س
الصديق محمد اللغافي لنبدأ حوارا مفتوحا معك إنطلاقا من هذه الزاوية : ترى هل أثرت نشأة محمد اللغافي على عالم اللغافي الشعري ورؤيته للكتابة
ج
أهلا بالصديق حمدي علي الدين ..وشكرا على هذا الاهتمام ..وسأكون عفويا معك الى حد النخاع ..أعني سوف لا أحضر الأجوبة بل سأرتجلها لتكون أكثر صدقا..
فمن طبيعة الحال فتأثير النشأة غالب على كل مكونات حياتي الخاصة والعمومية..بكل تفاصيلها ..لو لم تكن النشأة عنيفة ما كان شعر اللغافي عنيفا..ونصوصه الأدبية عنيفة..
ورؤيتي للكتابة بالفعل لها خصوصيات لا يمكن أن ألزم بها الآخر وانما تبقى لكل رؤيته وخصوصياته ..
س
لم تكمل مراحل التعليم فكيف كانت قراءتك للشعر ؟ وهل ترى أنه كان أفضل لك أن تكمل ؟ أم أن ذلك كان أفضل ؟
ولي عودة مرات أخرى
ج
أبدأمعك من الأول..أعني أقسم لك حياتي الى مراحل ..مبرمجة عفويا..7 سنوات كنت فيها صبيا ..و7 سنوات قضيتها في التعليم الابتدائي و7 سنوات قضيتها متشردا الى حد الغلو تناولت خلالها كل أنواع المخدرات ..الرديئة .الا السيلسيون..ومشتقاته من "سيراج" وصراصير وأشياء لم تكن في ذلك العهد معروفة..
لكنني تناولت الحشيش الماريجوانا .في المعجون الروج "القرقوبي "بأنواعه" الفاليوم" الأرتينال" الأبتاليدو" وغير ذلك .ومن طبيعة الحال لست وحدي فرفقائي أنذاك من أمثالي كثيرون..ما زلت أذكرهم في داخلي ..وأحمل معاناتهم.مساكين والله ..لهم طموحاتهم لكنهم مغلوبون على أمرهم..
كانت هذه المرحلة الأخيرة بالنسبة الي مدرسة جعلتني أتحسس الوجود بمنظور آخر منفعل ليس فيه بصيص ضوء للأمل المفقود..ففي سن 21 جاءتني دعوة وطنية ..لقد تدكرني وطني الآن ولبيت دعوته .وقضيت 18 شهرا في التجنيد الاجباري....وأنا ممتن لهذه المرحلة ..التي جعلت مني شخصا آخر..
هنا يا أخي بدأت مرحلة المراجعة العامة للنفس..من هنا يا صاحبي وضعت حبيبة نصب عيني .وبدأت أحاول الكتابة اليها ولم أستطع .. كأن الأسلوب كان يخونني عمدا لألتصق بالكتب والمجلات وخصوصا المهتمة بالخواطر ..ما زلت أذكر همسات عبير في احدى المجلات الشرقية على ما أظن.والتي كانت تشدني اليها بايحاءاتها العاشقة ..
وبعد سفر طويل ..وجدتني أصارع الكلمات ..أعني لا أعرف لحد الآن كيف التصقت بي هذه اللعنة الجميلة ..لكنني أعرف أن السبب هو الحرمان والمعاناة..أما عن التعليم ..لست نادما على طردي من المؤسسة بعد فشلي في اجتياز الامتحانات ..لأنني لست ابن وزير أو ابن غني ..حتى ولو نجحت في الامتحانات ما شكل الوظيف الذي سيضمن لي استقرار النفس..لكنني أعرف أنني كنت أكبر من أن أكون رجلا عاديا يبحث عن ملذات الذات فقط..أنا أحلم مع بقية المثقفين بعالم غير هذا العالم المليئ بالأخطاء.
س
من هذا الموقع انطلق في حوار الشاعر المغربي المتميز محمد اللغافي.
