إلى روح أمي
سَلامٌ علَيْكِ
عليْكِ السّلامْ،
وأنتِ تَنَامين فوْقَ السّحابِ
وفوْق الرِّياحِ
وخَلْف الغمامْ،
سَلام عليكِ
عليْك السّلامْ.
..وأهْمِسُ باسْمِك أمّي،
صباحَ مَساءْ
بكُلّ خُشوعٍ وكلّ احْتِرامْ؛
لأنّكِ أُمي،
لأنّك تاجُ المحبّة، تاجُ الوِئامْ،
لأنّ صَفاءَك فاقَ الخَيالَ،
وفاقَ الحَقيقهْ،
وجاوَزَ حبّك هَذا الزّمانَ
وكُلّ العُصور السَّحيقهْ،
لأنّ حنانَك فاقَ الحَنانْ
وصَدْرك نَبْع المُنى والأمانْ
تَفَجّر عطفَا،
وظَلّلَ أرْض الأحِبة كالسِّنْدِيانْ
وغَطّى بِفَيْئِهِ كلّ الدّروب العَتيقهْ،
فأنْشَأتِ بالدِّفْءِ أحْلى حديقهْ؛
فإني أُحِسُّكِ أمًّا لكلّ الأنامْ،
وكلّ الخَليقهْ.
سلام عليك
عليك السّلامْ
من البدْءِ
حتّى نُضوبِ الكَلامْ.
سلامٌ عليك
سلامٌ على روحِك الطّاهِرهْ،
أيَا نَسْمةً عاطِرهْ،
تمُرّ على القلْبِ والرّوح والذّاكرهْ..
فيا لَلْعذابِ
ويا للعذابْ
ويا هَوْل هَذا المُصابْ.
أيا نَفْحةً منْ عَبير السّماءْ
أيا كَوْمَةً منْ عَطاءْ؛
أحقًّا يضُمُّك هَذا التّراب!
أحقًّا يضُمُّك هَذا التّرابْ!
فهَا قدْ غَدَوْتِ لنا مثْل لَمْع السّرابْ
يَصُدُّكِ عنَّا من الصّخر هذا الغِشاءُ،
وألْفُ حِجابْ؛
وأنتِ اخْتِراق السّنا والضّبابْ،
وأنتِ اشْتِعال الضّياءْ.
فنُور الشّموس، يُشعّ ويَخْبو،
ولكنّ نوركِ ليْس لهُ منْ غِيابْ،
فكيْف يضُمّك هَذا التّراب !
وكيْف يضمّك هذا التّرابْ !
سلامٌ عليْك
عليْك السّلام؛
فهَل تقْبلين ببَعْض العِتابْ ؟
أيا نُور أيّامِنا في الظّلامْ
وفي كُلّ حينٍ ووقتِ
فكَيْف تركْتِ الجَميع نيامْ
ورُحتِ،
إلى عالمٍ منْ غَمامْ
بكلّ هُدوءٍ وصمْتِ،
وكيْف اتّخَذْتِ القَرارَ
بِلا إذْنِنا
ثُمّ.. متِّ.
أمَا كَان مِنْ حَقّنا
أنّ تظَلِّي،
هُنا، بَيْنَنا كَيْ تُطلِّي
علَيْنا مساءً برِفْقٍ.. وخِفّة ظلِّ؛
لكيْ تُطْفِئي النّورَ حتّى ننامْ،
وكيْ ما تَلُفّي عليْنا الغِطاءَ
بِجُنْحِ الظّلامْ.
أما كانَ من حقّنا
أن تَظَلّي،
هُنا، بيْنَنا كيْ تُصلّي
لنا كلّ صبْحٍ وكلّ مساءْ
لأَلاَّ نَتُوه هُنا في الزّحامْ،
عليكِ السّلامْ
عَليك السّلامْ.
فَيا ظِلّ ظلّي
أطِلّي..
أطلّي..
