الكابوس
وقف خاشعا حاسر الرأس أمام قبر أبيه بعد أن تأكد من معالمه القديمة، بسمل وسلم عليه وعلى باقي القبور من حوله و قد بدا بعضها دارسا والبعض قد نبشته الكلاب الضالة إلا ما حضي منها بتجديد أو زخرفة . جلس أمام الشاهد الحجري على ركبتيه في شبه ركوع، وراح يتمتم ببضع آيات من القرآن الكريم من تلك التي علقت بدهنه..فقد حفظ القرآن كله على اللوح حين كان طفلا يافعا على يد هذا الفقيه الراقد أمامه تحث تراب هذا القبر لكنه نسي كل ا لأحزاب و السور مع مرور الأيام والسنين.تذكر قولة أبيه المأثورة : " نساتك يا ولدي المدرسة و ملاهي الدنيا سوارك وكلام الله ، الله يرد بيكم و خلاص" . عبارة طالما سمع أباه يرددها كلما شرع في تلاوة آية أو سورة و عجز هو أو أحد إخوته عن تتمتها. تذكر هذا الموقف وهو يرفع يديه و رأسه مغمض العينين نحو السماء متضرعا إلى الله داعيا لأبيه بالرحمة والمغفرة و بأن يسكنه فسيح جنانه.استجمع بعضه ونهض واقفا ،وقبل أن يبرح المكان ،استرعى انتباهه شيء غريب ..، فهو يعرف جيدا أن قبر أبيه بقي قبرا ترابيا بعد أن رفض باقي الأخوة البناء عليه أو وضع أي علامة تميزه خوفا من السقوط في البدعة و المحرم، فمن أين جاء هذا الشاهد الرخامي !؟ ألم يكن قبل قليل مجرد حجر عادي كان هو من أرساه في مكانه لحظة الدفن مند سبع سنوات و للتأكد أكثر ، تفقد جنبات القبر ..هذا هو موضعه ..محاط بخمسة قبور لأطفال صغار و نبتة سدر يانعة الاخضرار عاد وركز عينيه على الرخامة من جديد و راح يقرأ ما نقش عليها بخط أسود مضغوط كـأن يدا سحرية قد تفننت في زخرفته قبل لحظات هذا قبر الكاتب الكبير المرحوم...... تغمده الله بواسع رحمته وقد توفي بتاريخ....... و إنا لله و إنا إليه راجعون. لهول ووقع ما قرأo بدا كمن أصيب بنوبة صرع أو جنون ، كان لحظتها يلف حول نفسه و يتحسس أطرافه وحروفه، و وجهه، وشعر رأسه بحركات هستيرية كمن يبحث عن شيء عزيز قد ضاع في دواخله على حين غرة. ، عبثا حاول أن ينطق لكنه لم يجد صوته. كان كمن يصرخ في بئر عميق سحيق.. أيكون حقا هو صاحب هذا القبر' أهذه العظام الرميم الراقدة تحت هذا التراب هي عظامه متى ..؟و أين ..؟و كيف و لماذا مات...و من يكون هو الآن في هذه اللحظات الرهيبة...؟؟أسئلة مختنقة كان يحاول الصراخ بها بصوت عال ،لكن لسانه كان قد أرتد إلى حلقه ،فلا هو استطاع الصراح و لا قدماه أسعفتاه ليطلق ساقيه للريح هروبا من هذا المكان الطلسم . سقط عند أول خطوة في اتجاه بوابة المقبرة وهو يلهث و أنفاسه تتقطع. وحين فتح عينيه فجأة على إثر صوت رخيم كان يناديه وكف ناعمة كانت تهدهد رأسه، و جد زوجته بالقرب منه على حافة السرير و هي تبسمل و تحوقل وتمسح العرق المتصبب من على وجنتيه و تدعك جبينه بلطف محاولة أن تهدأ من روعه ومن هول هذا الكابوس المرعب .. نهض من على السرير وقلبه يكاد ينط من قفص صدره ، لم يرد على أسئلة الزوجة الحائرة، اتجه توا إلى غرفة الحمام، غسل وجهه بالماء البارد، و راح يتأمل ملامحه الهاربة في المرآة
j
[لمجيد تومرت / خريبكة / المغرب