم الخيال الذي بدوره مطهد في طابور الانتظار.
بسمة خافتة
جفون مثقلة
بصمات قلم
دموع
تعلو بحر
عينين جامدتين
رأس ناكس
الصمت المدقع
جنون المساء
الساعة توشك على الاحتضار
الساعة اجهضت من وحل في الأمصار
لظى الصمت
كلها كلمات قضت قطعة .قطعة .من لظى الذات .كما لو أن هذه الذات المعاصرة أضحت محمومة بالحروب اليومية المتسلطة .وحين بحتها عن انا الآخر الذي يتوق لذات متعلمة .لذات مثقفة .لذات تساير مفهوم تجليات الحذاثة .وما يجري حولها من متناقضات .
غير أن الركض..والزحام اليومي لبني البشر في اتجاهات تافهة .تسد جميع المنافذ للباحث المبدع .والمتلقي .عن غد أفضل غد .ينعش آمال ..وتطلعات كل من حمل هم التغيير والحصول على المواطنة الكريمة
ومحمد مقتدير الشاعر والانسان واحد من الفرسان الذين تحملو هم التغيير مبكرا .غير أنه وهو الآتي من طبقة الحضيض المسحوقين بنعال التاريخ لا يجد مفرا من معانات مجايليه من أبناء مجتمعه .الذين يركنون في لظى الصمت مثله .لاحول لهم غير التشبت ولو ببصيص من الأمل .
أبناء ..أو مجتمع كانوا فيما قبل يعانون من الهيمنة الاستعمارية الاجنبية الغاشمة .
وهم الآن يعانون من كل أشكال الاحتكار والاحتلال للمناصب المهمة من طرف اخوانهم في الدم ..وفي العقيدة .
وهي احتكارات بالجملة
احتكار لكراسي السلطة
احتكار للوظائف الراقية
احتكار لمتاجر البيع والشراء
احتكار للشركات المصنعة الكبرى
احتكار ل.................
ونحن المغلوبون على أمر دنياهم لم يتركو لنا سوى الحرف المهملة .كالبناء مثلا وأشغاله الشاقة بأجر بسيط .
رأس ناكس
يهفو
لسعف نخيل
في هذه الصحراء
في هذا الصمت المدقع
الا
من دقات
ساعة حائط
تحكي
عن جنون المساء.
ماذا عساه أن يجني هذا الرأس الناكس في درب الحلم ..والمكان هاهنا شبه صحراء لامعين بها ولا زاد فقط ساعة وجدان توشك من فرط الكلل المجهد .على الاحتضار
مكان استسلم للفراغ .كصمت القبور بعد أن أعيته السنون العجفاء .
لكنه ولشكاسة روحه وبالرغم من التثاؤب المحيط به فانه يتجدد كنهار يافع ..نشط لم يزل في أول البدايات كأنه لم تصرفه نتائج النهايات .أو كأنه لم يجرب ساحات الوغى .
سرعان ما ينسى آلامه .وجراحه ويعلن للعالمين عن سفره الأبدي من أول المتاهة الى آخر اليقين .
وهو الحرف الذي يسع من بين ثنايا الظلام.
كواحد من الكثيرين من أبناء طبقته المدانة ..الذين لا يزالون على العهد القديم يناوئون سلطة المكان بكثير من زاد الصبر الحالم.
طوى
التثاب
شفاهي
كأجنحة
قمرية متسولة
ولم أجد بدا
من أن أعانق
لظى الصمت
مرة أخرى وأبدأ السفر من جديد
الى صبح ببعيد.
لنقل هو قدر الشاعر .هذا السفر المتوغل الى الأعمق الى محو الأسئلة بأخرى والتقصي خلف تجليات الغيبيات .وما تحمله بطون الاشياء .فهو الغريب في ذاته لا يستقر على حال متناوش دائما مع المحيطات والاشياء التافهة التي تكرس للتأخر الفعلي .
فقط ومن خلال عشقه للكلمة المنمقة .الكلمة التي تنصهر في لون الحداثة مبنا ..وشعرا .فهو في هذه القصيدة يكرس لتجربة تحمل بوادر التجديد في القصيدة العربية الحديثة .كباقي العديد من مجايليه بعبدا عن الصراعات الوهمية لتقويض أركان الانسان ولغة مخاطبه وخطاباته الاجتماعية والفنية والحديث بلغة الشعر .لا بلغة السياسة .اللغة المتنفس .اللغة الام التي تربي على مدى العصور أجيالا من البشر .والتي بدورها تتجدد في ولادة كل لغة على أيدي مفكرين آثروا حب الكلمة الهادفة.
كلماته مختارة بعناية مركزة من أول حرف خطه على لوح القصيدة الى آخر حرف بنظرة ثاقبة .نظرة تعرف كيف تنتقي الحروف والكلمات ووظعها في المكان المناسب بدون أدنى تكلف .مختزلة .مهدبة .وغير فضفاضة أبيات تسافر الى الاعمق مباشرة .فتصيب الهدف غير مملة وخالدة بخلود الكلام الصادق والمبني المتكامل والمبدع .
آخدا سعره مبنى الحداثة التي غيرت في بنية القصيدة مع التفعيلة .واستحدثت نغمة ..وايقاعية خاصة في عفويتها ومجارات جرسها الموسيقي مكرسين التجديد بكل أبعاده المستشرفة .مراهنين على غد للغة المتفجرة مبنا..ومعنى .
ومحمد مقتدير الشاعر والمفكر في هذا النص المنحى منذ البداية كأي مفكر يحمل رسالة خاصة لم ينجدب الى القصيدة التقليدية بقدر ماأحبها كموروث عربي وانساني يجب الاعتراف به والغرف من منابعه كلما دعت الضرورة اليه حاملا منذ البداية علامات عقد العزم على التجديد .وهو وبفضل من حنكته .وحنكة اخوانه في درب التجديد في القصيدة العربية الحديثة .استطاعوا أن يتجاوزوا كل أشكال التخلف الفكري والانماط الابداعية الباردة .
نعم بالفعل هنا وهناك أنماط ابداعية فاشلة وباردة المعنى يتاجر بها الان في الساحة الادبية مؤطرة من طرف سماسرة النشر والتوزيع .لهم علاقات سياسية يشغلونها لصالحهم .ضاربين بعرض التخريب كل ما هو ابداعي متحرر من اديولوجياتهم يهدف الى تجديد المصطلح .الموضوع والمبنى الشكلي لكل المنجزات الابداعية .
وبالاضافة كذلك الى زعزعة مخيلة القارئ وعدم ترويه الاجابي من كل أشكال الحداثة المتميزة .
هذه الابداعات الباردة المعنى والاخرى المتألقة لهم سجالات قديمة تود كل واحدة أن تنتصر لطبيعتها في غياب نقد جاد وموضوعي .
وفي غياب كذلك لكل حوافز التشجيع والدعم المادي .المتواصل فان هذه الصراعات لن تنتني عن عزمها .وستظل هكذا مخلفة وراءها كما هائلا من المنجزات الابداعية وللتاريخ كلمة الفصل فيما بينها ]