كان حلما كان حبا عفيفا طاهرا طهارة الماء المنساب في الغدير بعذوبة المذاق وروعة المنظر وهو يدغدغ أوراق الشجر المتساقطة، ويسقي الحقول المجاورة، فتزداد خضرة وجمالا يسر الناظربن.
عشت ذلك الحلم سنينا خلالها غمرتني سعادة لا مثيل لها، فكنت أتمنى ألا أخرج من عالمي الذي رسمته ولونته بألواني التي أفضلها وأعشقها، ذلك العالم الذي كاد يصبح في مخيلتي حقيقة واقعية، إلى أن اتت زوبعة قوية، أقوى من حلمي ، من خيالي، من حبي الكبير.
شائت الأقدار أن يكون حبيبي عريسا لغيري وألا أكون أنا سوى متفرجة متسائلة: هل هذا حفل زفاف أم مسرحية؟ هل هذا واقع أم خيال؟ هل ماكان بيننا حب أم له إسم آخر أنا أجهله؟ كنت حاضرة شبه غائبة.
حضرت عرسه لكني لم أحضر جنازته ظنا مني أنه قد مات بالنسبة لي يوم تركني، يوم وضع خاتما في أصبع غير أصبعي، يوم قبل جبينا غير جبيني، يوم أقفل عليه باب غرفته مع عروسه وبقيت أنا خلف الباب ألملم جروحي في صمت محاولة إخفاء مشاعري التي تشتعل اشتعال النار في الحطب، فوق كل هذا أرغم نفسي على رسم ابتسامة صفراء على فمي حتى لا يكتشف أمري.
في الحقيقة لم أكن أعرف أنه لم يمت في ذاكرتي وأني فقط كنت أريد أن أخرجه منه لأنه توغل فيها وزرع بذورا من المستحيل استئصالها أو حتى نزع القليل منها.
عدة تساؤلات تتراكم في ذهني: لماذا لم أحضر جنازته يا ترى ألأني ما زلت أحبه؟ ؟ أم لأني لم أعد أحبه؟ وإلا لماذا بكيت يوم رحيله وحزنت حزنا شديدا لموته.
بعد موته تمنيت أن أجلس عند شاهد قبره، هذا القبر الذي لم تره عيني ولم تلمس تربته يدي، تمنيت أن أعاتبه وأقول له: لماذا فعلت بي هذا؟ لو أعرف أنك لاتحبني؟ لو نطقت مرة واحدة وقلت بأنك تكرهني، لمحوتك فعلا من ذاكرتي واعتبرتك ميتا في حياتك قبل مماتك.
لماذا أرى صورتك في ابنك... في جدران بيتك ... في حي مدينتك؟ لماذا نزعت إحساس الحب من صدري، لماذا تركتني رمادا باردا لا حرارة فيه؟.
أرجع مرة أخرى إلى نفسي لأهدئها وأقول : ما فات قد مات، أتركيه ينام لا تعذبيه كما عذبك حبه.
ولأني أحبه سامحته وطلبت له المغفرة والرحمة وطلبت من الله أن يلهمني نعمة النسيان.
ملاحظة" هذه أول مبادرة في كتابة القصة أتمنى أن أكون عند حسن ظن أذباء جامعة المبدعين المغاربة الأعزاء. .