لو أن للدنيا مكانة خردل ... لسعى أبو بكر إليها أو علي
ولأنها لا شيء لم يقبل بها ... عمر ولا عثمان دون تطفل
شعر حميد بركي
إنها الروعة في الجمال اللفظي والقيمة العالية في الحكمة وهو يبدأ بلو ولو حرف امتناع بما يدل أنها غير اعتباطية وإنما هي محكمة تدل على الامتناع عن الدنيا والتمادي في الشهوة وقد أكد هذ الامتناع بأن وهي حرف نصب وتوكيد
تأمل معي أخي القارئ دون أي خلفيات فالنصب علو المبتدأ ورفعة الخبر مقارنة بلو حسب الامتناع الزاهد في الدنيا بلام الملكية وهي حرف جر وجر من الاجترار بمكانة الإغراء وهو يقول للدنيا مكانة خردل حيث أن ذاتها هي السفلى في معني اللفظ إما غارق محبها أو هاو في حفرها ومن الذكاء العبقري لذا الشاعر أنه قال مكانة خردل ولم يقل قيمة خردل فيما يحتويه من قيمة شفائية والمكانة معنى التراثي في الشأن المتعلق بالحجم وليس بالقيمة
لأنه ينفي حب الدنيا بأن يكون شفاءا بذكر المكانة الدالة على الحجم والشكل ونفي القيمة الدالة على محتوى الخردل
لسعى .. من السعي وراء الشيء بلام التوكيد أي لو أنها كانت تملك مجرد مكانة لا قيمة لسعى إليها ولم يقل وراءها لأن مراد السعي هنا هو الانغماس في شهوات الدنيا التي هي المحتوى المطلوب منها وذكر أبو بكر وعلي لكونهما أول من دخلا الإسلام تأمل معي أخي القارئ أن هذا الرجل الزاهد الحكيم في هذين البيتين هو نفسه العاشق الولهان في قوله
أمالك سرب الحمام نزول
لعلك من عندهن رسول
يتساءل باستفهامية الهمزة على أن الحمام مر عليهن وهذا فرق بينها وبين هل الدالة على الاستفهام البعدي وتأمل وانت تقرأ للشاعر كيف يصف فؤاده وهو يشوى كالسلابة وكذلك يصف الزمان وهو يعبث بأهله كدخان السلابة بتفككهم حسب الظروف القاسية وهو يلخصها في هذين البيتين
تشوى السلابة كالفؤاد وعلتي
أني امرأ في نظرة وتأمل
كدخانها عبث الزمان بأهله
من حيث لم يخمد أسى بتدخل