السلام علييكم أتمنى أن تكونو بخير
هته أول مشاركة لي معكم و أتمنى أن تنال إعجابكم قصة قصيرة بعنوان هي كتبتها قبل سنة من الأن
[rtl] العالية[/rtl]
[rtl]هبت نسمات برد خفيفة داعبت وجهها المتجعد الذي يحكي قصصا عدة, وقفت ثم مشت خطوت معدودة إلى جانب اليم و تأملت طويلا انعكاس البدر فيه. كان الجو صافيا و الهدوء يسود المكان بحيث لم يكدر خلوة العالية سوى نعيق بوم أو نقنقة ضفدع. فكرت مليا إن هذا هو الحل الذي لا رجعة فيه.مر أمامها شريط حياتها كاملا كأنها تراه على القمر…[/rtl]
[rtl]"العالية"فتاة في الثلاثين من عمرها, عانس.بعد وفاة أبيها في العام الأول من ولادتها لم يعطها أعمامها حقها الشرعي في الإرث بعلة أنها أنثى و مصيرها الزواج و تضييع أملاك العائلة. تزوجت أمها من أخ زوجها كي لا تحرم ابنتها من العيش وسط الأهل و كي تستريح من كلام الناس الذي لم ينتهي بل كثر فالعالية كانت ذات جمال فاتن و لم تسلم من نظرات الذئاب خاصة أنها كانت متمردة في مراهقتها و تكره التضييق الذي يمارسه أعمامها عليها,خاصة بعد رفضها للخطاب و أنها تستحق أكثر من ذلك و كثرة خاصماتها مع زوجات أخوتها زاد الطين بله.كأي شابة كانت تحلم بالحرية و الخروج فرغم أنها بمجتمع قروي لكن أهلها كانوا يعتبرونها عارا لأنها الأنثى الوحيدة في العائلة و يا ليتها تزوجت لكن لا تريد أن ترحل من سجن إلى سجن.سأمت نظرات النساء إليها كأنها هم على القلب يجب إزالته,ملت نصائح العجائز لأمها بأن تزور الولي فلان و أن تذهب للعرافة فلانة و لم تكن نظرات زوجات إخوتها أفضل من ذلك إذ كلما احتد النقاش بينهن يعايرنها بأنها سامة و هذا سبب جلوسها لا أحد يساومها ولو بالكذب. كانت تود لو ترتاح من كل هذا.[/rtl]
[rtl]تتوالى الأيام وراء الأيام لتكون شهورا و أعوام,و جاء ذلك اليوم الذي مازال حاضرا في ذاكرة العالية يوم لم تشرق فيه شمس و كان سببا في انقلاب حياتها رأسا على عقب... في يوم من أيام الربيع, عندما تلبس الأرض غطاءها الأخضر و تصبح الطبيعة في ريعان شبابها.قررت العالية الخروج إلى الحقول قليلا كي تسلي نفسها و ترتاح قليلا,و ضعت إزارا على كتفيها و غطت رأسها و كان لا بد لها من الإذن من زوج أمها و عمها في نفس الوقت وافق بدون انتقاد أو كلام لاذع مما أثار الشك في نفسها,لكن ما إن تجاوزت الباب حتى نسيت كل شيء و سرحت في تأملات حزينة تتوافق و غروب الشمس.اختارت شجرة زيتون عريقة,افترشت إزارها و تمددت مراقبة الغروب حتى سرحت و لم تحس بعمها و هو واقف أمامها يلاحظ مفاتن جسدها الفتي الذي يغطيه القفطان,لكن ما إن لامس خصلات شعرها السوداء الطويل حتى اقشعر بدنها و جلست و هي تجمع شعرها,و سألته مرتجفة: عمي ما الذي أتى بك إلى هنا؟ لم يجب بل كان مشغولا بالنظر إلى جسدها الشهواني كذئب جائع سال لعابه و ما هي إلى دقائق حتى كان قد أغمي عليها,و أشبع هو رغبته الحيوانية و تركها ككلبه مرمية في الحقل إلى أن استفاقت و تذكرت ما حدث فلطمت خديها و عفرت التراب على رأسها و هي تبكي.