بعيدا عن الواقع

عدد الرسائل : 13 تاريخ التسجيل : 27/06/2009

بعيدا عن الواقع
كان بيننا زمن طويل .. ربيع قادم وخريف ذاهب .. أنا على عتبة شبابي ... وأحلامي المتواضعة جدا ... في أن يحبني إنسان ...يفتح أبواب قلبي المتعطش للحب ... ولم أكن ادري أن شبابيك قلبي... ستكون موصدة ... ولن يفتحها من أريد... أو من احلم بأن يكون من أريد ..
أما هو.. فقد أقفلت أبواب ربيعه منذ زمن بعيد...لقد صدق الأكذوبة السخيفة...التي تقول أن التاريخ يعيد نفسه... فها قد شارف على الخمسين من عمره...وأي تاريخ سيعيد ربيعه إليه... وشتاء العمر يضع حواجزه بيننا ...ومع هذا تزوجته..
فقد رأى مجلس الشورى العائلي... بعد أن عقد عدة لقاءات عائلية... ليلاً ونهارا ..صباحا ومساءً ..ثلاثة مرات قبل الأكل ...وثلاثة بعده ..إن هذا يتم للمصلحة العامة ...فالرجل مليان ويمشى على حافة القبر ...وأضحية العيد لا تُسأل عن لون السكين ...ولا نوعه ...
فالجزار هو الذي يقرر بأي سكين يذبحها... صغيرا ...كان أم كبيرا ... حادا أم باردا ...وهذه حال معظم الزيجات.... التي تتم فلا تقارب فكري ... ولا نفسي ..ولا حسي ..
تزوجني وأنا في سن الثامنة عشرة من ربيعي .. وهو قد قرر أن ينهي صفحات عمري وعمره ...فربما ربيع شبابي... يعيد إليه ربيعه الذي أصبح خريفا ... وقد تساقطت أوراقه منذ زمن ليس بالقريب .. ولهذا كله كان يعتبرني طفلته الصغيرة .. مدللته الوحيدة .. وأنا لا ادري كنه مشاعري نحوه.....
-هل اعتبره الوالد الذي فقدته؟ ...منذ كنت طفلة صغيرة ..
كنت يومها لا اعي ما يدور حولي....ألطخ ملابسي بتراب الشارع الذي بجانب بيتنا ...وابن الجيران يرميني بحجارة...على راسي الصغير..
عندما سمعت صراخ عال...كما الأطفال دائما...انتفضت من مكاني فزعة .. وذهبت اجري دون أن اعي لما اجري؟! ...حتى اعرف مصدر الصوت ... الذي تردد صداه في راسي ..
أخيرا وصلت.. كان بيتنا .. أحسست كأنني فقدت شيئا عزيزا .. وغاليا لن أتحصل عليه مرة أخرى ... أهل القرية يدخلون ويخرجون...وأنا تائهة ابحث عن أمي لأحتمي بحضنها.. تناهت إلى مسامعي أصوات مختلفة.. لا حول ولا قوة إلا بالله.. مسكين كان يقطع الشارع.. أليس دائما كان يقطع الشارع ؟ ‍.. لما هذه المرة ‍‍.. هناك من دفعني من خلفي إلى الداخل ..
وجدت أمي تبكي وتولول .. وتنادي على سندها وتلطم وجهها...هذه أول مرة أرى أمي تفعل ذلك ..استغربت كثيرا فلم تكن أمي على وفاق مع أبي .. أمس ضربها لا لسبب..إلا رغبته في ضربها..
واليوم تبكي عليه .. لم اعرف بعد ‍أن عليها أن تبكي... حتى لا يعرف الناس حقيقة شعورها نحوه .. وأنها كانت تدعو عليه بالموت دائما.....لقسوته عليها..
فمثل كل الآباء ...لا يعجبه أي شيء في كل شيء .. يتمتع بضربه إياها أمامي .. وعندما حاولت منعه ذات مرة ...ضربني على وجهي .. رأيت نفسي كأنني ذهبت بعيدا إلى مكان ما بسبب قوة الضربة ..ثم رجعت ...
فوجدت أبي ...وقد أنهى وجبة الضرب التي يتناولها كل يوم على جسد أمي .... وفي الليل كانت القسوة أوضح .. عندما كانت أمي تجر إلى غرفة النوم ... وبتفكير طفولي ساذج ... كنت ارغب كثيرا في معرفة ما يدور في داخل الغرفة .
- فسألتها : أمي هل أبي يضربك في الداخل ؟ فلم أكن اسمع صراخا .
- نهرتني أمي..
- وقالت لي: اذهبي العبي في الخارج...
