موعد حب
ينتظرني على قارعة الطريق، كعادته. في يسراه يحمل سيجارته، كعادته. يتمسك بطرفها إلى أن تحرقه، فيرمي بها إلى الشارع، متحسرا عليها.. أطراف أصابعه اصطبغت بلون أصفر.. يطول انتظاره لي. يشعر برغبة في إشعال سيجارة أخرى. يخرج علبته من جيبه، يعد سجائره، ثم يعيدها إلى مكانها كاملة العدد..
حيث يقف، لم تسمح ميزانية البلدية بزرع شجرة يتظلل بها. تحيط به مساحة فارغة، يستوطنها عمي عبد الرحمان الزاهد المتسول لقمة فقط، وأطفال هاربون من حصص الدراسة، يلاعبون كرة هزيلة. وحين تتوقف السيارات أمام إشارة الضوء الأحمر، يهرولون إليها ليعرضوا علب المناديل الورقية..
حين تمر بقربه فتاة تتمايل على كعبها العالي، يلاحقها بنظراته.. ثم متوجسا من غيرتي إذا ما لمحته، وهاربا من سجائره ينضم للأطفال مهرولا خلف الكرة الهزيلة..
- كوووون، يصرخ منفعلا.. ثم يلتقط أنفاسه ويعود إلى مكان الانتظار.. يتصفح هندامه، ينفض عنه بعض الغبار، يلتقط منديلا مستعملا من الأرض ويمسح به طرف حذائه.. ينظر إلى آخر الشارع ثم إلى الجهة الأخرى، وإذ لا يراني قادمة، يخطو بضع خطوات عشوائيا في المكان.. يتلمس علبة سجائره مرة أخرى.. ويعيدها إلى مكانها، مرة أخرى.
لم تتبق له إلا سيجارتان، واحدة سيدخنها متبخترا أمامي، والأخيرة سيودع بها يوما آخر قبل أن يستسلم للنوم..
ينفض عنه الغبار مرة أخرى، يتطلع إلى السيارات المسرعة أمامه.. بالكاد يتفادى علبة مناديل ورقية فارغة يرمي بها أحد السائقين من سيارة فارهة. يبتعد عن الطريق قليلا.. يبادره عمّي عبد الرحمان، كعادته:
- حْب اللي ما يحبك، باطل تشقى.. اتسنى اللي مايجيك، فالطريق تبقى..
- غادي تجي آعمّي عبد الرحمان، غادي تجي.. يردد بدوره..
- خويا، عندك الصرف ديال خمسين درهم؟ يسأله أحد الأطفال
- مكنكسابش خمسين درهم أخويا.. يرد بامتعاض
ينظر إلى ساعة هاتفه المحمول، ثروته الوحيدة، ثم يخطوا بضع خطوات في كل اتجاه..
يمسح عن جبينه بعض التعب، كان يومه طويلا، مرهقا.. عبر المدينة جيئة وذهابا باحثا عن فرصة عمل.. وعده أحدهم بتشغيله حارسا.. له اليوم نبأ سعيد يخبرني به
***
تتفحص وجهها للمرة العشرة في المرآة العتيقة، تقتلع شعرة أخرى من حاجبها. ثم تستعرض مرة أخرى ثوبيها.. أتلبس سروال الجينز والكنزة الصوفية السوداء أم تنورتها البنية والكنزة الصوفية السوداء ذاتها؟ تؤجل القرار لحظة، لتحاول تثبيت شعرها الكثيف.. تتذكر أن تغسل أسنانها وتسرع إلى الحمام.. وهي راجعة تبادرها صاحبة البيت ومشغلتها،
- باقية هنا، الم تذهبي بعد؟
- غادي غي نبدل حوايجي ألالاّ ونمشي..
- لِبسِي الجلابة وسيري باش ما تعطليش.
تعود إلى ركنها في حجرة المؤونة، تعيد لباسيها إلى حقيبتها القديمة، وتلبس جلبابها الأسود، تعرف أني أحب شعرها مسدلا، فترتبه قليلا وإذ تنادي عليها لالاّ حليمة مرة أخرى، تسارع إلى الخروج..
- جمعي داك الشعر وغطّي راسك..
ترجع مرة أخرى إلى ركنها، تجلب منديلا وتخرج أخيرا.. تعبر الشارع الأول، وتدق بخفة على صديقتها نورا.. تفتح الأخرى الباب بسرعة..
- تأخرتِ.. تبادرها بينما تجرها إلى الداخل، ترسم لها شفتيها بقلم أحمر، تحرر شعرها ثم تدفع بها إلى الباب محتفظة بالمنديل:
- سلمي عليه..
وتنطلق مسرعة، تسابق الوقت لتصل إلي.. قد نحظى بوقت أكثر معا
***
- اتسنيتي بزاف؟
- لا عاد وصلت.. خلاتك مولات الدار تخرجي؟
- نعم.
يبحث عن يديها ليحتضنها بيده.. يفكر في سيجارته وعمله المرتقب..
تترك له يدها.. تتمسك به.. تفكر في لالاّ حليمة وكل ما طلبت أن تحضره لها من عند البقال. ليس أمامها وقت طويل..
ينصرفان على عجل.. سيقومان بجولتهما المعتادة حول بضع مبان، ثم يرجعان إلى نفس المكان ليفترقا.. من بعيد يتتبعهما عمّي عبد الرحمان بابتسامة حزينة..
فاطمة الزهراء الرغيويتطوان- المغرب
http://mima-fzr.spaces.live.com/?lc=1036