كان الليل قد أسدل ستاره و لم يأت أحد كي يسأل أو يبحث عنها.فقامت و مسحت وجهها و رتبت ملابسها ثم سلكت الطريق الطويلة التي تؤدي إلى الجبل المعروف بذئابه فقد فضلت ذئبا من الحيوان على ذئب بشري,سلبها أغلى ما تملك و يا ليته كان غريبا بل عمها و زوج أمها يا للعار! لكن الأقدار كانت قد نسجت لهل طريقا أخر فبينما هي في شرود و على الطريق إذا بالعرافة فتيحة تلتقي بها في الظلام لتقرب القنديل من وجهها و تسألها مستفسرة:إلى أين يا العالية؟ أجابت العالية و الدمع يخنقها:إلى اللامكان لن أمكث ولو يوما هنا سأسلك طريق الجبل. و ما إن ذكرت طريق الجبل حتى ضحكت العرافة و ظهر فمها الأدرد المرعب و عقبت: أتودين الموت أو أن تباعي في أسواق العبيد,هيا أمامي إلى المنزل. و أمام إصرار العرافة اضطرت العالية إلى التنازل عن إصرارها و قضت الليلة عند العرافة رغم أنها لم تنم فروائح البخور الكريهة تختلط بالشمع و باقي المحروقات مع ظلال النساء و الضحك و البكاء,ندمت لأنها أتت لكن إلى أين المفر و مازالت تخاطر و تناجي إلى غلبها النوم فاستسلمت له طائعة لعلها ترتاح .[/rtl]
[rtl]صباحا, استيقظت العالية و مر كل شيء أمامها كأنه حلم, لكن للأسف كانت هته هي الحقيقة.خرجت من الغرفة فوجدت العرافة مع امرأة بيضاء بدينة ذات صوت جهوري خشن, تلبس قفطانا يبدو رفيعا و تتزين بذهب كثير و تضع وشما على ذقنها.وقفت فتيحة و أمرت العالية بأن تسلم على الحاجة زهرة فمدت هته الأخيرة يدها لتنحني العالية و تقبلها فتشم رائحة السجائر و التبغ. تبسمت فتيحة و قالت للحاجة:هته هي الفتاة التي حدثتك عنها. تفحصتها الحاجة زهرة بعين ناقدة و سألتها:هل تعرفين الغناء؟. فغر فاه العالية فهي لم تستوعب بعد ما الذي يحدث لكن فتيحة بدأت تجيب مكانها و حكت قصة العالية,فبدا على الحاجة زهرة قليل من الانفعال عند سماعها لكن وافقت كي تنظم العالية لفرقتها الموسيقية كمتعلمة, بدأت أولا بالوشم الذي زينت به بين حاجبيها و ذقنها ثم أصبحت تتمرس و تتعلم فنون العيطة و أصولها فمن موسم ولي إلى أخر ومن عرس إلى عقيقة و بدأ صوتها يظهر وسط الفرقة مع فتاتين إضافة للمعلمة و هي زهرة مع الخلوقي و هو صاحب الكمان و الأعور صاحب الناي و كذلك الأعرج صاحب التعريجة. كانت فرقة الشيخة زهرة معروفة في السهل والجبل.و تعلمت أيضا شرب كل أصناف الخمر و تدخين التبغ و الحشيش مع كل أنواع الرذيلة و قد كانت هي المفضلة لذا الشيخة زهرة لسبب تجهله...و في يوم من الأيام ألزم المرض الشيخة زهرة فاستدعت العالية و اختلت بها في خيمة منفردة,إذ أن أمثالهم لم يكن لهم منازل كالرحل بين القرى,استوت الشيخة زهرة بمساعدة من العالية و بدأت تفرغ ما في صدرها منذ خمسة و أربعين سنة: العالية,أظن أن أيامي في هته الحياة معدودة و حان الوقت كي أفرغ ما في صدري و لن أجد من غيرك أنا لست بأفضل حال منك فأنت إذا هتك عرضك زوج أمك,أنا هتكه ابن عمي و هرب.