- امسك احدهم بكتفي.. وأخذني من يدي ...وهو يردد لا حول ولا قوة إلا بالله .. أنها طفلة مسكينة ..
تعالي يا صغيرتي ..لا تخافي .. نحن كلنا آباءك ..خفت منهم كثيرا.هل معنى هذا أنهم سيضربون كلهم أمي ؟
لا أريد أبا جديدا يقسوا على أمي ويضربها بعنف .
وصلت إلى حيث أمي ....تبكي وتولول ...فأخذتني في حضنها الدافئ .. نمت.. لا ادري كم من الزمن رحل؟ .. ما بين نومي وصحوي .. ودموعي على خدي ...وشهقة في صدري بين الحين والآخر ...
- ويد تهزني: استيقظي ما بك ؟
عيني تائهة..أحاول أن أتبين معالم المكان الذي أنا فيه ..تتداخل الأشياء في بعضها البعض... بدأت الصورة أخيرا تتضح من جديد .. رأيت زوجي بجانبي يحاول أن يهدئي من روعي:
- هل كنت تحلمين ؟
كانت مائدة الإفطار بجانبي... انهضي حبيبتي .. اغتسلي ثم تعالي لنفطر معا .. فاليوم جمعة ..وأنا ارغب في قضاء يوم رائع معك ..انه يعتبرني طفلته الصغيرة المدللة ..وكنت اسعد كثيرا بزوجي والأب فيه ... الذي فقدته منذ زمن بعيد ...
مرت الأيام كأنها لم تمر ...أنجبت طفلي الأول.. ثم الثاني ..وأنا أعيش سكرة السعادة ... ولم أكن اعرف أنني في الرمق الأخير منها ..فهو يغمرني بها ... كلما غفوت على صدره ... ويدي تعبث بشعراته المتناثرة.. كنت أحب أن استلقي على هذا الصدر دائما ..استمد منه الحب ...والحنان ..
وهاأنذا اليوم استلقي على وسادتي .. بعد أن ظهرت أكاذيبه الكثيرة ... والكبيرة عندما رآها .. شقراء ..طويلة القامة .. مطلقة تبحث عن صيد ثمين .. فوجدت فيّ الضحية .. طلقني ليتزوجها .
وبعد أيام ..جاء رسول الشر.. يزف إليّ الخبر .. لقد تزوجها .. اشتعلت كل حرائق العالم في داخلي... حتى احترق قلبي..فقفزت مذعورة .. وركضت كطفلة صغيرة ابحث عن مصدر العويل ...والنواح في داخلي ابحث عن سكينة .. عن دفء القلب... واستكانة الروح.
مرت بي تلك الليلة..لا ادري كيف مرت ؟! .. كانت حرقة صدري تحيلني رماداُ ..
-لِما تزوجها ؟ ..ألا أنها شقراء؟! .. ربما كنت أعيد تلوين شعري وينتهي الأمر ..
-لأن عينيها خضراء ..ربما أضع عدسة ملونة.. وينتهي الأمر.
ماذا بتلك المرأة حتى اذبح بهذا الشكل؟
آه ..آه.. يا سنوات عمري الضائعة .. ليتني بقيت طفلة صغيرة .. لا تعي من الدنيا شيء .. سوى حبات الرمل التي تلعب بها.. وحجارة تبني بها بيتها الذي يقع في كل مرة بسبب ابن الجيران ..
بدأت الدنيا تهتز من جديد ....ويد تضغط على كتفي وصوت يقول: أين ذهبت في خيالك ؟
- السيارة وصلت .. هيا حاولي أن تنهضي ..
- ماذا حدث ؟
- يا الله كم أنت غريبة اليوم ..
- أريد أن اعرف ماذا يحدث ؟
- ضحكت ظلال النسوة اللواتي كن هناك ...أوف .. هيا انهضي أم تريدي حبيبك يذهب إلى امرأة أخرى؟! ...
- حبيبي.. من حبيبي؟! ..
- يا سيدتي الجميلة : احمد..
- احمد من ؟!..
- قالت فتاة لهن: ممكن تستنوا في الخارج .. اعرف كيف أعيدها إلى زماننا هذا ..
خرجن وبقيت وحدي ..عزيزتي ..أفيقي .. حاولي أن تعودي .. اليوم زفافك إلى احمد .. ألا تعرفين انه ينتظرك بكل لهفة ..
لقد أرسلني لك ... وأرسل معي هذه القصاصة - لا تتوهي حبيبتي فهذه ليلتنا انتظرك على أحر من الجمر-. احمد .. قبلت الورقة .
أخيرا عادت إلى وعيها... لقد تجاوزت الخطر ... ولكن يجب أن ترتاح ... فحادث السيارة كان رهيبا ... وعنيفاً ... الحمد لله يا حبيبتي .. لقد نجوت .. الحمد لله.