وجُودي عليَّ
ببعْض الوَصايا
وبعْض الحكايا،
أطلّي..
أطلّي..
أطلّي.. عليّ
ولَوْ منْ شُقوقِ المَرايا،
ولو منْ نُتُوءِ الغَمامْ.
وطُوفي بروحِك حَوْلي
كسِرْب الحَمامْ،
تَعاليْ هُنا واشْطُريني
شَظايا..
لتَسْكُن منْها بروحكِ
بعْضُ البَقَايَا
تعاليْ إليّ احْضُنيني
برَغْمِ الرَّدَى والحِمامْ
تعاليْ .. تعاليْ،
تعاليْ إليّ، ارْشُقيني
بأغْلى العَطايا
وأحْلى الهَدايا.
فما أشْتَهي الآنَ..
ما أشْتَهيهْ،
وأطْيبُ ما نَفْسي فيهْ
سِوى أنْ أقبّل كفّك أمّي
ولوْ في المَنامْ
ولو في المَنامْ.
فيَخْفِقَ قلْبُك باسْمي،
لأسْكُن فيهْ
وأُدْفَن فيهْ؛
عليك السّلامْ
عليكِ السّلامْ
منَ البدءِ
حتىّ حُلول الظّلامْ.
دَعيني أقبِّل كَفّك أمّي
ليَرْتاحَ قلْبي
ويَنْزاحَ هَمّي
وغَمّي.
دَعيني أُقبّل كَفّك عَلِّي
أُكَفِّرُ عنْ بعْض ذنْبي،
وأنْجو بنفْسي،
منَ الموْت شُؤمَا
وسُوء الخِتامْ.
لعَلّي أكونُ ارْتكَبتُ بحقّكِ إثمَا
لعلّي أكونُ نَهَرْتُك يومَا
بغيْر انْتِباهٍ وقصْدِ؛
لعلّي أكونُ تجاوزْتُ حدّي،
وفُهْت بكِلْمَة أفٍّ
فأَغْضبْت ربّي،
فيا نورَ قلْبي
أحنّ.. أحنّ
لِخَفْق خُطاكِ،
فَهُبِّي إليَّ امْنَحيني رِضاكِ
ولوْ في المَنامْ،
ولوْ في المَنامْ.
عليْكِ السّلامْ،
عليك السّلامْ.
أُناديكِ أُمّي،
فهلْ تسْمَعين النّداءْ؟
أيا صرْخة بيْن نارٍ وماءْ
أيا نجْمَة في عِنانِ السّماءْ
تَضُوعُ السَّنَا والضّياءْ.
أُناديك أمّي..
فيرتَدُّ نَحْوي النّداءْ:
سُكونٌ..
خَواءْ..
خواءٌ..
سكونْ..
أنا لسْتُ أطْلب ردَّ القَضاءْ،
ولكنَّ فُقدانَ أمٍ حنونْ،
جنونٌ..جنونْ..
فبَعْدك أمِّي
أنا منْ أَكونْ ؟
خَلاَ البيْت منْ زعْترٍ ..
من خُزامَى
خلاَ منْ رَحيق العُطورْ
خلاَ منْ قُرنْفُلِ حِنّائِكِ..
منْ عَبير البُخورْ.
خلاَ منْ زُوارٍ..وصَحْبٍ قُدامى
ووجْهكِ أُمي؛
وأنتِ تَطوفينَ بالشّاي بيْن الأَحبّة بيْن الحُضورْ؛
يُشِعّ رضًى وابْتِسامَا
خلاَ البيْتُ منْهُ
تَخَلَّى أَريجُ الأُمومَةِ عنهُ
فَصِرْنا يَتامى...
فصِرْنا يَتامى..
فصِرْنا يتامى..
فَيا أُمّ كلّ الأنامْ،
عليْكِ السّلامْ
عليْكِ السّلامْ،
منَ البدْءِ
حتّى أُفُولِ الكلامْ.
يوسف الصالحي
سيدي قاسم