*ماذا عن نشاة محمد اللغافي خصوصا داخل الدارالبيضاء ؟ وماذا عن علاقتك بهذا الفضاء الشاسع اقصد الدارالبيضاء كفضاء نفسي بشكل خاص؟
* ما الذي يعنيه لك فضاء سيدي مومن ؟ بما يوحي لك هذا الفضاء الذي يطرح اكثر من سؤال؟
*ما الذي تبقى فعلا من حركة"الحواس الخمسة"، وهي تجربة لها تاريخ مهم ؟ وهل استطعنم فعلا ان تحققوا ما قمتم ببرمجته اثناء انطلاق الحركة (ارجوا ان توضح لنا هذه النقطة بالكثير من التفصيل لانها مهمة للغاية)؟
ج
أهلا أخي مصطفى بلعوني..وأتمنى أن تتقبلوني كما أنا..أنا لم أنشأ في الدار البيضاء..لأن الدار البيضاء هي بوسيجور والوازيز وكاليفورنيا وعين الدياب ..وغير ذلك ويبدأ العد العكسي بالتدريج ..الى أن تصل الى أقصى هامش ..من الدارالبيضاء..وتفصلني عنها عوامل كثيرة ..
الدار البيضاء لا يصلنا منها سوى غبارها ونفاياتها.. المدينة الماكرة فاتنة لكنها مغرورة..ونحن في فضاءات الحي المنسي سيدي مومن..الذي يعيش الآن لحظة زحف الاسمنت ..لحظة لم يعهدها من قبل ..وخصوصا بعد التهمة التي نسبت اليه مؤخرا .".مرتع الارهاب" ونحن أبناء هذا الحي نقول لهم بأن الارهاب دخيل على منطقتنا ..الارهاب تسرب الينا كما تسرب الى مدن أخرى ..وبلدان أخرى ..أما من أبناء هذا الحي أطر في الدولة ..في الأجهزة الأمنية وفي الصحافة ..ومن أبناء هذا الحي كذلك أناس مثلوا المغرب ثقافيا في دول عربية وغربية ..أذكر على سبيل المثال الدكتور حسن حبيبي ..الذي مثل المغرب في ملتقى الجزيرة ..السنيمائي على ما أظن حيث كان عضوا في لجنة التحكيم..والقائمة طويلة...ففضاء سيدي مومن هو الملاد الأرحم بالنسبة لانسان لم يستطع التأقلم مع الحداثة بكل تفاصيلها..
أما عن حركة الحواس الخمس ياأخي فهي تجربة صنعت محمد اللغافي بمعاول المضايقات ..السلطوية أنذاك والسياسية ..والاحتكار السائد الذي كانت وما زالت تمارسه النخبة المعروفة ..الحواس الخمس ..هي تلك الجماعة الفتية التي ظهرت في حقبة كانت تهيمن فيها بعض الحساسيات ..لكننا كنا فخورين بتشجيعات عمالقة الأدب ..من بينهم الدكتور محمد عزيز لحبابي ..الذي كتب فينا موضوعا بعنوان.."مغربيون من نوابغ القرن الواحد والعشرين"
وكل شيئ سيكون مفصلا في السيرة الذاتية ..التي أنا الآن بصدد الاشتغال عليها.الحواس الخمس ..انطلقت من لا شيء..لتؤسس شيء من الأدب..
" اضافي"
نص الحوار كما حرره الصحفي موسى متروف.بجريدة المساء.
الشاعر محمد اللغافي يتحدث عن مؤامرة لقتل الثقافة.
اللغافي باع سيارته وكل كتب النادي التي جمعها مع أصدقائه لطبع ديوان :
محمد اللغافي نمودج حي لشاعر عصامي انطلق من نصف أمية ليرتمي في أحضان الشعر مغامرا بكل ما يملك ..وأسس مع أصدقاء له ناديا شعريا ..نشر مجموعة من القصائد وألهم مجموعة من الأدباء .قال عنه وعن رفاقه الدكتور محمد عزيز لحبابي :بأنهم "مغربيون من نوابغ القرن الواحد والعشرين.".
