زوايا مساحة افتراضية
" كي يكون للعالم مرآة ،ينبغي أن يكون للعالم شكل" أمبرطو ايكو
تحت ضوء المصباح الباهت كل الأشياء في الغرفة تلتبس أمام عينيه المتعبتين..المكان لايريد أن يسترد رونقه المعهود رغم قيامه بإعادة تأثيته بعناية ،إنه لايركن في غرفته ،يظل يقف ويجلس وكأن به مس ..صورة المرحومة أمه المعلقة في الجدار أمامه تنكئ في قلبه جروحا دامية وتزيد من غربته ،والسبحة المعلقة إلى جانب الصورة تعيده إلى الوراء القهقرى صورة أبيه وهو يمرر حبات السبحة بين أنامله مرددا اسم الله كي يسكن جنان القلب ..والسروال المعلق في المشجب والوحيد الذي يحفظه ولايستعمله إلا عند الضرورة فعيناه لاتكلان على حراسته مخافة أن تغمره سحب الغبار المتطايرة ،أوتقع فوقه ذبابة فتدنسه ..السروال لايزيده إلا اشمئزازا وهويمرريده فوقه ويتحسسه بحنو دافق ثم وهو يمد يده إلى المسمار المثبت في الحائط ليتأكد من انغراسه جيدا في الحائط وهو يرتد خطوة أو خطوتين يقوم بنصف دورة حول نفسه فتمر صورته من أمام المرآة خاطفة ،يرتبك أيما ارتباك .الصورة التي رآها لم تكن تشبهه بالمرة .من الواضح أن المرآة تريد أن تناكفه هذا المساء .كان لوحده في الغرفة ينتظر صديقه الذي تأخر في القدوم..إنه لايعرف لماذا لم ينقطع رنين هاتفه النقال منذ الصباح وحتى الظهيرة دون أن يتمكن من الامساك بالجاني.أتكون هي الفاعلة كي تثير أعصابه! هو الآن غير آبه أو خائف من غواية المرآة ،يريد أن يقرأ وجهه داخل المرآة وعبر إطارها الزجاجي يريد أن يركب سيارة همومه ويرحل عبر أهواءه الضائعة بحثا عن حكاية قديمة جديدة، يقترب من المرآة كثيرا ينفخ فوقها بأنفاس ملتهبة ثم يمسح صفحتها بطرف كمه.هل المرآة تريده أن يتصالح مع ذاته! يبتسم ابتسامة عريضة ،يتهيأ ليعانق صورته عناقا محموما لكن عندما يمعن النظر في وجهه الماثل أمامه يحمر وجهه خجلا ويشعر وكأن نارا لاهبة تأكل صدره .كيف تجرأ صاحب الوجه القابع في المرآة وكسر حجب الحياء والوقار وغمزه بطرف عينه،أيكون الماثل أمامه هو ذاته نفسه أم شخصا أخر لا صلة له به ربما يشبهه!.." آش هاد قلة الحياء" نطقها بانفعال شديد وقد انتفخت أوداجه وارتعشت فرائصه،تمايل في وقفته يمنة ويسرة وعيناه لاتزالا متبتثان في المرآة في اهتمام،ثم رف بجفنيه عليه أن يتخذ كافة الاحتياطات اللازمة حتى لايقع في حالة تلبس أمام صورته ، إنه خائف من صورته أت توشي أو تنفجر في وجهه بكلام يأنف من سماعه..هومعجب بنفسه حد الجنون، لايحب أيا كان أن يشاركه في خصوصياته لكن عندما تجرأت المرآة وأرته حقيقة وجهه اكتشف فجأة أنه هو القناع، ثم هل سيظل متسمرا وجها لوجه أمام المرآة لايزيغ عنها قيد أنملة!
