رسالة إلى سيدي القاضي
-الحلقة الأولى-
الدكتورة:صباح بلحيمر.
يمثل القضاء في الإسلام الصورة المشرقة في التاريخ الإسلامي،ويحتل مكانا مهما في الفقه الإسلامي،إذ يمثل التطبيق الواضح لأحكام الله تعالى على عباده بموضوعية بعيدا عن الهوى والشيطان،وأفرد الفقهاء فيه أبوابا مستقلة في كتبهم الفقهية.
ومنهم من ألف فيه كتبا مستقلة،لارتباطه بغيره من العلوم،كأبواب المعاملات في الفقه الإسلامي ومصادر التشريع،وطرق الإثبات.
لذا فالحديث عنه مطلوب لارتباطه المباشر بحياة الناس وبالوقائع المتجددة.
1-أهميته:
أهمية الأشياء تقاس بغاياتها،وغاية القضاء منع الظلم ومحو آثاره بإقامة العدل،
ولأن القضاء وسيلة إلى تحقيق العدل والتحري عن الحقائق،فقد جاء التحذير منه،لقوله عليه السلام،فيما رواه الترمذي بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه :"من ولي القضاء أو جعل قاضيا بين الناس،فقد ذبح بغير سكين".1
لأن مناطه تحقيق العدل بين الناس والقسط بينهم،وهو أمر مرغوب فيه ومحمود.
2-أهدافه:
تتلخص في :
أ-إصلاح المجتمع:
فالقضاء في الإسلام،وسيلة للإصلاح والتهذيب وليس سيفا مسلطا على رقاب الناس،وهو ما جسده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه في كتابه إلى مالك الأشتر2 قال:"أنظر في القضاء بين الناس نظر عارف بمنزلة الحكم عند الله،فإن الحكم ميزان قسط الله الذي وضع في الأرض لإنصاف المظلوم من الظالم،والأخذ للضعيف من القوي،وإقامة حدود الله على سننها ومنهاجها،التي لا يصلح العباد والبلاد إلا عليها."
فالهدف إذن هو إصلاح البلاد والعباد،بوسيلة هي إقامة شرع الله فيما يعرض من القضايا،وليس توجيه العقاب،بل العقاب هو وسيلة للتهذيب والإصلاح.
ب-إحقاق الحق وتثبيت العدالة:
وقد لا تسعف القاضي في هذا الأمر الطرق القانونية والرسمية،بل يحتاج إلى حكمة عالية وحس مرهف وذكاء وإيمان صادق،ومثاله علي بن أبي طالب رضي الله عنه الذي كان إذا جاء الرجل بغريمه قال :لي عليه كذا،فيقول :أقضيه،فيقول:ما عندي ما أقضيه،فيقول غريمه،إنه كاذب وإنه غيب ماله،فيقول: هلم ببينة على ماله يقضى لك عليه فيقول: استحلفه بالله غيب منه شيئا،قال:لا أرضى بيمينه،فيقول:فماذا تريد؟قال :أريد أن تحبسه لي،فيقول: لا أعينك على ظلمه ولا أحبسه.
قال:إذا ألزمه،فيقول: إن ألزمته كنت ظالما له،وأنا حائل بينك وبينه3.
ج-الصلح والسلام:
فالخصومة ظاهرة خطيرة تهدد أمن المجتمع وتماسكه،لذا كان من أهداف القضاء في الإسلام تحقيق الصلح بين المتنازعين،من أجل المودة بينهم،وكان هذا نصب أعين السلف الصالح في أحكامهم التي يصدرونها في القضايا المختلفة ومنهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه انطلاقا مما أورده ابن القيم في قصة البغل:"إذ أتي علي ببغل يباع في السوق فقال رجل :هذا بغلي لم أبع ولم أهب،ونزع على ما قال بخمسة يشهدون،وجاء رجل آخر يدعيه وزعم أنه بغله وجاء بشاهدين فقال علي:إن فيه قضاء وصلحا،أما الصلح فيباع البغل فيقسم على سبعة أسهم،لهذا خمسة ولهذا اثنان فإن أبيتم إلا القضاء بالحق فإنه يحلف أحد الخصمين أنه بغله ما باعه ولا وهبه،فإن تشاححتما أيكما يحلف أقرعت بينكما على الحلف،فأيكما قرع حلف ،فقضى بهذا وأتى بشاهد"4.
الهوامش:
1-سنن أبي داود ،كتاب الأقضية باب:في طلب القضاء،رقم الحديث 3572،سنن ابن ماجة،كتاب الأحكام باب:ذكرالقضاة،رقم الحديث 2308،سنن الترمذي،كتاب الأحكام باب:ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في القاضي،رقم الحديث 1325.
2-القضاء والنظام القضائي عند الإمام علي لمحسن باقر الموسوي ص 74 .
3-الطرق الحكمية ص 92.
4-المصدر السابق ص 471.