الكف و الأغنية جنة جنة جنة
..... يا وطنّا
.... يا حبيّب
يا بو تراب طيب
حتّى نارك جنة
فريدة تجلس جنبي بكامل زينتها، تنظر من زجاج السيارة و هي تدندن بالأغنية. تصاحب اللحن الخليجي بنقرات أصابعها الطويلة البيضاء المضمّخة أظارفها بطلاء أحمر زاهي يناسب فستانها الصيفي المشجّر بشقائق النعمان على محفظتها الجلدية نقرات خفيفة.
كيف يسمى هذا النوع من الشجر؟ قالت و هي تشير بيدها إلى الغابة المحيطة بأسفلت الطريق.
البلّوط.
ضحكة.
و هل تظنين أني قادمة من واشنطن؟ أعرف أنه البلّوط. أقصد بالعربية الفصحى.
الفلّين. هذه غابة معمورة أكبر غابة في افريقيا.
حقا؟ ألا نستعمل صيغ المبالغة لاستفحال مرض التباهي فينا؟
هذا أيضا. أو ربما كانت الأكبر و لم تعد كذلك. انظري إلى الحالة البئيسة للأشجار. لا يعتنون بها مطلقا و يستغلونها أبشع استغلال.
أوه! يا إلهي! تلتقط المصورة و تبدأ في أخذ صور لأشجار مقطوعة و أخرى ترتفع جذورها المليئة بالتراب الأحمر و النباتات الطفيلية إلى عنان السماء.
من فعل هذا؟ تسأل بحدة دون أن تتوقف عن التصوير.
و من غيرهم؟ مصاصي الدماء طبعا. سيبنون هنا منتجعات صيفية راقية.
لماذا تعطيك السيارات التي تسير في الإتجاه المعاكس لنا إشارات ضوئية؟ هل هذه طريقة في المعاكسة؟
ماذا؟ أوه لا فقط ينبهونني أننا قريبون من حاجز مروري.
تضحك فريدة بصخب.
و الله سائقون ظرفاء. و ماذا عليك أن تفعلي؟
أخفض سرعتي طبعا.
صف من السيارات. حافلة متوقفة على جانب الطريق.
أوه! أوه! أوه! تقفز فريدة من مكانها، تكتم صرختها بوضع كفيها الجميلين على فمها:
أرأيت؟ تقول بصوت مكتوم. أعطاه ورقة مالية.
نعم. رشوة. عادي.
تلتقي عيناها بعيني الدركي الذي وضع الورقة في جيب سرواله و بإشارة من يده أعطى الأمر لسائق الحافلة بمتابعة السير.
ارتسمت ابتسامة عريضة على شفتيه و أحست فريدة أنه ينظر إليها بتشفّي. نقلت بصرها جهة الكف العريضة السوداء المثبتة على الزجاج الأمامي للسيارة، مكتوب فوقها بالأحمر: لا للرشوة.
خيّم الصمت.
سأرجع هذا الأسبوع إلى فرنسا. قالت فريدة بعد مدة بصوت خافت.
بقي اللحن الخليجي و كلمات الأغنية تطن في أذني.
جنة جنة جنة
؟؟؟ يا وطنّا
؟؟؟ يا حبيّب
يا بو تراب طيب
آه حتى نارك جنة
...................................
...................................