لطالما سافرت بي الأفكار وحملتني الى عوالم فريدة عجيبة ما كنت أتخيلها الا وأنا جالس القرفصاء أسمع لعروبيات المجذوب الشرقاوي المعروف
"بمول الحمام " وهو يحاور صديق دربه بنفايدة صاحب "الركيلة".كان الشرقاوي يمطر صاحبه بنفايدة بوابل من الأسئلة عن مواطن بعض الطيور والحيوانات وكان هذا الأخير يجيبه بتلقائية وبدون تردد وبين فينة وأخرى يأخذان لهما نفسا عميقا من "النرجيلة "رفيقتهما الدائمة.
الحمامة "منين"؟
الحمامة مكاوية ,فأخالها بيضاء جميلة تطير وتحوم حول البيت العتيق وفي حماه.
الهدهد "منين"؟
الهدهد شامي,فأستحضر قصة الهدهد مع نبي الله سليمان عليه السلام والنملة وملكة مملكة سبأ بلقيس.
بلارج "منين"؟
بلارج حسناوي وفي رواية أخرى قاضي مرتشي ممسوخ,تجدها متعرشة فوق الاسوار والقباب العالية فأحسبها مسوخ قضاة مرتشين.
الجاوج منين ؟
الجاوج مسيوي ربما من قبيل التماهى مع أهل مسيوى في الحذاقة والدهاء وكثرة الكلام ,وقيل مسخ قائد "حرامي"سلب القبائل متاعها وهلك الحرث والنسل .فتختلط الاسطورة بتوابل السياسة فيفوح عبق قدرها لخاصة الناس ولأهل البيان والتبين.
يتدخل أحدهم ويسأل مستهزءا .
لحمار منين ؟
الحمار قنيطري.فتتصاعد ضحكات بغتة دفعة واحدة,لم أدر حينها,أضحك الجمع من من الحمار أم من صهر السائل؟
ينبري متسكع ,ولحمارة؟
فيرد عليه الشرقاوي متهكما,هي أمك.سالت الدموع من الضحك وعمت قهقهات مدوية أرجاء الحلقة جعلت كل من في الحلقات المجاورة يستدير ليتعرف عن مصدرها.
لقد كانا يعرفان كيف يستلان الضحكة من الوجوه الكالحة والشفاه التي ناءت بثقل العيش وقلة ذات اليد ويغزلان من قساوة الحياة ومرارتها مشاهد الفرجة والسخرية.
طبيبطة منين ؟
طيبببطة مراكشية من دمنات .
.لاتكاد تبرح مكانها داخل أسوار المدينة العتيقة شأنها شأن رجالاتها الأقحاح الذين اذا ما قام أحدهم بزيارة لقريب أو صديق خارج أسوارها عد نفسه مسافرا,فلما يعود يقول لأهله اليوم سافرت عند فلان أو علان .ليست بجمالية الشحرور ولا تغريدها بعذوبة حبال طائر الحسون الصوتية أمامشيتها فلاترقي لحيالة "ولد أم قنين ".أحبت المدينة فأحبها أهلها فلقبوها ب"لفقيرة" بركة وتيمنا ومنحوها حظوة عالية دون غيرها من سائر الطيور,حتى أشقى الأطفال لا يجرؤ على قنصها.تقتات على لباب وفتات الخبز الملقى على الحصيرفي الفناء وتقتحم أركان الدار غير متخوفة من أصحابها ولا من عبث الاطفال .لما تغرد عصرا وتدخل القبة,تجعل مولات الدار متأهبة تترقب قدوم زوج طال انتظاره
أو ضيف عزيز.هذا ما احتفظت به الذاكرة الشعبية المراكشية وهذا ما تداولته ألألسن عبر الأجيال.
تعرف طامو وعويشة ويزة وكل نساء الحومة,وكيف لا تعرفهن ؟وهي تلتقي بهن كل عشية عند السطوح وتشاركهن عملية "زرد الزرع" ولاتفارقهن حتى يضمحل الظل وتخفت أشعة الشمس الدافئة.فتروح الى أعشاشها ملء بطونها وقد التهمت من حبات الحنطة أضعاف أوزانها.عادة دأب عليها النساء وحرصن عليها في الماضي وآلت إلى زوال بعد إن إشترى <الغور> أغلب الدور الرياض واتخذوا لهم على سطوحها مسابح وشمسيات مستمتعين برؤيا "بانوراميك" وبحمام شمس على أنغام موسيقى صاخبة.
منذئذ,لم تعد تلتقي بصويحباتها الا لماما.تغير حال الناس والمدينة مع قدوم هؤلاء الوافدين الجدد وغابت البهجة من مظاهرالحياة وخلت السطوح من الحنطة.طبيبطة هي الاخرى تغيرت,تخلت عن حميميتها وصارت أكثر انعزالية وانطوائية بعد أن تذوقت فضلات طعام موائذ "الغور" واطلعت على أنماط عيشهم ,وكأن
هذا التغيير المفاجئ ساهم بشكل كبير في تغيير سلوكها الاعتيادي فأكسبها طباعا جديدة ومختلفة.هجرت الجوامع وقباب أضرحة الأولياء والصالحين واتخذت من قراميد رياض "الغور" مأوى وأعشاشا لها.محاكية للعديد من نساء المدينة العتيقة اللواتي تشبعن بقيم الحداثة
فاقتحمن عوالم سفلية باسم والانفتاح والتعايش مع الآخر.هكذا فقدت طبيبطة هويتها والكثير من طباعها فوجدت نفسها مثل البوم التي اعتلت الدربوكة وقد كحلت عينا وعينا لا.