العنوان : المسالك الإستقرائية
ومن بعض المسالك الإستقرائية النسج – السرد- البناء:
1/
- النسج .وهو أربعة أقسام
أ- نسج الكلمة على التفعيلة القياسية نحو
دخل أحمد = فعل أفعل ويسمى (النسج القياسي)
ب- النسج على التفعيلة العروضية نحو
دع الأيام تفعل ما تشاء... وطب نفسا إذا حكم القضاء (1)
دعلا ييام متفعلما تشاء
//0 /0/0 //0///0 //0/
مفاعلة مفاعلة فعول
وطبنفسن إذاحكمل قضاء
//0/0/0 //0///0 //0/
مفاعلة مفاعلة فعول
نسج الإمام الشافعي هذا البيت على البحر الوافر ويسمى ( النسج العروضي)
ت – ثم النسج على مستوى اللفظ وهو التداخل والتركيب اللفظي لصناعة الإيقاع والجرس وقد يكون بالكلمة أو بالحرف
أو بهما معا ويسمى (النسج القياسي)
ث - نسج المضمون باحتوائه على الفكرة إذ يجعل الناسج علاقة رابطة بين المضمون والفكرة من أجل وحدة التصور
المؤدي إلى حكمة النص نحو
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى ... حتى يراق على جوانبه الدم (2)
اتخذ المتنبي الشرف فكرة والحفاظ عليه مضمونا حتى أنه أقر بإراقة الدم للحفاظ عليه وهي العلاقة بين الشرف كفكرة
والحفاظ عليه كمضمون ومن تم يكمن النسج المؤدي إلى الحكمة ويسمى (النسج الدلالي)
ـــــــــ (1) من الإمام الشافعي رحمه الله.
(2) من ديوان المتنبي.
2/ السرد وهو التسلسل والانسياب اللفظي على مستوى الكلمة والحرف وما يتعلق بالتراتبية نحوىقول الشاعر الفارس
الأستاذ محمد فكري .
- جودي بما لك من فيض فإنك لي ... فالقلب أدماه بعد الأهل يا أملــــي (1)
في كل ما أرقت تمشي على عجل ... تلك التي خلف أهل النوق والإبل
تسعى هباء وراء الوهم تفتقــــــــــد... معنى الحياة بال فعل ولا عمل
الانسياب اللفظي متسلسل على مستوى الكلمة نحو (جودي) وبها بدأ الشاعر مطلع قصيدته ما دام الجود أصلا لا
فرعا ولذا ترى الجواد الكريم الأصيل شجاعا ولا يمكن فصل الجود عن الشجاعة وإلا كيف للشجاع أن يجود بنفسه
في ساحة الوغى والمقاومة النضالية إلى حد الموت والنفس أغلى من المال وبه يكون الشجاع أكرم عطاء لأن
النفس أهم ما يملك المرء وإن دل قول المتنبي حين قال :
ولا مجد في الدنيا لمن قل ماله... ولا مال في الدنيا لمن قل مجده (2)
فإنما يدل هذا البيت على أن المتنبي ليس بخيلا وإنما هو دليل على طموحاته التي لا يمكن تحقيقها إلا بالمال وهو
وسيلة لا غاية وقد جاء في قول عباس محمود العقاد (من المستغرب أن تجتمع الشجاعة وخليقة الشح الشديد في
بعض العظماء لأن الحرص على النفس أولى من الحرص على المال ) (3) وبهذا قدم الشاعر الفارس كلمة (جودي)
ليأتي بعدها (بما لك) وهي تفيد الملكية و (من فيض ) وهو جار ومجرور إذ تفيد (من) التبعيض وبما أنه قال
(فإنك لي )فهي وما تملكه ملك له ثم يعود فيخبرها لأن القلب أدماه بعد الأهل وأنها أمله وقدم القلب عن (أدماه) و(أدماه
عن بعد الأهل)وفي الظاهر عليه ان( يقول بعد الأهل أدمى القلب ) غير أنه قدم القلب لما عليه من عاطفة تسببت له
في جرح الأهل وأخر بعد الأهل لأن لولا طيبة القلب ما اثر بعد الأهل ولا أدماه وليس كل القلوب بالبعد وإنما هي
خاصية تخص بعضا دون آخر وبه يسمى هذا التقديم ( تقديم الخصوصية) فياتي بالبيت الثاني حيث يقول :
في كل ما أرقت تمشي على عجل ... تلك التي خلف أهل النوق والإبل
في كل جار ومجرور وكل ليست هي بعض وإنما تفيد التعميم والكلية (ما) تأكد تعميم كل وهي أداة إطلاق على
مستوى التعميم والتوسع وقد تفيد الشيء فتسمى ما الشيئية وقد تكون اسما موصولا وقد تكون كل هذه المسميات
فتعرف بالتورية .
أرقت :فعل ماض . تمشي : فعل مضارع - على عجل : جار ومجرور .
تقدم الأرق بصفة الماضي و تأخر المشي بصفة المضارع لأن الأرق سبب المشي على العجل . والمضارع رهين الماضي
أما تأخر (عجل) بحكم العجلة غالبا ما تكون بسبب التأخر .
وجوابا على ما تقدم من الأشطر الثلاثة السابقة يقول الشاعر :
تلك التي خلف أهل النوق والإبل
عرف التي تقدم ذكرها بمن تمشي خلف أهل النوفق والإبل لأن الأهل هم مالكو النوق والإبل تسير بهم وتقف بهم
والنوق قبل الإبل لأنها التي تنجب البعير تلو البعير إلى ان تصير إبلا وهي كناية صورية لمن تطارد الوهم لأنه الحقيقة
وغيره الوهم .
ثم يأتي البيت الثالث ليلخص مبينا قصد البت الثاني في قوله :
تسعى هباء وراء الوهم تفتقد ... معنى الحياة بلا فعل ولا عمل
(تسعى ) فعل مضارع غالبا ما يطلق على من يطالب بالعيش والعمل على كسب الرزق او وصول على هدف معين
(وهباء ) هو ما يبدو كالغبار الدقيق مما تبديه أشعة الشمس من خلال تسرها عبر الثقب أو النوافذ لا يقبض بيد وإنما
يرى ولا يلمس وهو إثارة الوهم وقد ذكر الشاعر كلمة خلف في البيت الثاني بقوله (خلف أهل النوق والإبل )لأن أهل
النوق والإبل كلما تركوا مكانا تخلفهم حيث تنهج طريقهم وتطأ ما وطئوا اما الهباء فلا يخلفه ساع ولا يطلا محله طالب
وكذلك المشي وراء الوهم ولذا يراد بالسعي طلبا بما تريده الساعية إلا أنها وراء الهباء لا يمكنها الحصول عليه ومن
فروسية هذا الشاعر قال خلف اهل النوق والإبل وقال وراء الوهم لأن الوهم شيئ غير ذي حقيقة ولا صاحب واقع محقق
وقد قدم معنى عن الحياة في قوله (معنى الحياة بلا فعل ولا عمل) لأن الحياة بدون معنى عدم ولا حياة بلا معنى كما سبق
ذكره يسمى هذا التقديم (كما يسمى هذا تقديم الخصوصية او الخاصية )
والوهم من طبعه يجعل المرء يائس بلا فعل ولا عمل حيث قدم الفعل لكون العمل لا يمكن أن يكون إلا بالفعل وتلك تراتبية
اجادها الفارس المغوار بما يملكه من قدرة على السرد بكل آلياته التسلسلية والإنسيابية .