تزوجت غصبا من رجل غني بالقرية و لكن ليلة الزفاف تحولت إلى مأتم فعندما لم يجدني عذراء أرغى و أزبد و بدأ يضربني ثم خرج ليقطع العرس و يعير أبي و إخوتي الذين ما إن سمعوا الخبر حتى حملوا العصي والسكاكين بينما حمل الأطفال و أهل القبيلة الحجر لرجمي فهربت حافية عارية إلا أن الله صادفني بامرأة هي من سترتني و أدركت أنها شيخة لكن ما العمل فأفضل أن أعمل معها و بدأت بالتعلم رويدا رويدا.و عند وفاتها أعطتني مكانها كشيخة و تمرست إلى أن وصلت إلى ما هو عليه الآن.طوال خمسة و أربعين سنة و أنا في هذا الميدان و أصغي جيدا لما أقوله رغم أن الشيخة حاضرة في كل المناسبات لكن هي منبوذة لا أحد يقترب منها رغم أن جميع الرجال يتمنون وصلها و قليل من يقبل الزواج بها إن لم نقل أبدا فنحن عار رغم كل ما نفعله.و توالت وصايا الشيخة زهرة للعالية التي تذكرت ما حصل و سالت الدموع على عينيها متذكرة أمها و باكية على حالها أين وصل بعد أن كانت ترى الشيخات في الموسم فقط أصبحت واحدة منهم لقد سحقها المجتمع و صنفها كحثالة الكل يريدها له.بينما هي في تأملاتها سمعت صوت شخير حاد التفتت فإذا بزهرة أسلمت الروح. تم دفنها بمكان مقفر لتكمل الفرقة مسيرها مع معلمة جديدة هي الشيخة العالية التي ذاع صيتها مع الأيام و أصبح الكل يطلب خدماتها لصونها الجهوري و عيوطها الشعبية التي تنتمي إلى الأيام الخوالي...[/rtl]
[rtl]مر الزمن و تحولت الأشهر إلى سنوات و عقود,و بدأ يتسرب إلى الشيخة العالية ذلك الداء الذي كان يصيب نساء هذا الميدان و هو السيلان مع الزهري ,لكن هي لم تستسلم فقد أصرت على البقاء حتى تنتقم من زوج أمها و شاءت الأقدار أن تعود إلى قريتها في موسم حصاد جيد لكن ليس إلى المنزل فقد نصبت الخيام في وسط القرية و كل مساء تبدأ بإمتاع أهل الدوار الذين لم يعرفوها فالزمن حرف ملامحها من بيضاء إلى وجه اسود بالموبقات و قد ممشوق إلى جسد مترهل.أمتعت و أطربت لكن ما إن رأت زوج أمها قادما حتى ارتجفت و أحست بشيء غريب مما اضطرها إلى أن توقيف الغناء و الخروج من الخيمة لتبدأ بالبكاء,فجأة لمعت عيناها و انعكس فيها ضوء القنديل كنار دبت و استيقظت منذ سنين,لقد تجسد لها الشر في وجه زوج أمها لذلك أضمرت ما أضمرت ثم مسحت وجهها وغطته تحت مساحيق تقليدية لم تزد وجهها إلا اسودادا و سكبت خمرا عتيقة لتنسي همها و عادت للخشبة بعيوط من الشعر القديم الذي يحكي عن سير الأبطال و الفرسان إلى أن انتصف الليل فبدأ الناس بالافتراق عندها توجهت إلى طريق منزلها لكن متنكرة و متخفية في ملابس رثة و ممزقة كي لا يعرفها أحد,ثم ولجت من باب خفي كانت تعرفه و إذا بها في وسط الدار و بدأت تتذكر الأيام الخوالي,فجأة دخل زوج أمها فذهل لوجود تلك المرأة و ظنها جنية لكن عندما كلمته و سألته عن فاطمة أمها علم أنها ماتت حسرة عليها فاغرورقت عينها و ما أذهلها أن زوج أمها لم يعرفها لكن فاجأها بسؤاله:سبحان الله,إنك تشبهين ابنة أخي و ربيبتي لقد كانت عاصية و متمردة أفضل أنها هربت لو بقيت لجلبت العار. أجابت مبتسمة: إن فاطمة ابنة عمي و لابد أن ابنتها تشبهني فقد كانت عندي أثناء حملها. و غيرت مجرى الموضوع إلى السؤال عن العائلة فاستفسرت عن كل نفر و الرجل يجيب و هو متعجب من كيف أنها تعرف الكل...