د.حواء البدي

مصراتة: 18/7/2005

نشرت لأول مرة في منتديات ملتقى الكلمة النغم

عدد الرسائل : 48 تاريخ التسجيل : 05/02/2009

عزيزتي د.حواء

لقد استمتعت بقراءة القصة شكرا

قصة ترصد واقع المرأة

وواقع الطفولة في مجتمعاتنا

فالعنف والقساوة هما السمة الغالبة

أسلوب سلس وحبكة الأحداث جيدة

دمت مبدعة ومتألقة

مودتي

نص ممتع للغاية

دمت أيتها المبدعة بهية في سماء جامعة المبدعين
شكرا لك

عدد الرسائل : 13 تاريخ التسجيل : 27/06/2009

خديجة راشدي كتب:: عزيزتي د.حواء

لقد استمتعت بقراءة القصة شكرا

قصة ترصد واقع المرأة

وواقع الطفولة في مجتمعاتنا

فالعنف والقساوة هما السمة الغالبة

أسلوب سلس وحبكة الأحداث جيدة

دمت مبدعة ومتألقة

مودتي

خديجة راشدي
شكرا على كلماتك العطرة
واحساسك

دمت بود وورد
د.حواء البدي

عدد الرسائل : 13 تاريخ التسجيل : 27/06/2009

أسماء محمد كتب:: نص ممتع للغاية

دمت أيتها المبدعة بهية في سماء جامعة المبدعين
شكرا لك

اسماء محمد
طلتك بهية على صفحتي
وعميقة

دمت بود وورد
د.حواء البدي

الدكتورة حواء
قصة جيدة ..حبكة وسلاسة وأسلوب مشوق
القفلة كانت موفقة
لكن مع الاسف شابت القصة الجميلة هذه كثير من الاخطاء التي كان يجب تفاديها اللهم أن تكوني علمية التكوين .ومع هذا يلزمك تخصيص بعض الوقت لقواعد اللغة العربية ، واسمحي لي بعرض تلك الاخطاء لتصحيح النص الاصلي على الاقل ..فكثرة الاخطاء تذهب ببهاء جمال النص الادبي.
-عندما سمعت صراخ عال / صراخا عاليا
أن أعي لما أجري / لم ..
ثلاثة مرات / ثلاث ..
لما هذه المرة ؟/ لم ..
نحن كلنا آباءك / آباؤك
سيحاول أن يهدئي روعي/ أن يهدئ
كنت أسعد كثيرا بزوجي والاب فيه / الجملة ثقيلة ، يستحن القول ببساطة :بزوجي الاب
لماذا تزوجتها ألا إنها شقراء ؟ / ألأنها شقراء ؟
لأن عينيها خضراء / خضراوان
لاتعي من الدنيا شيئ / شيئا
فضلا عن أنه يجب حذف هذه الجملة الاستباقية للأحداث " ولم أكن اعرف أنني في الرمق الأخير منها " هذه الجملة نسفت التشويق مادامت عجلت بالخبر .

مودتي

شكرا لك أستاذ زايد التيجاني على ردك الصريح

وهكذا يجب أن نكون لنتعلم.

تحية للأستاذ الذي انتبه الى الأخطاء وقد تكون زلة رقن

نتمنى أن تجيبنا الأستاذة حواء

عدد الرسائل : 13 تاريخ التسجيل : 27/06/2009

الأستاذ زايد التيجاني
جزاك الله خيرا
بالفعل لست متفقهة في اللغة والنحو
شرفني أنك قرأت قصتي جيدا
واستخرجت تلك الأخطاء

كيف استفيد منك مستقبلا من الناحية اللغوية والنحوية

اشكرك من كل قلبي على قراءتك المتميزة التي عمت بالفائدة

مودتي وكل احترامي

» في تلك الجزير بعيدا...
» 3-حكايات من الواقع ظلم القافية
» حكابات من الواقع حلوف كرموص
» قريبا من الحب بعيدا عن لغة الحقد
» بعيدا قليلا للشاعر عبد الهادي روضي