..موسى متروف..جريدة المساء..العدد-136- 26-2-2007
........................
س: كيف تولدت لديك فكرة كتابة الشعر؟
ج: لالا أعرف كيف التصق بي الشعر ..فأنا أعتبره مثل المهنة التي أزاولها ،التصقت بي دون أن أدري -أظن أن الظروف التي جمعتني ببعض الأصدقاء ساهمت في ذلم ..فهؤلاء كانوا يكتبون الشعر ..مما دفعني للكتابة بجدية بعد أن تعلمت منهم علم العروض. وبعد فترة وجدنا أن القصيدة العمودية قد أكل عليها الدهر وشرب ..وخصوصا مع احتكاكنا بالأساتذة الذين حاولوا توجيهنا الى الكتابة .
س: أذكر لنا بعض الأسماء التي ساهمتفي ذلك..
ج: أذكر المرحوم عبد الله راجع الذي كنا نزوره بثانوية مصطفى لمعاني بالحي المحمدي وأيضا الصديق حسن نجمي والناقد ميلود العثماني والشاعر محمد بنيس والمرحوم محمد عزيز لحبابي الذي كتب عنا مقالا في الصفحة الأخيرة من جريدة" العلم " تحت عنوان "مغربيون من نوابغ القرن الواحد والعشرين"
س: تتحدث عن جماعة" الحواس الخمس " التي شكلتها مع بعض أصدقائك بعد ذلك ،لكن كيف انتقلت الى القصيدة الحديثة ؟..
ج: انتقلت الى كتابة القصيدة الحديثة بعدما أخذني الصديق الشاعر حميد بركي الى المرحوم عبد الله راجع ..وبعد أن اشترى لي كتاب "ميزان الذهب" للخليل ابن أحمد الفراهدي وكان ذلك سنة 1984 لكن راجع حدد لنا معالم القصيدة الحديثة وكان يشرح لنا ذلك على سبورة القسم .وكان بركي كثير الترداد عليه ..التقينا بعد ذلك برواد القصيدة الحديثة وأصبحت لنا علاقات وصداقات بعد الرفض الذي عبر عنه بعض الناس بعد نشر ديوان "سوق عكاظ" وهو ديوان جماعي لشعراء نادي الحواس الخمس الذي كان مليئا بأخطاء عروضية ولغوية .فقد قال أحد النقاد بأن "هذه الجماعة يجب أن تحاكم أدبيا "
س" ما الذي جمعكم أولا في" الحواس الخمس" ؟
ج: بعد قضاء سبع سنوات من الطفولة ثم سبع سنوات في الدراسة الابتدائية فسبع سنوات من التسكع والتشرد ..قضيت فترة الخدمة العسكرية الاجبارية ، وفي هذه الفترة ألقيت بكل الماضي برمته ،"ورميت "حتى بمجموعة أصدقاء السوء ..راجعت نفسي بعد أن انقطعت عن تناول المخدرات وعوضتها بقراءة المجلات وخصوصاالهمسات والخواطر .في هذه اللحظة شعرت بحاجة الى الحب والحياة كباقي الناس الذين يتمتعون بحياتهم ..في هذه اللحظة بحثت عن حبيبة وبدأت أكتب الرسائل لفتاة من حينا ..كنت أكتب الرسائل وأمزقها لأنني لم أكن أقتنع بها ..قضيت 18 شهرا ولم أبعث لها برسالة واحدة .اشتريت كتابا لتعلم كتابة الرسائل ،فكتبت رسالتين أو ثلاثة ..لكنني رميت بالكتاب وقلت في نفسي لمذا لا أتعلم لوحدي كيفية الكتابة..كانت هذه هي البداية .لما عدت الى الحي فكرت في العمل فمارست الخرازة دون أن أتعلمها من قبل.
