مرثية المطر
هُوَ الـمَطَرُ كَان
وَالوَقْتُ وَاقِفٌ
وَلَيْسَ فِي الرَّأْسِ
إِلاَّ الأَسْمَاءُ الـحُسْنَى
و تَرَانِيمُ مُقَدَّسَة
هِيَ ذِكْرَيَاتِي الـحَزِينَة
سَأَمـْحُوهَا مِنْ رَأْسِي
هَذَا الـمَسَاء.
سَأَمـْحُو تَوَارِيخَ الثَّوْرَة
وَصَايَا الأَوَّلِينَ
وَكَرَامَاتِ الأَوْلِيَاء
لَمْ أَعُدْ أَشْتَهِي
الـخَلاَصَ فِي الثَّوْرَة
وَلاَ السَّكِينَةَ فِي الوَصَايَا
وَ لاَ الشِّفَاءَ فِي الكَرَامَاتِ
هُوَ الـمَطَرُ كَان
وَالوَقْتُ وَاقِفٌ
كُنْتُ أَبـْحَثُ فِي رَأْسِي
عَنْ أَبْيَاتَ لِعُرْوَةَ بْنِ الوَرْدِ
أُرَدِّدُهَا هَذَا الـمَسَاءْ
أَبْكَتْنِي دُمُوعُ الـمَطَرِ الـمَاسِي
وَ زَمْهَرِيرُ الشِّتَاءِ الـمُعَتَّقِ
يـَجْلِدُ الغُرَبَاءْ
وَ الوَطَنُ الـمُسْتَبَاح
يَرْقُصُ عَلَى إيْقَاعِ
الـمَطَرِ الـمِدْرَار.
أَيُّهَا الوَقْتُ الوَاقِفُ
عَلَى حَافَةِ الـجُرْحِ
تَذَكَّر سِيرَةَ الـمَطَرِ
حِينَ يَعْطَشِ الـمَطَر
أَصِخْ بِسَمْعَكَ لِلْمَطَرِ
عَلَّ الـمَطَرَ يَهَبُكَ نَشِيدًا...
هُوَ الـمَطَرُ عِيدُ الأَرْضِ العَطْشَى
سَلِيلُ الطُّوفَان،
عَرَقُ السَّمَاءِ الـمُجْهَدَة،
هَذَا الـمَسَاء
سَأَجْتَهِدُ كَثِيرًا
فِي قِرَاءَةِ رِوَايَات مِيشِيمَا
أَشْعَار خَلِيلْ حَاوِي
وَفَلْسَفَة جِيلْ دُولُوز
سَأَعْتَكِفُ كَأَيِّ صُوفِيٍّ عَلَى قِرَاءَةِ
أَسْرَارِ الفَنَاء
حَيْثُ يَحْلُو شَهْدُ الـمَوْتِ
وَتَيْنَعُ أَزْهَارُ القِيَامَة
هَكَذَا
أُصْغِي كَعَادَتِي
كُلَّمَا تَذَكَّرْتُ نِهَايَتِي
لِزَغَارِيدِ الأُمَّهَاتِ تَزُفُّ الشَّهِيد،
لِحَفِيفِ شَجَرَةِ التُّوتِ
تُظَلِّلُ قَبْرَ الـجُنْدِيِّ الـمَجْهُولِ،
وَلِصَوْتِ مـُحَمَّد الـحَيَّانِي
يُغَنِّي رَاحِلَة،
عَلَى فِكْرَة
يغْرينِي المطر كَثِيرًا
بِتَصَفُّحِ أَلْبُومِ الذِّكْرَيَاتِ
فِي كُلِّ مَرَّةٍ تَطْلَعُ أَمَامِي
صُورَةُ القِدِّيسِ تْشِي غِيفَارَا
ثَارَةً يُلَوِّحُ فِي وَجْهِي بِشَارَة
وَأُخْرَى فِي الـخَنْدَقِ يـُجَابِهُ غَارَة..
بِكُلِّ بَسَاطَة
الـمُكَافَأَةُ الوَحِيدَةُ
الَّتِي يَسْتَحِقُّهَا مِنَِّي غِيفَارَا
أَنْ أهدِيَّ لِلشَّمْسِ دَمِي
لِلْقَمَرِ رَمَادِي
وَلِلنَّاسِ البُسَطَاءِ
قَصَائِدَ مُـخْتَارَة
مِنْ دِيوَان يَعِيش أَهْلُ بَلَدِي
وَيَكْفِي أَنْ أهْدِيَ نَفْسِي
سَيْفًا وَبُنْدُقِيَّة
وَجُرْعَةَ نَبِيد
تَكْفِينِي تَقَاسِيمُ رُوحِي
إيْقَاعُ سَهْوِي
تَرَانِيمُ كَنَسِيَّةُ تُـمَجِّدُ الـمَسِيحْ
وَ حَفْلَةً تَنَكُّرِيَّةً فِي جَنَانِ القَلْبِ،
فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ البَارِدَةِ
مِنْ لَيَالِي أَيْلُول الـمَجِيدَة
نَشْوَانٌ أَنَا إِلَى أَقْصَى النَّحِيب
فَارِحٌ إِلَى حُدُودِ البُكَاء
مَسْرُورٌ إِلَى آخِرِ الكَآبَة
أَسْتَعِيدُ أَفْرَاحِي كَيَتِيم
مَدِينَتِي كَمَنْفِي
مِلَّتِي كَقِدِّيس
مَوْتَتِي كَشَهِيد
هَكَذَا
عِنْدَمَا تَدْنُو مِنِّي نِهَايَتِي
أَشْتَعِلُ كَسُنْبُلَة.
نورالدين بوصباع- تيفلت /المغرب