وإذا لم يأتي صديقه لزيارته من سينتشله من هذه الورطة! يلمح في المرآة سرواله وراء ظهره ،يقوم بنصف دورة حول نفسه موليا المرآة ظهره ثم يشرع في تلمس سرواله بحنو زائد.السروال الذي لايكل من الناية به مخافة أن يتسخ أو يبهت لونه وحتى لايضطر إلى تصبينه المرة تلوى الأخرى الأمر الذي يؤدي إلى ترهله فهو يرغم نفسه على عدم استعناله إلا عند لقاء مهم ،لكن اللقاء بها على شاطئ البحر قد طال اكثر من اللازم .كانت اخر مرة التقيا معا قبل شهر ونصف ومنذ ذلك الوقت انقطعت أخبارها ، حاول غير ما مرة الاتصال بهالكن هاتفها النقال ظل دائما مغلوقا وفي كل مرة يلتهم عبر علبته الصوتية في شره الدريهمات القليلة التي بحوزته ، كان يستشيط غضبا، يتنهد من أعماقه تنهيدة ملتاعة ثم يقفل عائدا من حيث أتى مطأطئا رأسه ،تكاد الحسرة أن تأكل قلبه..السروال مذ شهر ونصف وهو معلق في مكانه وهو قابع في مكانه يحرسه ،يترصد بالذباب مخافة أن يقع فوقه فيدنسه وأذنه ملتصقه يهاتفه النقال ينتظرها أن تكلمه ليحددا معا موعدا للقاء..الفراق بينهما يذكي في قلبه نارا لاهبة تسري إلى كل أوصاله فتكفهر الدنيا أمام عيناه ويركبه القنوط،اهتز صدره بقوة لما رن هاتفه ،استدار في خفة وهو يرفع الهاتف نحو مسامعه ينقطع رنينه،وجد نفسه وجها لوجه أمام صورته ثم انفجر حانقا ورذاذ اللعاب يتطاير من فمه"يالطيف من نهار حليت عيني افهاد الدنيا وبنادم امقوس عليا ،والعين امشيرة بيا كيف النحس..آش من أرض غادي نهرب ليها أراسي ،واش غادي نبقى أنا وصورتي هكذا طول النهار تنترادوا كيف الطعارج" ربما قديصل به الأمر حد التلاسن مع صورته فيرفع يده محتجا متوعدا ،أو ربما يبصق على المرآة ..المرآة كما يدور في مخيلته سبب العداوة بينه وبين صورته ..غيمة السحر الذي تعمي عيناه وتحرك في أعماقه الساكن فيها،ثم من قال أن المؤمن مرآة أخيه! يرددها في دواخله مغتما،هو الانسان كما يجول في قرارة نفسه لن يبوح لأخيه الانسان إلا بمحاسنه أما المساوئ فيلقيها وراء ظهره ومن الأفضل أن يكون كل واحد منا مرآة لنفسه
نفسي مرايتي
مرايتي نفسي
دم وجهي صباغتي
صباغتي لون التراب
التراب ازواق الدنيا
والدنيا اف ثانية راها فانية
المفارقة التي تؤرقه أنه كلما استفسر صديقه ليبدي رأيه فيه كان صديقه يتردد قليلا ثم يتكلم متلعثما" إنسان رائع لولا ازدواجية شخصيتك" ،يضحك ملئ شدقيه ويرد في سخرية لاذعة على صديقه وعيناه متسمرتان على وجهه" اكبر الشان لبوجعران وللى تيوريني شكون أنا..أنا عارف راسي شكون أنا..وشكون هو أنت باس اتوريني شكون أنا"، يمد صديقه فوق كتفه ويجيب " أنا وأنت فوطوكوبي مع من شفتك مع من شبهتك" ،يتباطئ قليلا في مشيته،يستنشق الهواء حتى تمتلئ رئتاه ثم يتكلم والابتسامة تغمر محياه" تصور أصاحبي إذا تم استنساخ البشر اشحال من واحد غادي يحرق لبرا..ياريت كون كان عندي خويا ف الخارج تيشبهني فوطوكوبي"..مسكين هو! الشبيه الذي يبحث عنه متلهفا ينفلت منه ،يراوغه ،يظهر له ثارة في صورة ملاك ،وثارة أخرى في صورة شيطان ،ثم هل حقا أن الشبيه يحن إلى شبيهه ! لكن لماذا هذا الجفاء! قفز من مكانه لما ثقب مسامعه رنين هاتفه ،كان الرنين يؤشر على رسالة مكتوبة ،أبرقت عيناه في رأسه ،وتسارعت دقات قلبه في الخفقان،سار يضغط بعصبية على أزرار الهاتف وألمل يشع من عينيه متوقدا يضيء مااسود من أيامه الحالكة،ربما تكون هي من بعثت الرسالة،انتهى بسرعة إلى زر الرسائل ،ضغط عليه،خاب أمله لم تكن الرسالة الوافدة سوى إشهار عن تعبئة مضاعفة تهم المشتركين الراغبين في تجديد رصيدهم،استشاط غضبا،لم يدري كيف بصق اللعاب من فمه فتناثر فوق السروال..بهت في مكانه شاخصا ينظر إلى سرواله المبلل وقد انقبضت أسارير وجهه ثم مد يده وشرع يمسح اللعاب ويحث نفسه هازئا" كل شيء درتو أو ما بقى خاصني غير تعبئة مضاعفة وأنا مالقيش حتى باش نشري الضوبل تاع هاد السروال..بصح هاد الوقت ولات باغية الضوبل اف كل شي ..ف التعبئة..ف السراويل ..ف العشيقات ..أو حتى ف الوجوه.."..استدار حول نفسه ،رأى نفسه في المرآة ،حدق في نفسه جيدا ثم تكلم في حيرة" واش أنا واحد أولا جوج!"...
نورالدين بوصباع- تيفلت/ المغرب