وقبل ذلك بدأتأبيع وأشتري الأشياء القديمة في سوق الخردة "الجوطية" وخصوصا الأحدية التي كنت أصلحها وحدي .بعد فشل في صناعة "صنادل" نسائية وضياعمبلغ 500 درهم منحنيه الوالد أخدت مكانا في سوق سيدي مومن القديم وأصبحت اسكافيا أتعلم بالممارسة الى أن أصبحت أتقن الحرفة .
في هذا السوق التقيت حميد بركي الذي كنت أعرفه رياضيا مشاغبا .طلب مني أن يسمعني قصيدة ثم طلب مني البحر الذي قرضت عليه وأجبته جزافا بالبحر الطويل وقال "جيد" وهنا طلبت منه أن أسمعه قصيدة ..فبدأت أرتجل ثم سألني عن البحرفقلت بأنه البحر الطويل .بعد ذهابه ندمت على المجازفة وقررت البحث عنه فوجدته بعد عناء طويل لأطلب منه أن يكتب لي كل بحور الشعر فكتب لي 8 من أصل 16 ، وعلمني كيف أدخل الكلمات في قالب التفعيلة .في البيت رجعت الى مقرر النصوص الأدبية للثانوي وقارنت بين ما كتبه بركي وتقطيع أبيات للمتنبي فوجدت فرقا تبين لي بأنه ناتج عن جهلي ، فوجدت بعد أسبوع بركي الذي اقترض 10 دراهم من حلاق يعرفه ليشتري لي كتاب "ميزان الذهب بمبلغ 7 دراهم ونصف .فحفظت "ميزان الذهب عن ظهر قلب.
__وبدأت أكتب القصيدة العمودية ..عرفني حميد بركي على محمد كوبري ومصطفى رضوان والتحق بنا أحمد طنيش وذهبنا الى دار الشباب سيدي مومن وأسسنا نادي "الحواس الخمس" وانطلقت التجربة كمشروع ثقافي كان يحاول أن يفرض نفسه ويتجاوز الحيف الذي عانى منه أنذاك ..تفرق الأصدقاء في "الحواس الخمس" لكن الفكرة بقيت كحركة أدبية وألهمت أسماء كثيرة يكتبون الشعر حاليا كما ألهمت فكرة" جامعة الكتاب الصعاليك " التينادينا بها أنذاك..تأسيس" نادي القصة القصيرة " بمكناس " ورابطة الأدباء بالدار البيضاء وغيرهما
س:.قلت لي بأنك كنت تحارب الأمية في النادي كيف كان ذلك؟
ج: كنا خمسة أعضاء كالعائلة نتمرن على الاعراب ونحفض الشعر وندرس الفلسفة والدين وغير ذلك ..كونا مكتبة تدى حميد بركي والطريف أنه لما أردنا طبع الديوان الأول بعنا كل الكتب وسيارة "ار4" التي كنت أملكها لجمع مبلغ 5000 درهم
س: وهل استرجعتم المبلغ ؟
ج : لم نسترجع أي شيئ الى الآن من مصاريف النشر .لكنني لم أعد أطبع على نفقتي ،لكن المشكل أن هناك مؤامرة لقتل الثقافة من طرف الموزعين الذين يتهربون من توزيع الكتب الأدبية .
س :هل حصلت على جوائز أدبية ؟
حصلت على شواهد تقديرية من جمعيات ثقافية لكنني لا أشارك في المسابقات .لأن هناك هيمنة لبعض الأسماء بعينها التي تعمل كلوبي في الساحة الثقافية.
________________
أهلا أخي شكري بو ترعة وأتمنى أن تجد في أجوبتي ما أنت تتوخاه..واسمح لي ان كنت أتحدث اليك بعفوية مرتجلة لتكون أكثر صدقا..
س
حين تكتب هل تفكر بذاكرتك أم ..بما تمليه اللحظة ؟ أين أنت من قصيدة النثر؟