و على حين غرة أخرجت العالية سكينا غرزته في قلب عمها و قالت هته للعالية و هته لأمها طعنته طعنتين و تأكدت أنه مات فحملت القنديل و رمته في الأثاث و الهشيم. فأعادت ملابسها السوداء و عادت من حيث أتت وراءها نيران تحولت من قلبها إلى الدار.فبدت أمام النار كعفريتة خرجت منها و هي تمشي في الظلام وحيدة إلى طريق الجبل.[/rtl]
[rtl]نعم, الجبل لا تراجع في ذلك و لن تترك أحدا يمنعها فقد قررت ترك ميدان الغناء و تتوجه للمدينة كي تحترف مهنة أخرى, لكن و في طرفة عين لم تشعر العالية إلا و هي محاطة بقطاع الطرق كالخاتم كمموها و حملوها صباحا من الجبل إلى سوق الغوازي و بائعات الهوى,لتبدأ المزايدات عليها رغم كبر سنها لكن المساحيق التي وضعتها لها زوجة البائع غطت كل شيء إلى الكآبة التي تعلوها. لكن رغم هذا جاءت امرأة متوسطة العمر تفحصتها و اشترتها.اصفر وجه العالية و لم تقوى على الوقوف;أمس هي حرة بين الدواوير و اليوم في السوق أمة. لم تتمالك نفسها فنزلت منها قطرات حارة من مقلتيها لما رأت كيس النقود الذي من أجله بيعت دراهم معدودة. بدأت تندب حظها حتى ظنت أن الانتقام الإلهي فلطالما رددت أمها أن الروح من عند الله نحن نحافظ عليها و القتل بدون ذنب كبيرة تستلزم غضب الرب. لكن الآن كل شيء مضى تقاد نحو مصير مجهول لا تعرف إلى أين.لكن ما إن رأت التواء الأزقة الضيقة و رائحة الرطوبة حتى عرفت مصيرها و يا ليتها كانت جاهلة,إنها تقاد إلى منازل سحقها المجتمع و تنكر لها إنها منازل الهوى...هذا مصيرها [/rtl]
[rtl]بدأت العالية تزاول مهنتها كغازية و نظرات الشهوة و الاشمئزاز في أن واحد من جميع الرجال.التقت العالية بنساء و فتيات قصص و حكايات أخرى كل تحكي كيف أتت إلى هنا فبين مكرهة و بين هاربة تواجدت الراغبات في الرجال و عن طوع قدمن مرغن عرضهن في الأرض و أذهبن شرف أسرهن. العالية دوما مستمعة جيدة للكل إلا أن قصتها لم يعلمها أحد. كتومة و حذرة هكذا وصفنها النساء هناك لكن لم تكن تعير نميمتهن عنها أي بال فأحاسيسها تبلدت و جمدت..[/rtl]
[rtl]و من الأيام إلى الشهور التي تحولت إلى سنين,جاء يوم مرضت فيه العالية و جاء الحكيم ليخبرها أنها مصابة بالجذري إضافة لسيلان, فالجسد الفتي و القد الممشوق عوضه اللحم المترهل و الوجه البهي أحاطه الزمن بخربشته العميقة لذلك تخلى المنزل عنها و رميت للشارع كرمية الكلاب لا دار و لا أولاد لا شيء...[/rtl]
تذكرت العالية كل هذا فاقتربت أكثر و أكثر من الوادي إلى أن رمت جسدها و سلمته للأقدار