كان حامد المحمود جالسا على الرصيف , وقد شاحت عيناه على رجل وطفل صغير يحمل حقيبة المدرسة , وعندما قطعوا الشارع ودنوا منه , سمع الرجل يقول : يا بني عليك بتعلم حرفة الفخار فبدونها لا مستقبل لك , فتذكر حامد هذه الجملة التي كان يرددها عليه والده , فتنهد وطأطأ رأسه ... وعَلا صفير قطار الماضي , فقد بدا حامد هذه الحرفة منذ سن السادسة , واستمر بها حتي أنهى معظم مراحلها , وأصبح " مُعلم درجة ثالثة " في حرفة الفخار , وتذكر ذلك اليوم الذي زُفَ به على أكتاف الأقارب والأصدقاء , وهو يحمل شهادة تثبت هذه الخبرة , وجرة فخار " مصبوبة " مزخرفة بكل كلمات العلم الذي حَصله , فرحةً تلتها سنوات انتظار حتي جاء الفرج في الصفحة رقم 30 من جريدة " الحياة " , فهناك من يطلب مُعلم فخار درجة ثالثة ... , إنطبقت عليه جميع المواصفات , وفي اليوم التالي حمل جرة الفخار وذهب إلى الوزارة صاحبة الإعلان , لم ينتظر طويلا حتى دخل للمقابلة , وعندما رأى الوزير جرة الفخار " مصبوبة " وقشرتها مزخرفة بالكامل , قال له : أنت لا تصلح للعمل , فشعر حامد بغصة تلاها سؤال : لماذا يا سيدي ؟ !! فرد عليه : يا حامد نحن نحتاج لجرة فارغة نملؤها بما نريد ونكسرها متى نريد ...
*****
محمدخير جروان الدرابسة